دعم الآباء للأبناء يتواصل حتى بعد زواجهم في تونس

أمام ارتفاع كلفة الزواج وبناء أسرة في تونس بات من الضروري على الآباء أن يدعموا أبناءهم ماديا ليتخطوا العقبات التي من شأنها أن تقوض الاستقرار الأسري وتؤدي إلى الطلاق. وتسعى العائلات الموسعة في تونس إلى تخفيف عبء المسؤولية المادية عن الأزواج الشبان حتى لا تدع مجالا للنفور بين الشريكين، باعتبار أن أغلب المشاكل التي تهدد البناء الأسري تكون مادية بالأساس.
تونس - لم يدخر الأب السبعيني جزءا من جهده من أجل دعم ابنه وابنته المتزوجين منذ 3 سنوات، وذلك درءا للمشاكل التي قد تنشأ بعد الارتباط بسبب الأمور المادية والتي قد تؤدي في الكثير من الأحيان إلى الطلاق. فقد خصص الأب بيتا لابنه الشاب حتى يريحه من عناء الكراء، خصوصا وقد أنجب طفلا بعد عام فقط من زواجه، ما أثقل كاهله بمصاريف إضافية. كما خصص جزءا من راتب التقاعد لابنته العاطلة عن العمل، رغم أنها متزوجة من رجل ميسور الحال.
وقال أحمد بن مسعود لـ”العرب”، “في أيامنا لم تكن متطلبات الزواج عسيرة ولم يكن الزواج مكلفا مثل اليوم لذلك لم يعد راتب الزوج يكفي لسد كل المصاريف، وحتى ولو كانت زوجته موظفة فمصاريف الحضانة والأطفال يمكن أن تستحوذ على كل راتبها، ما يجعل مساعدة الشريكين على بناء أسرتهما المصغرة أمرا واجبا على والديهما.
بدورها أكدت عايدة العايدي أم لثلاث بنات وولدين أنها تساعد ابنتيها المتزوجتين على الاعتناء بطفليهما وذلك حتى تخفف عنهما أعباء مصاريف الحضانة. وقالت لـ”العرب”، “لم أتردد ولو للحظة عندما اقترحت عليّ بنتايا المساعدة ووافقت كدعم مني لاستقرارهما الأسري”. فهما متزوجتان حديثا ومازالتا تشقان طريقهما وزوجاهما نحو بناء أسر متماسكة. وتابعت أن ارتفاع تكاليف المعيشة والزواج أديا إلى ارتفاع نسب العنوسة وعزوف الشباب على الزواج كما أديا في الكثير من الأحيان إلى الطلاق.
وكشفت الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي عن سبب تأخر سن الزواج في تونس بالقول “إن تأخره.. يختلف بين الإناث والذكور”. وأضافت، أنه بالنسبة للفتيات فإنهن يتأخرن عن الزواج بسبب استكمال كل مراحل الدراسة، أما الرجال فإنهم يتأخرون في الزواج لأسباب اقتصادية خاصة مع ارتفاع تكاليف الزواج والمعيشة في تونس إضافة إلى الأسباب النفسية المتعلقة بحالات الخوف من الطلاق.
كما أفاد الأستاذ في علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج أن تونس سجلت في السنوات الأخيرة تراجعا هاما في عقود الزواج مما يزيد عن 110 آلاف عقد زواج سنة 2013 إلى حوالي 71 ألف عقد زواج سنة 2021. وفسّر بن فرج أسباب هذا التراجع بالظروف الاجتماعية الحالية إضافة إلى غياب العوامل المشجعة على الزواج كالتسهيلات المالية. كما أشار إلى أن الشباب يعتبر نفسه غير مؤهل حاليا للدخول في مؤسسة الزواج قائلا: ”هنالك رعب من الاستقرار في مؤسسة الزواج”.
وكشفت أرقام أصدرتها مؤسسة “سيغما كونساي” للإحصاء في تونس عن تراجع بنسبة 36 في المئة في عقود الزواج المحررة في الفترة المتراوحة ما بين 2013 و2021، وتراجع عدد المواليد بنسبة 28 في المئة على امتداد ذات الفترة، وسط تحذيرات من تداعيات ذلك على تركيبة السكان في البلاد.
وسجّل معدل عقود الزواج ما بين عامي 2013 و2021 تراجعاً من 110119 عقداً إلى 71572 عقداً نتج عنها نقص في الولادات.
وفسّر مدير المؤسسة حسن الزرقوني تراجع رغبة التونسيين في الزواج بتأثير الأزمة الاقتصادية على الأسر وارتفاع كلفة الزواج إلى أكثر من 30 ألف دينار لتجهيز محل الزوجية وتأجير المساكن، معتبرا أن “سن الزواج آخذ في التدهور لكل من النساء والرجال، لاسيما في المناطق الحضرية، وخاصة في محافظات العاصمة الكبرى”، حيث يبلغ متوسط سن المتزوجين في تونس حالياً 33 عاماً مقابل 19 عاماً سنة 1970.
