دعونا نبنِ عراق المستقبل

العراق يضم العديد من الأعراق والثقافات والمعتقدات الدينية المتنوعة، وبدلاً من النظر إلى هذا التنوع باعتباره مصدراً للانقسام يجب علينا الاعتراف باعتباره قوة تثري المجتمع.
الجمعة 2024/02/02
مشروع عراقي وطني لا يستثني أحدا

تعرض العراق لدمار واسع النطاق على الصعيد العمراني والإنساني نتيجة الحروب والحصار، ثم الغزو الأميركي الغاشم، الذي جلب معه الأطروحات الدينية والطائفية لتكريس الفوضى والفساد. والناس في كل مكان يعانون من الفقر والجهل وتفشي المخدرات، وانعدام الأمن والخدمات العامة.

وتكالبت عليه دول عديدة للتدخل في شؤونه سرا وعلنا. وأصبح الآن قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية تستنزف قواه البشرية والاقتصادية لعقود طويلة أخرى. كل ذلك نتيجة استقطابات دينية وطائفية تخدم دول الجوار ولا تخدم الشعب العراقي بكل أطيافه المتنوعة.

ويقف العراق الآن على مفترق طرق، وهو يصارع التحديات التي واجهت شعبه وبنيته التحتية، بعد عجز النظام السياسي عن معالجة الأزمات المتلاحقة حتى وصل إلى مرحلة الاحتضار.

◙ رحلة إعادة بناء العراق تتطلب التزاماً جماعياً بالوحدة التي تتجاوز الاختلافات الدينية والطائفية. ومن خلال الاعتراف بتنوعنا، والتعلم من التاريخ، والتأكيد على القيم المشتركة

 وبينما نفكر في طريق إعادة بناء وطننا، علينا النظر إلى الهوية الوطنية البعيدة عن الانقسامات الدينية والطائفية كمنطلق أساس، وتدعونا الحاجة الماسة للوحدة المبنية على القيم المشتركة والرؤية الجماعية التي تمهد الطريق لوطن مزدهر ومتناغم.

العراق يضم العديد من الأعراق والثقافات والمعتقدات الدينية المتنوعة، وبدلاً من النظر إلى هذا التنوع باعتباره مصدراً للانقسام، يجب علينا الاعتراف باعتباره قوة تثري المجتمع. ومن خلال الأرضية المشتركة يمكننا بناء دولة أكثر شمولا ووحدة.

وقد أصبحت الحاجة ملحة إلى مشروع عراقي وطني لا يستثني أحدا وينبذ الطائفية التي تفرق، ولا تجمع.

والتاريخ العتيد يزودنا بدروس قيمة لتجاوز العواقب المترتبة عن التوترات الدينية والطائفية التي يثيرها أصحاب المصالح النفعية والحزبية الضيقة، ويصبح لزاما علينا التمسك بوطن موحد لتحقيق الاستقرار والاستقلال الناجز.

ومن خلال التعلم من التجارب المريرة يمكننا تحقيق مستقبل زاهر يسود فيه التعاون والرؤية الواحدة على الفرقة والانقسام.

إن إعادة بناء الوطن تتطلب جهودا غير اعتيادية، فالتغيير المنشود يتمثل في تغيير البنية الأساسية للعملية السياسية، بمعنى آخر التخلي عن الطائفية والمناطقية التي مهدت لتدخل دول كبرى، وأخرى إقليمية، حتى صار العراق ساحة لتصفية الحسابات أفقدته سيادته واستقلاله.

ولأجل تقويم العملية السياسية وإعادة بناء الدولة في العراق لا بد من اتخاذ تدابير أساسية لعل أهمها:

مراجعة شاملة للدستور العراقي: أُولى الخطوات لتصحيح المسار، لا بد من تعديل الدستور بما يوائم الطبيعة الاجتماعية والثقافية للشعب العراقي وضمان وحدته، بعيدا عن التقسيمات الطائفية والمناطقية.

