دريد لحام وباسل الخطيب يجتمعان مجددا في "الحكيم"

يُتابع النجم السوري دريد لحام تصوير فيلمه الجديد “الحكيم” رغم تجاوزه عامه الخامس والثمانين. حرارة الجوّ الشديدة في ريف حمص ووعورة أماكن التصوير لم تقف عائقا أمام رغبته في تقديم فيلم يحكي عن شخص أحب الناس وأحبته.
حمص (سوريا)- قريبا من قلعة الحصن الأثرية في محافظة حمص وسط سوريا التي تطل على سهول خضراء واسعة، يتابع المخرج السوري باسل الخطيب تصوير فيلمه الأحدث “الحكيم”، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا. طاقم الفيلم يسابق الزمن لكي تنتهي منه مقاومة موجات الحرّ الشديدة التي ترافق تصويره.
و”الحكيم” هو التعاون الفني الثاني الذي يجمع الخطيب بالفنان دريد لحام، أحد أشهر الفنانين السوريين في عالم السينما، والذي حقّق مع شريكه الفني الراحل نهاد قلعي ثنائية سينمائية سورية خالدة انتشرت على مساحة العالم العربي بأكمله.
بين فيلمين

دريد لحام: أحببت تجربتي الأولى مع باسل الخطيب وأحببت الثانية أكثر
في تجربة سابقة قدّم الخطيب ولحام فيلم “دمشق.. حلب” وحققا فيه نجاحا كبيرا، سواء على منصات الجوائز بالمهرجانات العربية أو على مستوى الحضور الجماهيري بسوريا وخارجها.
أما في فيلم “الحكيم” فهما يبتعدان عن الأجواء الكوميدية ليقتربا من الحالة الاجتماعية الصرفة التي تعيشها شرائح في المجتمع السوري نتيجة الحرب التي دارت فيها، مستعرضين سبب وجود ظواهر اجتماعية سلبية تعارض سير الحياة الطبيعية في مجتمع بسيط تقوم علاقاته في بنيتها العميقة على المحبة والبساطة، لتتحوّل هذه الحياة البسيطة عند البعض وبسبب الحرب إلى النقيض، فتظهر العواطف السلبية بما تحمله من خطورة على الأشخاص والمجتمع بأكمله.
وفي الفيلم الأول “دمشق.. حلب” استطاع الثنائي الخطيب ولحام تجاوز الحدود المعروفة لتجربة الفيلم السوري الذي ينتجه القطاع العام تحديدا، والذي يغيب عادة عن الحضور في صالات العرض العربية على المستوى التجاري، ويقتصر وجوده على المهرجانات التي يحقّق فيها نجاحات وجوائز.
وحقّق الفيلم في حينه حضورا جماهيريا عربيا كبيرا، إضافة إلى حضور خاص على منصات التتويج في مهرجانات سينمائية عربية كان أهمها مهرجان الإسكندرية السينمائي، حيث حصد في دورته الرابعة والثلاثين على جائزة أفضل فيلم، ونال لحام جائزة التمثيل الكبرى، وكانت جائزة تمنح للمرة الأولى في تاريخ المهرجان.
وتمّ عرض الفيلم حينها في أكثر من عاصمة عربية منها بيروت وعمّان وبغداد ودبي، وكذلك عرض في أستراليا والسويد وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وكان بذلك أول فيلم سوري للقطاع العام يحقّق هذا الحضور.
أما الفيلم الجديد للثنائي الخطيب في الإخراج ولحام في التمثيل، فتتمحور أحداثه حول شخصية جابر (دريد لحام)، طبيب الأطفال كبير السن الذي يعيش في قريته بسلام مع حفيدته ياسمين (ليا مباردي)، ويتقاسم حياته البسيطة تلك باحترام ومحبة مع أهالي قريته الذين يبادلونه المحبة والتقدير.
لكن أحداث الحياة اليومية التي تفرضها الحروب تصنع بقسوتها ما يعترض هذه السكينة، حيث تتغيّر الأحوال وتنقلب المصائر، وتتقاطع في لحظات حرجة، فتضع الحكيم وبقية شخوص القرية في مواجهات لا إنسانية. تدفع بعضا منهم إلى التضحية بكل ما يمتلكونه من قيم النبل الإنساني في سبيل تحقيق مكاسب شخصية آنية مرضية.
فتنتشر ظواهر الطمع والعنف وتعاطي الممنوعات والتعرّض للغير بالأذى، بينما يبقى آخرون متمسّكين بأخلاقياتهم، مدافعين قدر الإمكان عمّا يمكن من أحلامهم وآفاق حياتهم.

