دعم واشنطن لعقود كردستان يقلب طاولة النفط والغاز في العراق

دعم واشنطن لعقود الإقليم مع شركتين أميركيتين يؤكد شرعيتها دوليا، ويُضعف موقف بغداد قضائيا، مما يدفع نحو حلول توافقية تُعزز استقرار العراق.
الأربعاء 2025/05/28
تعزيز مكانة كردستان كشريك موثوق

واشنطن - أكدت الولايات المتحدة الثلاثاء دعمها العقود التي أبرمتها شركات طاقة أميركية مع إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، مما يمثل ضربة قوية للحكومة الاتحادية في بغداد ويؤكد على استقلالية الإقليم في إدارة موارده الطبيعية.

ويأتي هذا الدعم في وقت حرج، حيث تسعى بغداد إلى تعطيل هذه الاتفاقيات عبر المحكمة الاتحادية العليا حيث تقدمت بدعوى قضائية ضد الإقليم، لكن الموقف الأميركي يضع هذه المساعي أمام تحد كبير.

ويساهم الدعم الأميركي المباشر في إضعاف موقف الحكومة الاتحادية التي تعتمد على قرارات المحكمة الاتحادية كورقة ضغط على إقليم كردستان. فالمحكمة، التي طالما اتهمها الأكراد بأنها أداة سياسية بيد بغداد، تجد نفسها الآن في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية، مما يقلل من فعاليتها كأداة لفرض سيطرة بغداد على موارد الإقليم.

وتؤكد التصريحات الأميركية على هذه الحقيقة بوضوح، فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس لصحافيين الثلاثاء أن "الولايات المتحدة تدعم الصفقات الاقتصادية التي تعود بالنفع على جميع العراقيين، بما في ذلك الصفقتان اللتان تم الإعلان عنهما الأسبوع الماضي".

وأعلن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أعلن توقيع صفقتين تُقدّر قيمتهما بعشرات مليارات الدولارات خلال زيارة إلى واشنطن، التقى خلالها الجمعة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

وأشاد روبيو خلال الاجتماع بالصفقتين مع شركتين أميركتين، بحسب بروس، ما يعكس إيمان واشنطن بقدرة الإقليم على إدارة موارده بكفاءة، وهذا الاعتراف الدولي يمنح إقليم كردستان دفعة قوية في مواجهة الضغوط الداخلية ويدعم موقفه في التفاوض مع الحكومة الاتحادية.

وقالت بروس "نشجع بغداد وأربيل على العمل معا لتوسيع إنتاج الغاز المحلي في أسرع وقت ممكن. يعود هذا النوع من الشراكات الاقتصادية بالنفع على الشعبين الأميركي والعراقي، ويساعد العراق على المضي قدما نحو الاستقلال في مجال الطاقة".

وأضافت "نعتقد أيضا أنّ المصالح الأميركية والعراقية تتحقق على أفضل وجه من خلال أن يكون إقليم كردستان العراق قويا وصامدا ضمن عراق اتحادي سيادي ومزدهر".

وهذه التصريحات لا تمثل مجرد تشجيع، بل هي تأكيد على شرعية العقود المبرمة وحق الإقليم في المضي قدما في تطوير قطاع الطاقة الخاص به، ويظهر ذلك في تأكيد بروس قائلة "بطبيعة الحال نحن نتطلع إلى الاستمرار في مثل هذه الصفقات. نتوقع أن يزدهر هذا النوع من العقود ونتوقع ونأمل أن يتم تسهيلها".

ودعم واشنطن الصريح لعقود الغاز المبرمة بين شركات الطاقة الأميركية وإقليم كردستان لا يمثل مجرد تصريح دبلوماسي، بل هو تأكيد عملي على شرعية هذه العقود في نظر القوة العظمى.

وهذا الموقف يضع الحكومة الاتحادية في بغداد أمام تحد غير مسبوق، حيث تجد مساعيها لتعطيل هذه الاتفاقيات عبر "المحكمة الاتحادية" محاطة بموقف دولي يدعم استقلالية الإقليم في إدارة موارده.

وبدلا من أن تكون المحكمة أداة حاسمة في يد بغداد لفرض سيطرتها، أصبحت الآن محور مواجهة جيوسياسية تضعها في موقف حرج أمام الرغبة الأميركية في استقرار أسواق الطاقة وتعزيز الشراكات الاقتصادية مع أربيل.

ومن جهة أخرى، يسلط هذا الدعم الضوء على الطبيعة المعقدة للعلاقات بين بغداد وأربيل، ويزيد من التوتر المستمر بشأن استغلال موارد النفط والغاز.

ففي حين أعلنت وزارة النفط في بغداد "بطلان هذه العقود استنادا إلى الدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية"، مؤكدة أن "استثمار الثروات النفطية يجب أن يمر عبر الحكومة الاتحادية"، فإن إقليم كردستان يدافع عن الاتفاقيات مؤكدًا أنها تستند إلى عقود قائمة.

وهذا التباين في المواقف يؤكد على الحاجة الملحة إلى حلول توافقية تضمن حقوق الطرفين وتساهم في استقرار العراق ككل، بدلا من اللجوء إلى أدوات قضائية قد تفسر على أنها ذات دوافع سياسية.

ويعزز الدعم الأميركي مكانة إقليم كردستان كشريك موثوق به في مجال الطاقة، ويفتح له آفاقًا أوسع للتعاون الاقتصادي الدولي. فالعقود المبرمة مع شركتي "إتش كي إن إنرجي" (HKN Energy) و"ويسترن زاغروس" (WesternZagros) لا تمثل فقط إيرادات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات للإقليم، بل تساهم أيضًا في تعزيز استقلاله في مجال الطاقة، وهو ما أشادت به وزارة الخارجية الأميركية صراحة.

وتتعلق الاتفاقية مع شركة ويسترن زاغروس باستغلال رقعة توبخانة التي تحتوي مع رقعة كوردامير المجاورة على ما يصل إلى 5 تريليون قدم مكعب قياسي من الغاز الطبيعي و900 مليون برميل من النفط الخام، مما يمثل إيرادات تقدر بنحو 70 مليار دولار "على مدى عمر المشروع".

أما الشراكة مع اتش كي ان إنرجي فتتعلق بحقل غاز ميران الذي يُقدر أنه يحتوي على 8 تريليون قدم مكعب قياسي من الغاز الطبيعي بقيمة 40 مليار دولار على المدى الطويل.

وهذا الدعم يؤكد على الرؤية الأميركية بضرورة أن يكون إقليم كردستان قويا وصامدا ضمن عراق اتحادي سيادي ومزدهر، مما يخدم المصالح الأميركية والعراقية على حد سواء.

ويمثل الدعم الأميركي لعقود الغاز مع إقليم كردستان نقطة تحول مهمة في العلاقات بين بغداد وأربيل. فبدلا من أن تكون المحكمة الاتحادية أداة لعرقلة تطور الإقليم، يبدو أن الموقف الأميركي قد حول الأنظار نحو ضرورة إيجاد آليات حقيقية للحوار والتفاهم بين الطرفين، بما يضمن استقرار العراق وازدهاره.

ورفعت الحكومة العراقية دعوى قضائية ضدّ حكومة إقليم كردستان إثر إبرام أربيل عقودا مع شركتين نفطيتين أميركيتين من دون موافقتها، وفق ما أفاد مسؤولان الثلاثاء.

وتهدف الدعوى القضائية التي تطلب من "حكومة الإقليم إلغاء العقود"، إلى تأكيد سلطة بغداد، لكن الدعم الأميركي يضع هذه المساعي في سياق أوسع من المصالح المشتركة والتعاون الإقليمي والدولي.

ويمثل هذا الإجراء القانوني الجديد أحدث عقبة في جهود استئناف تدفق النفط عبر خط أنابيب النفط العراقي التركي، المتوقف عن العمل منذ مارس 2023، على الرغم من ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.