دعوة لتظاهرات مليونية تحمل إرهاصات ثورة عارمة في العراق

البصرة (العراق) – بدأ الحراك الاحتجاجي المتصاعد من أسبوع لآخر في العراق يصدر إنذارات متتالية بإمكانية التحوّل إلى ثورة عارمة في وجه نظام الأحزاب الدينية التي بدت بعد حوالي 16 عاما قضتها في الحكم عاجزة عن تقويم مسيرتها وتدارك أخطائها التي دفعت بالدولة العراقية إلى حافة الانهيار ونشرت الفساد في مختلف مفاصلها، وخلقت أوضاعا اقتصادية واجتماعية وأمنية بالغة السوء.
وأثارت الدعوة إلى تظاهرات مليونية منسقة ومتزامنة الجمعة القادمة في أربع عشرة محافظة من محافظات العراق الثماني عشرة، حالة من الاستنفار في أروقة السلطة ولدى الأحزاب الدينية والميليشيات المسلّحة ذات الصلة بتلك الأحزاب وقادتها، وذلك بالنظر إلى السابقة التي تنطوي عليها هذه الدعوة من قفز على العامل الجغرافي والطائفي والجمع بين المحافظات الشيعية والسنية في هدف واحد وهو التعبير عن الغضب من النظام القائم الذي تضرّر منه جميع العراقيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم.
وخلال السنوات الماضية تركّزت الاحتجاجات التي تحوّلت إلى عامل ثابت مرتبط بفصل الصيف وارتفاع الحرارة وتردّي خدمتي التزويد بالماء والكهرباء، في العاصمة بغداد وعدد من محافظات الجنوب الموطن الأساسي لأبناء الطائفة الشيعية والخزّان البشري للأحزاب الشيعية القائدة للدولة في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام حزب البعث بقيادة الرئيس الأسبق صدّام حسين.
وأطلق على الاحتجاجات المرتقبة اسم “تظاهرة 19 يوليو”، وورد في بيان لمنسّقها خليل الناجي القول إنّ “التظاهرة المرتقبة التي ستكون في 14 محافظة عراقية تظاهرة سلمية والجماهير ستطالب فيها بالخدمات التي تشهد نقصا شديدا بالإضافة إلى المطالبة بتوفير فرص العمل وكشف الفاسدين ونبذ المحاصصة المقيتة”، مضيفا “التظاهرات ستستمر لحين تحقيق مطالبها ولن تتوقف من دون أن يلمس المواطن تحسنا في الخدمات وتوفير فرص عمل خاصة للخريجين وباقي شرائح المجتمع من الشباب”. كما أكّد الناجي أن “الجماهير متلهفة لهذه التظاهرة ونتوقع أن تكون مليونية”.

ورغم تشديد القائمين على مليونية الجمعة القادمة على حصر أهدافها في المسائل المطلبية وربطها بالجوانب الخدمية، وذلك بهدف تجنّب الملاحقة بتهمة تهديد السلم العام والسعي لزعزعة أركان النظام وتهديد العملية السياسية و“المسار الديمقراطي”، إلاّ أن متابعين للشأن العراقي توقّعوا عدم إمكانية السيطرة على المتظاهرين في مختلف المحافظات وحصر مطالبهم في جوانب محدّدة ومنعهم من التعبير عن نقمتهم على النظام القائم والمطالبة بإسقاطه. ولفت هؤلاء إلى الجرأة التي بدأت تميّز المشاركين في التظاهرات وكسرهم حاجز الخوف إلى درجة تخطيهم ما كان يعتبر “خطوطا حمراء” من قبيل المقارنة بين النظام الحالي والنظام السابق والهتاف باسم صدّام حسين خلال المظاهرات.
والأسبوع الماضي ردّد متظاهرون بحي الجزائر في محافظة البصرة هتافات “بالروح بالدم نفديك يا صدام” مستعيدين بذلك نفس الشعار الذي هتف به متظاهرون في احتجاجات شهدتها منطقة الدولعي بالعاصمة بغداد في وقت سابق من نفس الأسبوع. ويرى مراقبون أنّ الحنين إلى حقبة صدّام يمثّل ذروة النقمة الشعبية على تجربة الحكم الحالية ورموزها الذين تحوّلوا في أعين الغالبية العظمى من العراقيين إلى عناوين للفشل في إدارة شؤون الدولة وللفساد والانتهازية والتكالب على المناصب وما تدرّه من مكاسب مادية.
وتحمل الاحتجاجات الجارية حاليا في العراق ميزة تلقائيتها وعدم تأطيرها من قبل أي قوّة سياسية على العكس من احتجاجات سابقة كان العراق قد شهدها في 2016، ورغم بلوغها مدى كبيرا فقد كان مسيطرا عليها من قبل التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ما منعها من تخطي عتبة المطالبة بإصلاح النظام إلى إسقاطه.
ويضع توسّع موجة الاحتجاجات في العراق قادة الأحزاب الدينية والميليشيات المسلّحة في ورطة كونهم المستفيدين من تجربة الحكم القائمة.

وبدأت السلطات العراقية تستعد لمليونية الجمعة القادمة وتوجّه الإنذارات لمن يعتزمون المشاركة فيها. وأصدر محافظ البصرة أسعد العيداني بيانا دعا فيه منظمي التظاهرات إلى الحصول على موافقات مسبقة، قائلا “من يحشد للتظاهرات عليه تقديم طلب رسمي للمحافظ بصفته رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة لغرض توجيه القيادات الأمنية بحماية تلك التظاهرات”.
وأضاف في بيانه أن “التظاهرة سيكون عنوانها سلميا ومضمونها سيؤجج الوضع مجددا في المحافظة”، متوعّدا بأنّ “القوات الأمنية ستتصدى لمن يحاول أن يعيد البصرة إلى مربع الحرق والتخريب”، وأن “أي شخص يدخل المحافظة لقيادة التظاهرات ستتم مساءلته من الأجهزة الأمنية عن سبب المجيء للمحافظة والإقامة فيها”.
وخلال الصيف الماضي امتدت الاحتجاجات في البصرة إلى محيط المباني والمنشآت ذات الصلة بقطاع النفط التي حاول المحتجون اقتحامها احتجاجا على تبديد الثروة النفطية التي يُنتَج القسم الأكبر منها في المحافظة، وعلى عدم استفادة الأهالي منها. ويعني المساس بقطاع النفط كارثة للحكومة العراقية التي تعاني أصلا صعوبات مالية.
وتخشى الأحزاب والميليشيات الشيعية أن تتكرر أحداث الصيف الماضي التي اعتبرت على نطاق واسع إهانة لها بعدما أحرق المتظاهرون عددا من مقرّاتها فضلا عن إحراق مبنى القنصلية الإيرانية في البصرة.
ويخشى مراقبون أن يتمّ اتباع أسلوب القوّة لمواجهة تظاهرات الجمعة القادمة، الأمر الذي قد يقود العراق إلى منزلق خطير خصوصا إذا شاركت الميليشيات المسلّحة في قمع الاحتجاجات حماية للنظام الذي يقوم فيه قادة الميليشيات ذاته بدور محوري.