دعوات في تونس إلى تغيير السياسات المائية المتبعة منذ عقود

تونس - تصاعدت الدعوات المنادية بتغيير السياسات المائية المتبعة في البلاد، بسبب ضعف نتائجها في ضمان حق مختلف المناطق في الماء الصالح للشرب.
وحسب أرقام رسمية، لا تتحكم السياسات المائية للدولة التونسية إلا في ما قيمته 4.8 مليار متر مكعب من مواردها المائية في السنة.
وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.
ودعا قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، السبت، إلى تغيير السياسات المائية المتبعة منذ عقود والتي لم تلتزم في إدارتها لهذا المورد، بضمان حق الجميع في مياه شرب مأمونة ونظيفة.
واعتبر في بيان أصدره، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمياه الذي يوافق يوم 22 مارس من كل سنة، أن الأزمة المائية الحالية تعكس الحاجة الملحة إلى تبني إستراتيجيات أكثر فاعلية لتجاوز الإشكاليات الهيكلية في إدارة الموارد المائية التي أثبتت عدم نجاعتها عبر حرمان الآلاف من حقهم/ن في مياه الشرب.
ودعا قسم العدالة البيئية والمناخية، في هذا الصدد، إلى وجوب أن ينطلق هذا المسار الإصلاحي من مراجعة مجلة المياه وتأهيل فصولها للنأي بالماء عن التحول إلى سلعة، مع تعزيز بعده الاجتماعي وحمايته من الهدر عبر قوانين صارمة وملزمة تطبق على جميع المستغلين على قدم المساواة، كما حثّ على ضرورة العمل على تبني مقاربة تقوم على الحق في الماء والعدالة المائية وتتماشى مع ترشيد استهلاك المياه، بالإضافة إلى تبني رؤية اجتماعية واقتصادية وبيئية للموارد المائية.
تهديدات العطش تتواصل في ظل التغييرات المناخية المتسببة في الجفاف والاستعمالات غير المدروسة للماء
وأشار إلى الحاجة إلى إجراءات عاجلة من قبل سلطة الإشراف، عبر التناول الجدي للتحديات التي يطرحها شح المياه و صياغة تدابير استباقية وناجعة للتكيف مع الواقع المائي الصعب وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية. واعتبر أن إحياء اليوم العالمي للمياه يعد بمثابة الدعوة لبذل المزيد من الجهد لحل أزمتي مياه الشرب والري، لاسيما وأن تونس تواجه فيه أزمة مائية متنامية ومتشابكة تتداخل فيها عوامل عدة، وتتفاقم فيها أزمة العطش وشح مياه الري.
وذكر في ذات السياق، بأن العجز المائي في تونس طال المياه المخصصة للشرب بشكل خاص، إذ لا يزال فقدان الماء يشكل تحديا بيئيا كبيرا يواجهه الأفراد بسبب نقص مياه الشرب أو انعدامها في العديد من المناطق، واتساع دائرة العطش الناتج عن الانقطاع المتكرر لهذا المورد.
وتتواصل التهديدات للمنظومة المائية خاصة في ظل التغييرات المناخية التي تسببت في تفاقم ظاهرة الجفاف والاستعمالات غير المدروسة للماء، حيث سجلت سنة 2024 مستويات متدنية لتعبئة الموارد المائية ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود 35 في المئة رغم ارتفاع معدل التساقطات وهو ما يرجع إلى تدهور المنشآت المائية التي تراجعت نجاعتها في استيعاب الايرادات المائية وتخزينها.
وعلى الصعيد الاجتماعي مثل الحق في الماء المطلب الرئيسي في التحركات البيئية لسنة 2024 حيث تم تسجيل 252 تحركا احتجاجيا نفذه السكان من أجل الحق في الماء وهو ما يمثل نسبة 59 في المئة من جملة التحركات البيئية.
ويتميز مناخ البلاد التونسية عموما بالجفاف وبقلة التساقطات المطرية ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى مناخها المتوسطي وموقعها من خطوط العرض وبدرجة ثانية بخصائص الدورة الهوائية العامة التي تحول دون وفرة التساقطات المطرية وبخاصة في فصل الشتاء باعتباره فصل الذروة المطرية.
ويبقى أن أشار بلاغ للمرصد التونسي للمياه إلى أن رقعة العطش في تونس بدأت تتحول فمنذ 6 سنوات كانت خارطة العطش تتصدرها دائما المحافظات الداخلية قفصة (جنوب غرب) القيروان (وسط) سيدي بوزيد (وسط) صفاقس (شرق) القصرين (غرب).
وتغيرت الخارطة بسبب نقص المياه في السدود وأصبحت المحافظات الكبرى وهي تونس الكبرى (تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس) والوطن القبلي (محافظة نابل) وصفاقس والمدن الساحلية (سوسة والمنستير والمهدية) تتصدر خارطة العطش منذ سنتين.
وتنقسم الجغرافيا التونسية تقريبا إلى شمال ووسط وجنوب، حيث يشهد الشمال بحكم تأثره بمناخ البحر الأبيض المتوسط في فترات الشتاء تساقطات شبه محمودة، في حين أن الوسط وخاصة الجنوب فتغلب على أجوائه المناخية درجات حرارة عالية تتسبب فيها رياح سيروكو عالية الحرارة، بما يجعل الجفاف وندرة التساقطات السمات الجوهرية تقريبا للوسط والجنوب.
وعلى الرغم من حالة الندرة المائية التي يتوفر عليها مناخ البلاد التونسية فإن حجم التساقطات سنويا يصل إلى ما قيمته 34 مليار متر مكعب من مياه الأمطار، لا تستغل منهم الدولة التونسية إلا ما قيمته 2.7 مليار متر مكعب سنويا مضافا إليها 2.1 مليار متر مكعب من المياه الجوفية القابلة للاستغلال.