باسل الخطيب: ابتعدنا عن الكوميديا في "الحكيم"، لكننا لم نخرج منها
وبذلك يبحث فيلم “الحكيم” في مدى قدرة الإنسان على التكيّف مع الظروف الصعبة التي يمكن أن يواجهها في سبيل الحفاظ على إنسانيته.
لحام المختلف
في ظهور جديد بعيد تماما عن الأجواء التي كان قد ظهر بها منذ ستينات القرن العشرين بدءا من فيلم “عقد اللولو” ومرورا بالعشرات من الأفلام اللاحقة التي كرّست شخصية “غوار الطوشة” الشهيرة، يقدّم لحام في فيلمه الأحدث شخصية الحكيم جابر، والحكيم كلمة يطلقها جزء من أهل الشام على الطبيب، وهو الرجل الذي تماهى مع مهنته ومجتمعه.
وعن دوره في الفيلم، يقول لحام “أحببت التجربة الأولى التي جمعتني مع المخرج باسل الخطيب من خلال فيلم ‘دمشق.. حلب’، وأحببت التجربة الثانية أكثر عندما قرأت نص ‘الحكيم’، لأن فيها إنسانية أكثر، إلى جانب ما يحمله العمل من جوانب جميلة وعميقة”.
ويسترسل “في الحكيم تظهر الشخصية التي تقدّم الخير والمحبة للجميع وهم يبادلونه هذه القيم الإنسانية، الحكيم هو عينة من مجتمعنا المحب القادر على تقديم المساعدة للمحيطين به، والذي يقدّم ذلك لاعتبارات إنسانية فقط، فهو يحب الناس وهم يحبونه، الحكيم هو مشروع فني نتابع فيه الحديث عمّا استجد في مجتمعنا من صيغ حياتية خلفتها فترة مأزومة هي فترة حرب”.
وعن تجربته الثانية مع الخطيب، يقول “أعتبر نفسي فهمته أكثر، فهو فنان شغوف بالتفاصيل، عرفت كيف يحضّر أفكاره وأموره، ومن ثم كيف يدير المجموعة الفنية في سبيل إيصال الفيلم إلى ما هو مطلوب منه، فهو يتعامل مع الجميع بصفة الصديق الحميم والصارم معا. وهذا ما يدفع الفريق إلى الوقوف معه في العمل رغم الظروف الصعبة والمشاق التي يتحملونها. من قلبي أشكر هؤلاء الذين يكابدون لتقديم أفضل عمل ممكن رغم المشاق والحر” .
ومن جانبه يعي الخطيب مسؤولية فيلمه الجديد، وهو يرى فيه تحديا فنيا كبيرا له ولدريد لحام، “كون فيلمنا السابق قد حقّق نجاحا كبيرا على المستوى العربي وعلى صعيد الجوائز، ولأجل ذلك يرغب كلانا بالطبع في تحقيق نجاحات جديدة لنا تكرّس السابقة وتمشي بها قدما إلى الأمام”.
وعن مضمون فيلمه، يتابع “تساءل الكثير من العامة والخاصة عن ثيمة الفيلم الجديد، هل هو كوميديا؟، وأنا أجيب: لا. الكوميديا حضرت في فيلم ‘دمشق.. حلب’، لكننا في تجربة ‘الحكيم’ نذهب إلى حالة اجتماعية خاصة فيها الكثير من الرسائل التي نريد تقديمها للناس، الحامل الفكري للفيلم هنا ليس كوميديا، بل اجتماعي، رغم أن خط الكوميديا لن يغيب من خلال بعض التفاصيل الصغيرة التي ستكون موجودة”.
تتمحور أحداث الفيلم حول شخصية جابر طبيب الأطفال كبير السن الذي يعيش في قريته بسلام مع حفيدته ياسمين ويتقاسم حياته البسيطة تلك باحترام ومحبة مع أهالي قريته
عاصم حواط ممثل مشارك في الفيلم، وكان أحد الذين شاركوا الخطيب ولحام فيلمهما السابق “دمشق.. حلب”، يقدّم في الفيلم الجديد دور شاب ريفي بسيط، يقاوم أعباء الحياة ويحتفظ ببارقة أمل من خلال مولودة جديدة ستحلّ قريبا على أسرته.
وعن تجربته في “الحكيم” يقول “تحضر في الفيلم أجواء إنسانية عميقة، وأقدّم فيه شخصية الشاب الذي يمثلّ نموذجا حياتيا مختلفا عن جل أهل القرية، حيث يتمسّك بالقيم الإنسانية”.
أما الفنانة الشابة ليا مباردي التي شاركت سابقا في فيلم سينمائي للمخرج غسان شميط حمل عنوان “ليليت السورية”، فتقدّم في “الحكيم” ثاني تجاربها السينمائية، من خلال دور الحفيدة ياسمين التي تتقاسم مع جدها مصاعب الحياة الجديدة.
وعن موعد خروج الفيلم إلى القاعات أكّد الخطيب أنه سيكون جاهزا للعرض في نهايات شهر أكتوبر، وهو يأمل أن يحقّق النجاح ذاته الذي حقّقه فيلم “دمشق.. حلب”.
و”الحكيم” من بطولة دريد لحام وصباح الجزائري وعاصم حواط وليا مباردي ومحمد قنوع ونور رافع وربى الحلبي وروبين عيسى وتسنيم الباشا ورامي الأحمر وأحمد رافع عن نص لديانا جبور في أولى تجاربها السينمائية.