دعم صندوق النقد للإصلاحات التونسية يعزل اتحاد الشغل

المعارضة المطلقة للإصلاحات إلى حين "تغيير الحكومة" وفق ما يريد الاتحاد، هروب من تحمل مسؤولية إخراج البلاد من أزمتها.
الجمعة 2022/06/24
على الطريق الصحيح

تونس – أصابت تصريحات مسؤول البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط، بشأن تعاونه مع تونس لإنجاح الإصلاحات، قادة الاتحاد العام التونسي للشغل بالصدمة ودفعتهم إلى إطلاق تصريحات عنيفة ضد الحكومة، وأظهرت أن المنظمة النقابية تتصرف كحزب سياسي أكثر من كونها شريكا اجتماعيا تقوم علاقته مع الحكومة على التفاوض والخروج بقرارات عبر التوافق وليس عبر معارك لي الذراع.

وعبّر الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي الخميس عن رفضه للإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي لمنح البلاد قرضا جديدا في غياب ما أسماه “حكومة نابعة من مؤسسات وانتخابات” تملك “شرعية” فتح نقاش مثل هذا.

حسن بن جنانة: هناك أزمة سياسية بين الحكومة والاتحاد اتخذت غطاء اقتصاديا

وقال مراقبون إن موافقة صندوق النقد على العمل مع الحكومة التونسية فاجأت قيادة الاتحاد التي كانت تعتقد أن الصندوق سيرفض الحوار مع الحكومة لعدم مشاركة المنظمة النقابية الكبرى في البلاد، لكن الصندوق الذي زار ممثلوه تونس أكثر من مرة والتقوا مختلف الأطراف المعنية بالإصلاحات بات يعرف من هي الجهة المعرقلة ومن هي الجهة التي يمكن التعامل معها وبناء تواصل دائم معها.

ويشير المراقبون إلى أن معارضة الإصلاحات مطلقا إلى حين “تغيير الحكومة” كما يريد الاتحاد، هي هروب من تحمل مسؤولية إخراج البلاد من أزمتها، وثقافة تقديم التنازلات المتبادلة، وتأجيل نقاط الخلاف إلى وقت ملائم، لافتين إلى أن ما يهم الاتحاد هو تحقيق المكاسب التي تعود بالفائدة على النقابيين والمنتسبين، وهذه الثقافة القطاعية تحد من دوره كشريك اجتماعي وطني.

واعتبر الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة في تصريح لـ”العرب” أن “اتحاد الشغل يحارب الآن من أجل الوجود بالأساس، وهناك أزمة سياسية اتخذت غطاء اقتصاديا”.

وحث على ضرورة “تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي بدراسات معينة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي”، مشددا على أنه “لا مفرّ من تنفيذ الشروط التي يطالب بها الصندوق، ونحن مقبلون على هذه المرحلة إما الآن أو بعد فترة أخرى”.

ويأتي موقف الاتحاد المعارض للإصلاحات إثر إضراب عام في القطاع الحكومي أقره ليوم واحد الخميس الماضي وشلّ به البلاد احتجاجا على رفض الحكومة التفاوض في ملف زيادة أجور الموظفين.

وقال الطبوبي، غداة إعلان صندوق النقد الدولي عن “استعداده” لإطلاق مفاوضات مع تونس قريبا، “نرفض شروط صندوق النقد الدولي في ظل ضعف الأجور وضعف الإمكانيات وارتفاع نسبة الفقر والبطالة”.

وأجرت تونس مناقشات أولية مع المؤسسة الدولية للحصول على قرض جديد لإنقاذ اقتصادها الذي تعصف به نسبة بطالة مرتفعة (16.1 في المئة) وتضخّم (في حدود 7.8 في المئة) ودين عام كبير.

وطلبت تونس قرضا بقيمة 4 مليارات دولار من الصندوق في مقابل القيام بإصلاحات، لكن يقدر مراقبون أنها لن تتمكن من الحصول على أكثر من ملياري دولار.

وأعلن صندوق النقد الدولي الأربعاء أنّه “على استعداد لأن يبدأ خلال الأسابيع المقبلة مفاوضات حول برنامج” لدعم تونس بشرط تنفيذها إصلاحات.

وقال الصندوق في بيان إنّ هذا القرار اتّخذ “عقب سلسلة من المناقشات الفنية مع السلطات التونسية استمرّت عدة أشهر”.

وتابع الطبوبي في تصريحات للصحافيين “أقولها بكل وضوح، الحكومة الحالية معينة بمرسوم بصفة مؤقتة، حين تكون هناك حكومة نابعة من مؤسسات وانتخابات ستكون لها شرعية فتح النقاش في الإصلاحات”.

وأضاف “نحن ضد الخيارات المؤلمة والموجعة التي يتحدثون عنها، نحن مع الإصلاح، ولكن ليست لنا نفس النظرة حول الإصلاح مع الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة”.

وتتضمّن خطة الإصلاح الحكومية تجميد فاتورة رواتب القطاع العام، ومراجعة سياسة دعم بعض المواد الأساسية، وإعادة هيكلة شركات عامة تمر بوضع مالي صعب.

وبدأ مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور مطلع الأسبوع الجاري زيارة إلى تونس والتقى الرئيس قيس سعيّد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن.

4

مليارات دولار هي قيمة القرض الذي تتفاوض من أجله تونس مع صندوق النقد في مقابل القيام بإصلاحات

وأعلنت مجموعة من الوزراء أن الحكومة ستشرع في مراجعة سياسة الدعم لبعض المواد الأساسية.

وأكد قيس سعيّد إثر لقائه المسؤول بالصندوق على “ضرورة إدخال إصلاحات كبرى مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية”، مذكرا بأن “هناك جملة من الحقوق التي يتمتّع بها الإنسان، كالحق في الصحة والحق في التعليم، لا تخضع لمقاييس الربح والخسارة”.

ونقل صندوق النقد الدولي عن أزعور قوله إنّه “في ظل التداعيات الحادة للحرب في أوكرانيا تصبح الحاجة إلى سرعة تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الطموحة أكثر إلحاحا”.

وشدّد المسؤول على أنّ الإصلاحات يجب أن تفيد الشعب.

وفي حال موافقة صندوق النقد الدولي على التمويل الجديد فإن ذلك يمثل إشارة جيّدة للمانحين الدوليين ويعطي تونس سندا قويا للخروج إلى الأسواق الدولية وطلب قروض أخرى من مانحين آخرين.

ويبرز ذلك بشكل واضح في تصريح سابق لمحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي الذي اعتبر أن الدعم المالي الجديد من صندوق النقد الدولي “لا غنى عنه” و”ضروري لتونس” لأنه سيمكن من “التمويل بتكلفة معقولة وسيفتح الطريق أمام البلاد للاقتراض من الأسواق المالية الخارجية ومن المانحين الدوليين”.

واعتبر الصندوق في بيانه أنّه “يتعيّن أن تتصدّى تونس على نحو عاجل للاختلالات في ماليتها العامة من خلال زيادة العدالة الضريبية” بما يشمل “إحلال التحويلات الموجّهة إلى الفقراء محل نظام الدعم المعمّم، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي”.

1