دروس الدعم تسرق متعة العطلة من طلاب الجزائر

دعوات لتقنين النشاط وفق دفتر شروط ينهي حالة الفوضى والابتزاز.
الخميس 2024/01/04
دروس الدعم عبء يثقل كاهل الطلاب

تثير دروس الدعم والتدارك كما الدروس الخصوصية جدلا في الجزائر، خصوصا عندما تحيد عن هدفها الأساسي وتصبح موردا لاكتساب المال، ويوظف عدد من المدرسين مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لنشاطهم، من خلال إعلانات ينشرونها بهدف استقطاب أكبر عدد من الطلاب. وبين مرحب بتلك الدروس وداعٍ إلى تقنينها، يرى الطلاب أنها تسرق منهم متعة الراحة وتحرمهم من الاستمتاع بالعطلة.

الجزائر - تحولت دروس الدعم الدراسي المدفوعة وحتى المجانية إلى عبء يثقل كاهل الطلاب وينغص عليهم الاستمتاع بعطلتهم الدراسية، حيث وجد الكثير منهم أنفسهم مضطرين إلى متابعة تلك الدروس، خاصة أولئك المقبلين على امتحانات سنوية، وهو أمر بات مصدر قلق لأولياء الأمور والأطفال معا، حتى ولو كان الجميع يسلمون بضرورة تحمل هذا العبء والتضحية بمزايا العطلة الشتوية، من أجل تحقيق النتائج المنشودة.

وتوجه الكثير من تلاميذ مختلف الأطوار التعليمية بالجزائر في بداية الأسبوع الأول من العطلة الشتوية إلى مواقع تحصيل دروس الدعم لتعزيز معارفهم والتحكم أكثر في ما يكون قد فاتهم من البرنامج الدراسي، خلال الثلاثي الأول من العام الدراسي الجاري.

غير أن التفاعل مع هذه الدروس سواء كانت في المدارس العادية أو الخاصة، يبقى محل خلاف بين مرحب بدعوى تعزيز التحصيل الذاتي وتدارك النقص، وبين منزعج منها، كونها تسرق منه لحظات الاستمتاع بالعطلة بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الجد والاجتهاد.

وكما فتحت المدارس الحكومية أبوابها أمام المعنيين بدروس الدعم وحددتها خلال الأسبوع الأول من العطلة استغلت المدارس الخاصة، وما بات يعرف بـ”مستودعات” الدروس الخصوصية، الفرصة لاستقبال زبائنها من التلاميذ، على أمل تقديم خدمة لهم مقابل قدر من المال، وهي الخدمة التي باتت محل جدل اجتماعي وتربوي في البلاد، قياسا بالظروف والمقاييس التي تحيط بها.

مسعود عمراوي: يجب التفكير في علاج ظاهرة دروس التدارك من خلال تقنينها وضبطها بدفتر شروط
مسعود عمراوي: يجب التفكير في علاج ظاهرة دروس التدارك من خلال تقنينها وضبطها بدفتر شروط

وأمر وزير التربية الوطنية عبدالحكيم بلعابد باستغلال الأسبوع الأول من عطلة الشتاء لتخصيص حصص للدعم والمراجعة على مستوى جميع المؤسسات التربوية. وفي ندوة له مع مسؤولي وكوادر القطاع في مختلف ربوع الجمهورية أبرق تعليمات حول تنفيذ العمليات البيداغوجية والإدارية المرتبطة بنهاية الثلاثي الأول وغلق السنة المالية، وأمر بتوظيف الأسبوع الأول من عطلة الشتاء في تنظيم حصص للدعم والمراجعة على مستوى جميع مؤسسات التربية والتعليم لفائدة الطلاب، لاسيما طلاب الأقسام النهائية.

ومع اقتراب مواعيد الامتحانات كالبكالوريا والتعليم المتوسط، خاصة خلال الثلاثي الثاني من العام الدراسي، تزدهر سوق الدروس الخصوصية في مختلف ربوع البلاد، خاصة وأنها باتت “موضة” حتمية للأولياء، ولم يعد الأمر مقتصرا على الطلاب ذوي المستويات المتدنية، بل شمل حتى النجباء منهم وصار بعضهم يخضعون لهذا النوع من التحصيل الدراسي.

