دعوات في العراق لمعالجة ثغرات في قانون حق الحصول على المعلومة

بغداد – يثير مشروع قانون "حق الحصول على المعلومة" بنسخته الحالية الذي أنهى البرلمان العراقي قراءته الثانية في الثالث من أغسطس الماضي جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية والإعلامية، إذ يوصف بـ"الملغوم" لاحتوائه على نصوص وفقرات تقيّد قدرة الصحافيين على الحصول على المعلومات التي يحتاجونها من دوائر الدولة.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، يطالب الصحافيون العراقيون بقانون يضمن لهم العمل بحرية من دون التعرض للمساءلة القانونية أو التهديدات التي تصل إليهم من مسؤولين وجماعات مسلحة وأحزاب، وينص على إمكانية الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية أو شبه الرسمية، إضافة إلى ضمان حرية التحرك والدخول إلى مؤسسات الدولة، سواء التي تُثار حولها شبهات الفساد أو تلك التي تحتوي على سجلات وملفات تخدم المواد الصحافية.
لكن جهود الصحافيين لم تنجح، بل إن كتلا برلمانية في مجلس النواب العراقي سعت إلى الاحتيال على مسودة القانون لأجل منع وصول المعلومات إلى الصحافة، فيما تستمر اتحادات وتجمعات وتحالفات المنظمات المعنية بحرية العمل الصحافي بتنظيم الحملات الإعلامية والمسيرات من أجل إجبار السلطات على سنّ القانون بعيدا عن تلاعب الأحزاب به.
وفي يونيو العام الماضي، وجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة.
وقال السوداني، في الاحتفال الرسمي الذي أقامته نقابة الصحافيين العراقيين بمناسبة العيد الـ154 للصحافة في البلاد، إنه "وجّه بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وتقديم الملاحظات بشأنه، من أجل إرساله إلى مجلس النواب".
لكن هذا الإعلان لم يطمئن الصحافيين، بل تخوف بعضهم من احتمال إقرار قانون لا يناسب تطلعات العاملين في قطاع الإعلام والصحافة، خصوصا مع وجود أحزاب داخل البرلمان العراقي لا تسمح بحرية الصحافة خشية من فضح عمليات فساد كبرى جرت في البلاد خلال العقدين الماضيين.
ويُعد تشريع قانون "حق الحصول على المعلومة" خطوة حيوية لتعزيز المساءلة في العراق، وهو أحد الأدوات المهمة التي تمكّن من مراقبة عمل المؤسسات الحكومية وتحسين الأداء العام. غير أن النسخة المقترحة من القانون تحتوي على مواد يعتبرها إعلاميون ومنظمات حقوقية، أنها تشكل تهديدا واضحاً لهذه الأهداف، فبدلا من تعزيز الشفافية، يمكن أن تؤدي بعض المواد إلى زيادة ممارسات السرية وتقويض مبدأ الوصول إلى المعلومات.
و أبرز الانتقادات الموجهة للقانون تتمثل في وجود مواد قد تساهم في تفاقم مشكلة عدم الشفافية وحجب المعلومات التي تزيد من خطر الفساد.
ويُضعف القانون من قدرة المؤسسات على تعزيز سيادة القانون، ويتيح للمسؤولين في مؤسسات الدولة صلاحيات واسعة لتصنيف المعلومات على أنها “سرية” بدون معايير واضحة.
ومثل هذه الصلاحيات التقديرية سوف تُستخدم كأداة لحجب معلومات هامة تتعلق بمناقصات حكومية أو عقود خاصة، مما يزيد من غموض العمليات الحكومية ويجعلها عُرضة للفساد.
ويواجه المشروع معارضة شديدة من صحافين وحقوقيين ومنظمات غير حكومية يرون الصيغة الحالية للقانون تحتاج إلى تعديلات جوهرية لضمان توافقها مع المعايير الدولية والدستور العراقي، وكذلك لتلبية تطلعات الشعب العراقي في الحصول على المعلومات بشكل حر وشفاف.
وكشفت منظمة برج بابل، اليوم الأحد، عن تقديمها ألف توقيع لصحافيين ومحامين إلى أربع لجان برلمانية من أجل تعديل مسودة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة والمضي في تشريعه.
وقالت المنظمة في بيان، إن "حملة التواقيع التي تم جمعها تم تقديمها مع نسخة من المقترحات والتعديلات من قبل الفريق القانوني للمنظمة، إلى عدد من اللجان البرلمانية، منها حقوق الإنسان، والثقافة والإعلام، والنزاهة والقانونية في مجلس النواب كما تم تسليم نسخة منها إلى رئاسة البرلمان".
وأضافت أن "الغرض من ذلك هو إجراء التعديلات التي تم تقديمها على مسودة المشروع قبيل التصويت عليه".
ونقلت المنظمة عن رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، أرشد الصالحي، قوله "نحن ندعم التصويت على مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، والاستماع إلى آراء ومقترحات منظمات المجتمع المدني".
وقال الصالحي خلال تسلمه نسخة المقترحات والتعديلات القانونية من قبل فريق منظمة برج بابل، إن "القانون مهم ويجب التنسيق والتعاون مع الصحافيين والمنظمات المدنية وأخذ آرائهم وملاحظاتهم، كذلك آراء القانونيين من أجل تشريع قانون يحمي المال العام ويكافح الفساد ويضمن حقوق وواجبات أفراد المجتمع".
وتسعى منظمة برج بابل منذ العام 2017 للدفاع والمطالبة بالتصويت لقانون حق الحصول على المعلومة لأهميته في الحد من الفساد، وأن حملتها للعام 2024 تضمنت جمع توقيع ألف صحافي ومحامٍ وتقديمها رسميا الى اللجان البرلمانية المعنية للمطالبة بإجراء التعديلات والتصويت على مشروع القانون.
وتكمن أهمية قانون حق الحصول على المعلومة في دعم مفاهيم الشفافية، وتقليل الفساد عبر كشفه، وتشديد الرقابة الشعبية على المؤسسات الحكومية، من خلال بيانات وأرقام ومعلومات حقيقية تزيد من ثقة الجمهور بالصحافة، لا سيما أن الأحزاب المتنفذة والماسكة بالسلطة بعد عام 2003 عملت على شيطنة هذه المهنة، واتبعت أساليب أدت إلى تطويقها بأسوار من الخوف والتهديد، في حين قتل وغيّب العشرات من ممارسيها خلال تغطيتهم ملفات معينة، وتحديداً المتعلقة بالفساد واحتجاجات الحراك المدني، وأقيمت ضد عشرات آخرين دعاوى قضائية.
يذكر أن العراق تراجع من المرتبة الـ167 إلى المرتبة الـ169 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود ويشمل 180 دولة.
وقد حذرت "مراسلون بلا حدود"، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، من أنه "بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والتظاهرات، يواجه الصحافيون تهديدات من كل حدب وصوب، في ظل ضعف الدولة ومؤسساتها التي تتقاعس عن دورها في حمايتهم".
ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أنه "إذا كان الدستور يكفل حرية الصحافة نظرياً، فإن القوانين المعمول بها تتعارض مع بعض مواده، إذ غالباً ما تلجأ الشخصيات العامة إلى المحاكم لمتابعة الصحافيين الذين يحققون في أنشطتهم، وعادة ما تكون الملاحقة بتهمة التشهير.
كما أنّ مشروع القانون المتعلق بالجرائم الإلكترونية، الذي يعود إلى الواجهة بانتظام، جاء ليزيد من متاعب أهل المهنة، حيث ينص على عقوبات بالسجن (تصل إلى المؤبد) بسبب منشورات إلكترونية تمس استقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا".