دعم مصر لتوحيد قبرص يزيد الضغوط على تركيا

القاهرة – ضاعفت مصر من تلميحاتها وتصريحاتها الداعمة لتوحيد الجمهورية القبرصية، في إشارة تؤكد أن تقاربها مع تركيا الذي ظهرت معالمه الأشهر الماضية يواجه عقبات، وأن القاهرة يمكنها أن تستخدم بعض الأوراق الإقليمية المزعجة للنظام التركي، والتي تدعم مسيرة علاقاتها مع كل من قبرص واليونان.
وأكد وزير الخارجية المصرية سامح شكري أهمية الحفاظ على الاستقرار في منطقة شرق البحر المتوسط، وذلك خلال جلسة مشاورات عقدت بين مصر وقبرص في نيقوسيا الثلاثاء شهدت تبادلا للرؤى حيال القضايا محل الاهتمام المشترك.
وفهمت مصادر دبلوماسية دعوة شكري لمحاربة التحديات الإقليمية على أساس القانون الدولي بدلا من “الأنشطة العدوانية أو الميول التوسعية” على أنها رسالة موجهة بشكل غير مباشر إلى تركيا التي تتهمها قبرص بدعم اتفاق سلام يخدم هدفها السياسي المتمثل في بسط سيطرتها على شرق البحر المتوسط.
وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أكتوبر الماضي أن بلاده “تدعم توحيد شطري جزيرة قبرص وترفض انتهاك مياهها الإقليمية أو مجالها الجوي”، في إشارة إلى الأنشطة التركية في تلك المنطقة.
وأشار خلال قمة جمعته مع رئيس الوزراء اليوناني ورئيس قبرص إلى أنه “لا يمكن التطرق لمنطقة شرق المتوسط دون التأكيد على دعمنا المتجدد لمساعي جمهورية قبرص لإيجاد حل شامل وعادل للقضية القبرصية استنادا لقرارات الشرعية الدولية، وعلى نحو يؤدي إلى إعادة توحيد شطري الجزيرة”.
وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي أن التأكيد المصري على وحدة قبرص يستهدف تعزيز العلاقات الثنائية معها في مجالات مختلفة، وتوصيل رسالة لتركيا بأن هناك تحالفات راسخة في منطقة شرق المتوسط سوف يكون من الصعب اختراقها طالما استمرت على مواقفها الحالية.
وأضاف لـ”العرب” أن مصر توظف مواقف حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي المعارضة للانتهاكات التركية في شرق المتوسط للمزيد من الضغط على أنقرة، وتعزز علاقاتها مع قبرص واليونان لتضييق الخناق على نظام رجب طيب أردوغان الذي مازال يتمسك بتواجد المرتزقة في ليبيا وتظهر بصمات سياساته في محاولة إرجاء عملية الانتخابات في ليبيا.
وتعلم القاهرة أن أردوغان يتردد في اتخاذ خطوات تبرهن على جديته في التقارب معها، لذلك تمارس ضغطا سياسيا متنوعا، خاصة أنها تشعر بصعوبة تطوير العلاقات مع أنقرة مع تمسك الرئيس التركي بأجنداته التوسعية.
وتعترف تركيا وحدها بإعلان استقلال القبارصة الأتراك، وتحتفظ بأكثر من 35 ألف جندي هناك، وتعتقد أن السلام الدائم في قبرص لا يتحقق إلا من خلال اعتراف المجتمع الدولي بدولتين منفصلتين.
واجتاحت القوات التركية جزيرة قبرص عام 1974 عقب اضطراب سياسي حدث في الجزيرة، وزعمت أنقرة أنها تدخلت لحماية القبارصة الأتراك من نظرائهم اليونانيين الذين بسطوا سيطرتهم على نحو ثلث الجزيرة، ما أدى إلى تقسيمها.
وقال إرسين تتار رئيس “قبرص الشمالية التركية” في وقت سابق إنه يقف إلى جانب تركيا في الجهود المبذولة من أجل الحقوق الإقليمية في شرق البحر المتوسط، ومصمم على الدفاع عن المصالح المشتركة مع تركيا في هذه المنطقة.

وتستهدف إشارات القاهرة حول توحيد قبرص الضغط على النظام التركي لوضع حد لتوسعه الاقتصادي والعسكري في ليبيا التي تمثل أهمية استراتيجية كبيرة لمصر.
وقال الباحث التركي محمد عبيدالله لـ”العرب” إن أردوغان يحاول من خلال اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا ترسيخ نفوذه الإقليمي، ومصر تقول له “إذا حاولت المساس بأمني القومي على حدودي الغربية فلا تنسى أن يدي يمكن تصل إلى أمنك القومي على حدودك الجنوبية في قبرص”.
ولفت عبيدالله إلى أن هذه الإشارة تنطوي على تنويه بأن مصر يمكنها أن تفعل الشيء نفسه مع أنقرة من خلال طرح قضية توحيد جزيرة قبرص على نطاق واسع، والاستعانة بقرارات مجلس الأمن التي لا تعترف بخطوات تركيا الانفصالية.
ويفسر مراقبون استثمار الإدارة المصرية القضية القبرصية حاليا بأن القاهرة لم تجد محاولة حقيقية من الجانب التركي لترجمة تعهداته اللفظية على أرض الواقع في ما يخص ملفي الإخوان وليبيا، فأردوغان لا يعير اهتماما كبيرا بمطالب مصر ما يدفعها نحو اتخاذ خطوات محرجة ورادعة لطموحاته التوسعية.
وتعد القضية القبرصية قضية قومية بالنسبة إلى تركيا، فقبرص هي المكان الوحيد الذي تتواجد فيه قوات عسكرية تركية كبيرة بالخارج، ويصور الساسة أن تركيا الوحيدة الراعية والضامنة لأتراك قبرص، وكل الحكومات السابقة اعتبرت توحيد جانبي قبرص خطوة مضادة لمصالح تركيا، ففي حالة التوحيد سوف يصبح أتراك قبرص أقلية في مقابل الأغلبية اليونانية، وهو ما سيفقدهم الكثير من مكتسباتهم الحالية.
وبما أن النظام الحاكم في تركيا اليوم يتشكل من حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) وحزب الحركة القومية، فمن غير المستبعد أن يقوم أردوغان وحليفه دولت بهجلي بحملة ضد مصر، خاصة إذا استمرت التوترات معها وواصلت القاهرة الاستثمار السياسي في القضية القبرصية.
وذكر عبيد الله لـ”العرب” أن أردوغان وبهجلي قد يزعمان أن تركيا ترعى وتحمي الأقلية التركية المسلمة في قبرص في مواجهة الأكثرية اليونانية غير المسلمة، وعلى جميع الدول الإسلامية والعربية دعم طروحات أنقرة في قبرص ليبقى هناك وجود إسلامي تركي.
ولم يستبعد الباحث التركي أن يتجه الحليف القومي إلى إثارة مشاعر القوميين من خلال القول لهم “ألم نقل لكم إنه لا يوجد صديق لتركي سوى تركي أيضا، وانظر إلى مواقف بعض الدول الإسلامية (مصر) التي تعارض وجودنا في قبرص”.
ويمكن أن يتمادى أردوغان ويدغدغ مشاعر المسلمين بالعزف على وتر الخطاب المؤدلج ويطلق دعاية سوداء ضد مصر يشير من خلالها إلى أنها تعارض الوجود الإسلامي في قبرص، ومن هنا لن تفكر الجماهير المسحورة بخطابه الشعبوي في أن موقف مصر نتيجة طبيعية لمواقف ومراوغات أردوغان.