دعوة بري إلى جلسة نيابية لانتخاب رئيس للبنان "رفع عتب"

تخلّى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري عن معادلته القائلة بوجوب حصول توافق سياسي قبل الذهاب إلى تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس المقبل، في قرار يعكس عدم رغبته في تحمّل وزر عدم استكمال الاستحقاق الدستوري، وإلقاء الكرة في ملعب الكتل النيابية.
بيروت - دفعت الضغوط الدولية والمحلية رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى التراجع عن موقفه لجهة ربط تحديد موعد لانتخاب رئيس للجمهورية بتوصل الكتل السياسية إلى اتفاق حول هوية الرئيس المقبل.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن الجلسة التي حددها الرئيس بري ليوم الخميس المقبل ليست سوى “رفع عتب”، حيث من غير المرجح أن تسفر عن انتخاب خليفة لميشال عون، في ظل تباعد المواقف بين القوى السياسية وحتى تلك الحليفة.
وقال بيان صادر عن مكتب بري الإعلامي الثلاثاء إن رئيس البرلمان “دعا النواب إلى عقد جلسة الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم الخميس 29 سبتمبر 2022 وذلك لانتخاب رئيس للجمهورية”.

جبران باسيل: اللقاء في دار الفتوى كان دعوة للتلاقي لا للخصام
وترى الأوساط أن قرار بري بتحديد موعد انتخاب رئيس للجمهورية جاء بفعل ضغوط دولية ومحلية قادها بكركي، تطالب بضرورة استعجال استكمال الاستحقاق الرئاسي، وعدم ترك الأمور حبيسة توافق قد لا يحصل، في ظل مخاوف من سيناريو الفراغ الرئاسي السابق الذي ظل لأكثر من عامين قبل أن يجري انتخاب عون.
وكان رئيس مجلس النواب صرح في وقت سابق من الشهر الجاري “عندما يكون هناك شيء من التوافق سوف أدعو إلى جلسة”. وقال بري “إن المغامرة تكمن في أن ندخل إلى المجلس وأن لا يكون هناك توافق ويكون هناك تفرّق”، مشددا على أن التروي مطلوب في هذا الموضوع، وأكد “نريد شيئا من التوافق عندها سوف تجدونني أحدد جلسة فوراً”.
وأثارت تصريحات بري آنذاك ردود فعل واسعة لاسيما من البطريركية المارونية التي رأت في قرار بري تأجيل انتخاب الرئيس إلى حين حصول اتفاق سياسي هو دفع باتجاه الفراغ، وأيضا عملية إقصاء للدور المسيحي.
وتساءل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأحد الماضي “بأي راحة ضمير، ونحن في نهاية الشهر الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي لم يدع بعد إلى أي جلسة لانتخاب رئيس جديد، فيما العالم يشهد تطورات هامة وطلائع موازين قوى جديدة من شأنها أن تؤثر على المنطقة ولبنان؟”.
وأضاف الراعي “صحيح أن التوافق الداخلي على رئيس فكرة حميدة، لكن الأولوية تبقى للآلية الديمقراطية واحترام المواعيد، إذ أن انتظار التوافق سيف ذو حدين، خصوصا أن معالم هذا التوافق لم تلح بعد”.
وشدد الراعي على أن “انتخاب الرئيس شرط حيوي لتبقى الجمهورية ولا تنزلق في واقع التفتت الذي ألمّ بدول محيطة. لا يوجد ألف طريق للخلاص الوطني والمحافظة على وحدة لبنان بل طريق واحد، هو انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع لا بالاجتهاد، وبدون التفاف على هذا الاستحقاق المصيري. إن الدساتير وضعت لانتخاب رئيس للجمهورية، لا لإحداث شغور رئاسي. فهل الشغور صار عندنا استحقاقا دستوريا، لا الانتخاب؟”.
وقبلها صدر موقف مشترك من السعودية والولايات المتحدة وفرنسا دعت من خلاله الدول الثلاث إلى وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات اللازمة لمعالجة الأزمتين السياسية والاقتصادية.
وبدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من جانب أعضاء مجلس النواب في الأول من سبتمبر الجاري، وتنتهي في الحادي والثلاثين من أكتوبر.
وعليه، يتحضر لبنان لإجراء الاستحقاق الدستوري الذي يجب أن يُجرى قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، التي أكملت ست سنوات منذ العام 2016 كانت حافلة بالأزمات.
وتطرح أسماء عدد من الشخصيات الوازنة على المسرح السياسي اللبناني للمنصب على غرار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يبدو أنه مدعوم من قبل حزب الله وحركة أمل، وأيضا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع.
