دعوات إلى تطبيق "ضريبة المسجد" على المسلمين في ألمانيا

مساع ألمانية لتجفيف منابع تمويل الإسلاميين، والاتحاد الإسلامي التركي يد أردوغان الطولى في أوروبا.
الخميس 2018/12/27
من يمول يفرض أجندته

برلين - يقر مراقبون أن تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي للمساجد والجمعيات الخيرية في أوروبا مقاربة تظل عاجزة لوحدها ما لم يتم دعمها بآليات داخل المجتمعات نفسها تمكن الهيئات الإسلامية من تدبير شؤونها داخليا، بعيدا عن أجندات الممولين.

وكشفت الصحوة الغربية تجاه توغل تنظيم الإخوان المسلمين في المجتمعات الأوروبية مناورات التنظيم الفكرية والأيديولوجية التي تقف خلفها دول إسلامية كبرى مثل تركيا، ما دفع بالغرب إلى محاصرة منتسبي الجماعة ومواردهم اللوجستية، وأتباع سياسة أكثر حزما تجاه التنظيم، الذي لم يعد خداعه يؤتي أكلا.

وفي هذا الإطار، طالبت المحامية الألمانية المنحدرة من أصول تركية، سيران أطيش، بتطبيق “ضريبة المسجد” على المسلمين في ألمانيا أسوة بـ”ضريبة الكنيسة”، فيما يوجه ساسة ألمان اتهامات للاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا (ديتيب) بممارسة أعمال جوسسة عبر الهيئات الإسلامية التابعة له والمعتمدة كليا على تمويلات من النظام التركي.

وقالت أطيش، مؤسسة مسجد “ابن رشد-غوته” الليبرالي في برلين والتي تعرضت إلى محاولة اغتيال بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إغلاقه، “كل ما تحتاجه المساجد من الممكن تدبيره في المستقبل من الأعضاء أنفسهم”.

ويدعو مسجد “ابن رشد-غوته” في حي موابيت ببرلين إلى إسلام ليبرالي وتفسير للقرآن داعم للمساواة بين الجنسين.

ويتم تمويل الكثير من الاتحادات الإسلامية والمساجد في ألمانيا من تركيا، ما يجعلها عرضة للاتهام بالترويج لقيم مثيرة للشك على المستوى السياسي ودعم تكوين مجتمعات موازية، حيث وعلى خلاف الكنائس، لا تحصل الدولة الألمانية على ضرائب من أجل المساجد.

ويقتصر حصول المساجد على أموال من الدولة في حالات تمويل مشروعات معينة، مثل دعم اندماج اللاجئين المسلمين في المجتمع أو إبعاد الشباب السلفي عن التيار المتطرف.

وداخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا، دعا نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي تورستن فراي إلى تطبيق “ضريبة مسجد”، قائلا “يتعين أن يكون هدفنا هو تحرير الإسلام في ألمانيا من تأثير دول أجنبية وتعزيز التوجه المحلي للتسامح، إن ضريبة المسجد ستكون خطوة مهمة في ذلك”.

سيران أطيش: كل ما تحتاجه المساجد مستقبلا يمكن تدبيره من الأعضاء أنفسهم
سيران أطيش: كل ما تحتاجه المساجد مستقبلا يمكن تدبيره من الأعضاء أنفسهم

وتعول تركيا على المساجد التابعة لها في ألمانيا للتأثير على المسلمين وبث خطابها السياسي، وهو ما أشار أليه وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر وأكدته أجهزة الاستخبارات.

ويواجه اتحاد “ديتيب” انتقادات في ألمانيا بسبب قربه مع الحكومة التركية، ويعتبره ناقدون اليد الطولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويُشتبه في أن عددا من أئمة ديتيب كانوا يتجسسون على معارضي أردوغان وينددون بهم بتعليمات من أنقرة، حيث ترسل رئاسة الشؤون الدينية التركية “ديانت” كافة أئمة “ديتيب”، وعددهم نحو 900 إمام، إلى ألمانيا وتدفع لهم رواتبهم.

وتم حفظ التحقيقات ضد عدد من هؤلاء الأئمة بتهمة التجسس في ديسمبر الماضي، رغم أن الادعاء العام الألماني أعلن في ذلك الحين أنه يرى شبهة كافية ضد المتهمين السبعة، إلا أنه ليس بمقدوره تحريك دعوى قضائية ضدهم بعد مغادرتهم ألمانيا لهدف غير معلوم.

ويشتبه في أن هؤلاء الأئمة جمعوا معلومات عن أنصار لحركة فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وأخبروا بها القنصلية التركية في كولونيا.

وكانت صحيفة دي فيلت واسعة الانتشار قد ذكرت في وقت سابق، أن الشرطة الاتحادية الألمانية حذرت أعضاء في البرلمان من أن الاستخبارات التركية ربما تتجسس عليهم وأنهم قد يواجهون أيضا أخطارا أمنية محتملة من مواطنين أتراك.

وقالت الصحيفة الألمانية “أجرى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية مناقشات أمنية مع عدة أعضاء بالبرلمان في الأسابيع الأخيرة”. مضيفة “يقال إن المناقشات تركزت على التجسس المحتمل للاستخبارات التركية والأخطار الأمنية التي يمثلها المواطنون الأتراك”.

وكشف تقرير إعلامي ألماني عن اتهام طالبي لجوء أتراك موظفين في هيئات ألمانية معنية بشؤون الأجانب بالوشاية ضدهم لدى وسائل إعلام مقربة من السلطات التركية، وفي تقرير استقصائي مشترك تحدثت مجلة “دير شبيغل” الألمانية وشبكة “أي.آر.دي” عن لاجئين أتراك، حددت صحف أو محطات تلفزيونية تركية أماكن إقامتهم في ألمانيا، ووصمتهم بالإرهاب.

ويقول الخبير الاستخباراتي والكاتب “إريش شمدت إينبوم” لموقع “لوكال” الإخباري الألماني “بوجود نحو 3 ملايين شخص من أصول تركية في ألمانيا، فهذا يعني أن كل مخبر يمكن أن يراقب 500 شخص، وهو رقم أكبر مما كان جهاز شتازي يراقبهم في ألماني “.

وأعلنت الحكومة الألمانية في يناير2017 تعقبها لأنشطة الاستخبارات التركية داخل أراضيها، حيث تقدم نواب البرلمان عن حزب اليسار الألماني “سفيم داغدالات وولف جانج جيرك وأنيتة جروث” بمذكرة استفهامية إلى البرلمان بشأن أنشطة الاستخبارات التركية داخل الأراضي الألمانية، مطالبين الحكومة بالرد عليها.

وأشارت المذكرة إلى أن رئاسة الشؤون الدينية التي تعمل تبعًا لأنقرة واتحاد الديمقراطيين الأتراك في أوروبا ينفذون أعمالاً استخباراتية في ألمانيا بجانب جهاز الاستخبارات التركي.

ويقول متخصصون في الشأن التركي إن الشبكة التي تمتلكها جماعة فتح الله غولن في الخارج هي نفس الشبكة التي كان يستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عهد التحالف الذي جمعه بالداعية التركي قبل أن يدب الخلاف بينهما وينقلب الأمر إلى حرب تخاض بين التيارين في بلدان العالم.

ويضيف هؤلاء أن المسألة تعكس أزمة أصابت الإسلام السياسي عامة وفي تركيا خاصة، والتي شهدت ذروتهت في محاولة الانقلاب التي جرت في 2016.

5