ورغم تأكيد وزارة التربية الوطنية على أن الظاهرة صارت أمرا واقعا، إلا أنها باتت تتحدى عدم الترخيص القانوني لنشاط الدروس الخصوصية، كونها تخل بالتزامات الأستاذ المهنية، وتفسح المجال أمام التلاعب بنتائج الامتحانات من خلال التركيز على دروس معينة وتقديمها في الامتحانات، إضافة إلى التعليم في أماكن غير مرخصة بعيدة عن القيمة المعنوية للأستاذ والطالب.

وأكدت الوزارة أن “الدروس الخصوصية صارت طريقة للكسب غير المشروع، لأنها تمثل جمعا بين وظيفتين وهو ما يمنعه القانون خصوصا عندما يتعلق الأمر بممارستها في أماكن عشوائية وفضاءات غير مناسبة كالمستودعات وغيرها".

ويذكر شهود عيان أن هناك أساتذة ومعلمون حولوا بيوتهم إلى قاعات لتعليم التلاميذ، مقابل مبالغ مالية هامة في ظل الرواج الكبير الذي تشهده هذه الدروس، والإقبال الواسع للأولياء على تسجيل أبنائهم فيها، بعدما تحولت النتائج الفصلية والسنوية إلى استحقاق مهم في حياتهم.

ويقول هؤلاء “يجري استغلال شبكات التواصل الاجتماعي في الترويج للنشاط، من خلال إعلانات ينشرها أصحابها بهدف استقطاب أكبر عدد من الطلاب، وهناك من تماهى مع منطق التسويق من خلال إدراج العروض والتخفيضات”.

وتتضارب وجهات النظر حول هذا الشأن بين داعمين ورافضين لأسباب وتصورات مختلفة، فالمنظمة الوطنية لأولياء الطلاب حذرت في العديد من المرات مما وصفته بـ"تهديدات الدروس الخصوصية" وانحرافها عن خطها الأساسي وطلبت من السلطات المعنية تقنينها رسميا، وفرض ضوابط وشروط تحمي التلاميذ في أوقات الدراسة.

◙ ثمة مدرّسون حولوا بيوتهم إلى قاعات لتعليم الطلاب، مقابل مبالغ مالية هامة في ظل الرواج الكبير للدروس الخصوصية

وكشفت عن "استقبال عدة شكاوى من أولياء تلاميذ تتعلق بعدم تقديم المعلومة كاملة من طرف بعض الأساتذة في المؤسسات التربوية، وتوجيه الطلاب نحو الدروس الخصوصية لاستيعاب وتدارك ما يحتاجون إليه، وبات بعض مديري المؤسسات يشتكون من تصرفات لاأخلاقية تصدر عن بعض الأساتذة المقصرين في واجبهم، خاصة وأن الدروس الخصوصية تسهم في تعزيز الفوارق الطبقية بين التلاميذ والإخلال بتكافؤ الفرص".

ودعت المنظمةُ السلطات الوصيةَ إلى "ردع المتجاوزين الذين يستغلون حاجة التلاميذ لرفع الأسعار وفرض ممارسات تتنافى مع أخلاقيات التعليم، وإشراك وزارة التجارة وكذلك الداخلية والجماعات المحلية من خلال البلديات والدوائر الإدارية في عملية الردع".

وفي المقابل دعا النقابي في قطاع التربية والنائب البرلماني مسعود عمراوي إلى "ضرورة التفكير في علاج الظاهرة من خلال تقنينها وضبطها بدفتر شروط، وعقد اتفاق بين الأساتذة ومديرية التربية لتقدم في المؤسسات التربوية كما كانت سابقا وخارج أوقات العمل، بما أنها باتت أمرا واقعا لا مفر منه".

ولفت إلى أن الأمر يستوجب دفتر شروط، من بينها تحديد قيمة الساعة ونسبة استفادة المؤسسة منها، لتعم الفائدة على الجميع الأستاذ والطالب والمؤسسة، مع عدم تجاوز العدد 20 تلميذا في الفصل، فضلا عن منع تقديم الدروس الخصوصية للتلاميذ الدارسين مع نفس الأستاذ في القسم العادي، للابتعاد عن الابتزاز واتهام الأستاذ بالغش.

وأكد المتحدث على أن "الدروس الخصوصية أصبحت أمرا واقعا لا يمكن لأي كان توقيفه، كما لا يمكن للولي القادر ماديا التخلي عنها في ظل ظروف التمدرس الحالية لأن الآباء يريدون لأبنائهم تفوقا وتعليما جيدا وذا نوعية، وهذا لا يتوفر في كل المؤسسات التربوية".

15