وفي المقابل بينت الأرقام الصادرة عن مؤسسة الإحصاء عن تطور في المعدلات السنوية لحالات الطلاق خلال السنوات العشر الماضية من 13 ألفاً إلى 17 ألف حالة. وتقول الجلاصي إن “المجتمع التونسي يعيش تغيرات متسارعة برزت أغلبها خلال السنوات التي تلت الثورة، حيث اجتمعت العديد من الأسباب المنفرة من المؤسسة الزوجية وهو ما يفسر الوصول إلى النتائج المفصح عنها مؤخراً” .
وتؤكد الجلاصي أن “الضغوط المعيشية المتزايدة ومتطلبات المجتمع الجديدة غيّرت ترتيب الأولويات لدى التونسيين، وهو ما يؤثر مباشرة في سني الزواج والإنجاب”، مشيرة إلى “تواصل تأثير الوضع الاقتصادي والاجتماعي على السياسة السكانية، وعلى الرغبة في الاقتران ونسبة الخصوبة، خصوصاً في ظل تأخر سن الزواج وارتفاع معدلات العزوف عن الزواج لدى الجنسين”. واعتبرت أن “هذه العوامل مؤثرة في العقد الاجتماعي التونسي ويتعيّن أخذها بعين الاعتبار نظراً لتداعياتها المباشرة على تمويل الصناديق الاجتماعية ورعاية المسنين مستقبلاً.
وباتت مساعدة الآباء للأبناء ضرورية لدعم مؤسسة الزواج وتقليل نسبة العنوسة. وأشار تقرير رسمي إلى أن نسبة الإناث غير المتزوجات في عمر الإخصاب باتت تشمل نصف الإناث كما ورد في تقرير التعداد العام للسكان من أن عدد العوانس في تونس بلغ أكثر من مليون و300 ألف امرأة من أصل أربعة ملايين و900 ألف أنثى في البلاد.
◙ سن الزواج آخذ في التدهور لكل من النساء والرجال، لاسيما في المناطق الحضرية وخاصة في محافظات العاصمة الكبرى
وأشار الخبراء إلى أن هذه الإحصائيات تكشف عن مشكل اجتماعي ستكون له انعكاسات سلبية على المجتمع التونسي في العقود القادمة على اعتبار أن قلة الإنجاب ستؤدي إلى التهرم السكاني واتساع قاعدة الكهول والشيوخ في تونس وتقلص الطاقات المنتجة من الشباب. كما أكدت نتائج الاستشارة الشبابية الثالثة، التي تناولت علاقة الشباب بمؤسسة الزواج أن 50 في المئة منهم لا يفكرون في الزواج.
ويرجع الجميع هذا العزوف إلى مشكل أساسي يتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج. فالاحتفال به في تونس أصبح بمثابة المشروع الذي يتطلب استعدادات مالية كبرى لضمان نجاحه. فمنذ أن يشرع الشاب في التفكير في خطبة فتاة أحلامه وشريكة عمره المستقبلية، يصطدم بالعديد من الصعوبات والمشاكل، أولها توفير ثمن خاتم الخطوبة في ظل الارتفاع الكبير لسعر الذهب.
بالإضافة إلى ضرورة توفير مستلزمات الخطوبة من حلويات وورود وغيرها. وترتفع التكاليف إذا فكرت الفتاة في الذهاب إلى الحلاقة وكراء فستان خطوبة وإقامة حفل خطوبة في قاعة أفراح. وهذا ما ساهم في ارتفاع التكاليف الجملية لحفلة الخطوبة لتتراوح بين 5 و6 آلاف دينار. وتكون مضاعفة في الزواج.
وبعملية حسابية بسيطة يعتمد فيها على السعر المعتدل، فإن تكاليف الزواج في تونس تكاد تبلغ 60 ألف دينار تونسي إذا ما كان العروسان ملزميْن بشراء الذهب والحلويات والذهاب إلى الحلاقة وإقامة مأدبة العشاء وكراء المنزل وتجهيزه بالأثاث وكراء قاعة الأفراح.
وقد يعجز عدد من الأزواج عن دفع الديون المتعلقة بتكاليف الزواج ما يؤدي إلى المشاكل التي قد ينجر عنها الطلاق في أغلب الأحيان. وقد أصبحت ظاهرة الطلاق من الظواهر التي تميز المجتمع التونسي في آخر 10 سنوات فقد كشفت إحصائيات قدمتها وزارة العدل في بداية سنة 2020 عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا مقابل 41 حالة طلاق يوميا سنة 2017.
وفي قراءة لهذه الاحصائيات ذكر رئيس “مرصد الأسرة والمتزوجين” والخبير لدى المحاكم التونسية في الصحة الجنسية، هشام الشريف، أن تونس تحتل المرتبة الرابعة في العالم في نسب الطلاق مقارنة بعدد السكان. وأشار الخبير إلى أن ما يزيد عن 48 في المئة من قضايا الطلاق سببها المشاكل الجنسية وقرابة 30 في المئة تعود لأسباب مادية و20 في المئة سببها العنف الزوجي بمختلف أشكاله.