والذهاب نحو نظام شبه رئاسي يُنتخب فيه الرئيس من قبل الشعب مباشرةً، ورئيس الوزراء من قبل البرلمان، وتوزع الصلاحيات بينهما لتجنب الاستئثار بالسلطة، مع حظر الأحزاب الدينية والطائفية، لكونها مدعاة للتفرقة والانقسام.

السلام والأمن: تعد سيادة القانون والاستقرار الأمني من أهم متطلبات بناء الدولة، حيث يجب توفير الحماية للمواطنين من العنف والإرهاب واستغلال النفوذ. وفي العراق يعد انتشار السلاح والفصائل الحزبية المسلحة من أبرز التحديات التي تواجه عملية إعادة البناء، والتي يجب مواجهتها بشكل حازم من خلال بناء جيش وشرطة وطنية وإنهاء الميليشيات الحزبية التي تستنزف موازنة الدولة وتعبث بأمن المواطنين.

استقلالية القضاء: مبدأ استقلال القضاء يعني قدرة المحاكم على اتخاذ القرارات في الدعاوى والنزاعات المعروضة أمامها بحيادية، دون تدخلات خارجية وخصوصا من السلطة التنفيذية أو الأحزاب المتنفذة.

التنمية: تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل أمر ضروري لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل ويشمل ذلك الاستثمار في الصناعات الرئيسية، وتشجيع ريادة الأعمال، وتعزيز الصناعة، والتخلص تدريجيا من الاقتصاد الريعي المعتمد على مبيعات النفط.

بناء الهوية الوطنية: يتوجب تعزيز الهوية الوطنية العراقية المشتركة، وبناء شعور بالانتماء إلى الوطن بعيدا عن طغيان الانتماءات الفرعية كالعشيرة والطائفة والقبيلة. وألّا يكون الإيمان بهذه الانتماءات على حساب الانتماء الكلي للوطن وأن أي خلل في ذلك الانتماء سيعود بلا شك بالسلبية تجاه الهوية الوطنية لدى جميع المواطنين.

◙ العراق يقف على مفترق طرق، وهو يصارع التحديات التي واجهت شعبه وبنيته التحتية، بعد عجز النظام السياسي عن معالجة الأزمات المتلاحقة حتى وصل إلى مرحلة الاحتضار

وفي قلب الوحدة الوطنية يكمن العيش المشترك المستند على القيم الوطنية المتجذرة في التاريخ والتراث الثقافي، وتجمعنا رؤية واضحة للمستقبل، تكون أساسا للإحساس بالانتماء إلى الوطن بدل الانتماءات الفرعية الواهية التي تكرس الطائفية والعنصرية.

وهنا يلعب الإعلام دوراً محورياً في كسر الصورة المشوهة للهوية الوطنية الواحدة.

وكذلك من خلال تعزيز التفاهم في المناهج الدراسية المبنية على روح التسامح والاحترام المتبادل، بما يحقق تنشئة أجيال تقدّر الوحدة وترفض التحيزات الجهوية.

إن إعادة بناء العراق تتطلب حكماً شاملاً يضمن التمثيل والمشاركة من جميع شرائح المجتمع.

ومن خلال تفكيك الهياكل التي تديم الاحتكارات الدينية أو الطائفية، يمكننا خلق مشهد سياسي يعكس الوحدة الحقيقية لأمتنا.

وفي الختام، فإن رحلة إعادة بناء العراق تتطلب التزاماً جماعياً بالوحدة التي تتجاوز الاختلافات الدينية والطائفية. ومن خلال الاعتراف بتنوعنا، والتعلم من التاريخ، والتأكيد على القيم المشتركة، وتعزيز التعليم من أجل التفاهم، والدعوة إلى الحكم الشامل، يمكننا وضع الأساس لعراق مزدهر ومتناغم. لقد حان الوقت لصياغة مسار يوحدنا في هدفنا المشترك المتمثل في إعادة بناء وطننا على أسس علمية مجربة.

8