دعم البنك الدولي يفتح أمام تونس بابا للخروج من الأزمة

البنك يتخلى عن التمويل التقليدي ويعتمد التمويل الموجه لدعم المؤسسات.
الثلاثاء 2023/02/14
البنك الدولي في صف تونس

تونس- بدد فريد بلحاج، نائب رئيس البنك العالمي المكلف بملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الشكوك التي أحاطت بموقف المؤسسات المالية الدولية تجاه تونس، متعهدا بتمويل مشاريع تونسية، في خطوة يقول مراقبون إنها تفتح الباب أمام تونس للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.

لكن بلحاج أشار إلى أن البنك الدولي لن يعتمد الأسلوب التقليدي الذي يقوم على منح الأموال للحكومة، ولكن الدعم سيذهب إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل ضمان أن يساهم في تحريك الاقتصاد وتوفير مواطن العمل.

فريد بلحاج: العديد من شركاء تونس يرغبون في مساعدتها
فريد بلحاج: العديد من شركاء تونس يرغبون في مساعدتها

وجدد بلحاج عقب اللقاء الذي جمعه برئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن التزام البنك الدولي بمواصلة دعم تونس في تنفيذ برامجها التنموية والإصلاحية، وهي إشارة ذات دلالة بأن صندوق النقد الدولي، الذي ينسق بشكل كامل مع البنك الدولي، بصدد التحرك لمنح تونس القرض البالغ 1.9 مليار دولار.

وقد أكد وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيّد أن هذا التمويل يكون موجها لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تضررت من جائحة كورونا ومن تداعيات الحرب الأوكرانية – الروسية، وستنتفع به حوالي تسعة آلاف مؤسسة صغيرة ومتوسطة لا يفوق حجم استثمارها 15 مليون دينار (أقل من خمسة ملايين دولار)، وعلى مدة تتراوح بين 6 و7 سنوات.

واعتبر سعيّد أن هذا التمويل سيساهم في تقديم انتعاشة للمؤسسات، خاصة وأن الدولة عجزت عن تقديم الدعم الكافي لها نتيجة للوضعية المالية العمومية الصعبة.

ومن شأن هذه الاتفاقية على محدوديتها أن تظهر وجود رغبة دولية في مساندة تونس من أجل الخروج من الأزمة، ويمكن أن تتدعم هذه الرغبة في حال تسوية بعض التفاصيل مع صندوق النقد الذي من المقرر أن يفرج عن القسط الأول من قرضه لتونس خلال مارس القادم.

ويقول مراقبون إن رغبة المؤسسات المالية الدولية في دعم تونس تمثل رسالة إلى التونسيين مفادها ضرورة البدء بالإصلاحات التي تضمنها قانون المالية الجديد، والتي تهدف بالأساس إلى التقشف في المالية العمومية ومواجهة إهدار المال العام الذي تبرره قوانين وتقاليد بيروقراطية تحاول بعض القوى الحفاظ عليها في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل.

◙ دعم المؤسسات المالية الدولية رسالة إلى التونسيين بأن عنوان المرحلة القادمة هو معالجة الأزمة الاقتصادية

ويشير المراقبون إلى أن هذه الرسالة تبعث، أيضا، إشارات متفائلة إلى التونسيين بأن المرحلة القادمة ستكون بداية الاستقرار السياسي بعد إجراء الانتخابات وتشكيل برلمان جديد، وأن الانتقادات والحملات السياسية هي من مخلفات الأزمة الماضية وستذهب معها، وأن الرئيس قيس سعيّد سيبدأ بمعالجة الأزمة الاقتصادية على قاعدة صلبة وسيجد دعما خارجيا قويا.

وكان بلحاج واضحا في تحديد أهداف تمويل البنك الدولي والمجالات المعنية به في موقف مفاده أن البنك لن يعطي أموالا دون متابعة لمجالات إنفاقها، خاصة أن حكومات تونسية سابقة حصلت على تمويل من مؤسسات مالية دولية وإقليمية ومن حكومات ولم يكن لها أيّ تأثير إيجابي على الاقتصاد، حيث تم إنفاقها ضمن أجندات سياسية عملت على ترضية النقابات ودوائر النفوذ في الإدارة.

ويعني المسار الجديد أن الأموال التي سيدفعها البنك أو صندوق النقد ستذهب إلى مستحقيها وليست ميزانيات تشغيلية لا يرى لها أيّ أثر على الاقتصاد، وأن الحكومة تتولى الدفع لفائدة المؤسسات المعنية بالتمويل ثم يقوم البنك بالتسديد للحكومة.

ووصف بلحاج في تصريحات صحفية الوضع الاقتصادي في تونس بالدقيق، مؤكّدا وجود مشاكل تتعلّق بالإصلاحات التي يجب إنجازها وكلّ تأخير في تنفيذها سيرفع الكلفة.

سمير سعيّد: التمويل سيكون موجها لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تضررت من جائحة كورونا
سمير سعيّد: التمويل سيكون موجها لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تضررت من جائحة كورونا

ولم يخف ممثل البنك الدولي رغبته في أن تبدأ تونس بتنفيذ الإصلاحات، وأن تحارب البيروقراطية المهيمنة على القطاع الحكومي، حيث كشف عن أن البنك ألغى عدة مشاريع في تونس بسبب التعطيل الإداري، مشيرا إلى أن بعض المؤسسات الحكومية في تونس لا تساوي دينارا واحدا بسبب وضعها المالي.

ويحمل كلام بلحاج ردا واضحا على الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحذر من أن الإصلاحات التي يطالب بها البنك الدولي وصندوق النقد تهدف إلى تسهيل خصخصة المؤسسات الحكومية، في الوقت الذي يقول فيه الخبراء إن إصلاح هذه المؤسسات هو أكبر تحد أمام حكومة بودن بسبب ديونها الكبيرة، ووجود عشرات الآلاف من الموظفين فيها، وهو ما يجعل أيّ محاولة إصلاح أمرا معقدا.

وبدا أن الحكومة التونسية قد شعرت بمخاطر عرقلة الإصلاحات التي تعتزم القيام بها، من جانب النقابات، وهو ما دفعها إلى التشدد في التعامل مع الإضرابات، والبدء بتفكيك نفوذ النقابات، ولو بشكل محدود، بإحالة البعض على القضاء بتهم تتعلق بالإضرار بمصالح تونس.

وقال بلحاج إنّ العديد من شركاء تونس يرغبون في مساعدتها، ولكن على تونس قبل ذلك “مساعدة نفسها” من خلال الشروع في تنفيذ الإصلاحات المتعلّقة بالمؤسّسات العمومية والتحكّم في كتلة الرواتب خاصّة وأنّ عدد موظّفي الدولة يقارب 700 ألف موظف وهو عدد مرتفع مقارنة بعدد السكان.

وبخصوص رفع الدعم، أكد بلحاج أن الأمر لا يتعلّق بالمواد الغذائية الأساسية وإنّ ما يطلبه البنك الدولي وبقية الشركاء هو رفع الدعم التدريجي عن المحروقات نظرا لكلفته الباهظة.

1