وهناك أسماء من خارج المنظومة السياسية التقليدية التي ارتأت خوض معركة الانتخابات، على غرار السفيرة السابقة لدى الأردن ترايسي شمعون المقرّبة من الرئيس عون وحفيدة الرئيس الأسبق كميل شمعون، والتي أعلنت ترشحها في التاسع والعشرين من أغسطس، وعرضت برنامجها بعنوان “رؤية جديدة للجمهورية”.
وسبقها زياد حايك الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة الذي يشغل منصب رئيس الجمعية العالمية لوحدات الشراكة في جنيف التي تنتمي إليها 41 دولة، حيث أعلن في السادس والعشرين من أغسطس ترشّحه وفق برنامج حمل شعار “الازدهار والأمان وكرامة الإنسان”.
ومن بين الشخصيات التي قدمت ترشحها مي الريحاني الناشطة في مجال تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها، وهي كاتبة وشاعرة وناشطة في مؤسسات التنمية الدولية ومقيمة في الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن هؤلاء المرشحين لا يملكون أي فرصة للنجاح، ذلك أن انتخابات الرئاسة في لبنان تجري بناء على صفقات سياسية بين القوى المشكّلة للمنظومة التقليدية، ومتأثرة أيضا بالمواقف الدولية والإقليمية.
ويشير المراقبون إلى أن حظوظ فرنجية تبدو الأوفر حاليا في ظل الدعم الذي يحوزه من قبل الثنائي الشيعي، لكن رئيس التيار الوطني الحر الذي يستشعر خذلانا من حليفه حزب الله لا يزال يدافع بشراسة عن حظوظه.
ويلفت هؤلاء إلى الزيارة التي قام بها باسيل الثلاثاء إلى دار الفتوى في محاولة على ما يبدو لكسب الكتلة السنية لصالحه، وأيضا خطب ودّ السعودية التي عادت بقوة إلى المشهد السياسي اللبناني وهو ما ترجم في تحركات سفيرها وليد البخاري، واللقاء الذي جمع المملكة مع فرنسا والولايات المتحدة قبل أيام وأسفر عن تحديد الدول الثلاث لمواصفات الرئيس اللبناني المقبل.
وحرص باسيل خلال لقائه مع المفتي عبداللطيف دريان على تقديم تطمينات بشأن حرصه على اتفاق الطائف، وعلى مشروعه للحفاظ على هوية لبنان العربية.
وقال رئيس التيار الوطني الحر عقب اللقاء إنه قدم مقاربة مختلفة على حساب تياره في الشأن الرئاسي، ولكن من دون التنازل عن التمثيل الشعبي لرئيس الجمهورية سواء بالمباشر أو بالتأييد.
وأشار إلى أنه لا خلاف على هوية لبنان العربية، قائلا “نحن متيقنون أن لبنان بحاجة إلى احتضان دائم من الدول العربية وعدم تدخّلها بشؤوننا يحتم علينا رفض التدخل بشؤون أي منها، إذ لا قدرة لنا على ذلك”.
وكشف باسيل أن اللقاء في دار الفتوى كان دعوة للتلاقي لا للخصام والتقوقع في مذهب أو طائفة معينة، مشيرا “رأينا في لقاء دار الفتوى كلاماً وطنياً لا يختلف عليه لبنانيان وأتينا لنؤكد وقوفنا إلى جانب المفتي في كل الكلام الذي صدر لاسيما لناحية الدستور ووثيقة الطائف التي نتمسك بتنفيذها لناحية اللامركزية وإنشاء مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية”.
وأكد “نريد الحفاظ على علاقاتنا مع الدول العربية لما فيه مصلحة لبنان في العيش بسلام في محيطه العربي”.
ويقول المراقبون إن باسيل يحاول جاهدا الحصول على دعم دار الفتوى بالنظر إلى تأثيرها على مواقف النواب السنة، وأيضا هو يسعى من خلالها لترطيب الأجواء مع السعودية، ملمحا إلى أنه على استعداد لاستدارة في حال نجح في الوصول إلى موقع الرئاسة، لاسيما وأنه يرى بأن تحفظ حزب الله على توليه المنصب هو طعنة في الظهر.
ويستبعد المراقبون أن تسفر تحركات باسيل عن أي نتائج في غياب ثقة الأطراف المقابلة به، والتي لا تريد تكرار خطأ دعم عون للرئاسة.
وبحسب الدستور، يُنتخب الرئيس بالاقتراع السرّي بغالبية ثلثَي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، بينما تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك.