درس سد النهضة

الأزمات لا تحل بالدعاية الشعبوية والحيل الدبلوماسية.
الاثنين 2022/02/21
إثيوبيا تخرق اتفاق المبادئ

أديس أبابا- أكدت الدروس العديدة لملف سد النهضة الإثيوبي أن الأزمات الكبرى لا تحل بالدعاية الشعبوية والحيل الدبلوماسية التي اعتمدت عليها كل من مصر والسودان بدل مواجهة الأزمة بحزم وجدية أكبر لإجبار أديس أبابا على توقيع اتفاق مُلزم يضمن عدم المساس بالحقوق المائية لكليهما.

وبدأت إثيوبيا الأحد توليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة، ما يمثل نقطة تحول في العلاقة بينها ومصر والسودان، فقد استمرت في مشروعها وتجاوزت الكثير من العقبات التي وضعت في طريقه وتمكنت من إحراز هدف في مرمى البلدين.

وعقّبت الخارجية المصرية ببيان مقتضب حول بدء التشغيل واعتبرته “إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015”.

واحتفى رئيس الحكومة آبي أحمد بالمرحلة الأولى لتوليد الكهرباء من سد النهضة وقام بالضغط على مجموعة من الأزرار على شاشة إلكترونية إيذانا بتدشين توربين واحد (من إجمالي 13 توربينا) وإنتاج كهرباء بطاقة 375 ميغاواط، وذلك بمشاركة عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة وقادة المجتمع ورجال الدين.

ويؤكد المشروع الكبير الذي وُضعت نواته الرئيسية منذ حوالي عقدين أنه ماض في طريقه، فمرحلة توليد الكهرباء أول خطوة لحصد فوائده عمليا، ما يوفر دعما محليا يعزز رؤية رئيس الحكومة الإثيوبية التي أشارت إلى أن مهمة السد توصيل الكهرباء إلى 60 في المئة من عدد السكان المحرومين منها، وتصدير الفائض إلى دول الجوار.

غراف

وتعمدت أديس أبابا التركيز على البعد التنموي لتضمن الحصول على تأييد دولي واسع يساعدها على الصمود في مواجهة العديد من الضغوط التي مارستها مصر والسودان داخل الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي.

وحاول آبي أحمد طمأنة مصر والسودان وقال “أهنّئ دولتي المصب على بدء توليد الطاقة، وأؤكد أن المنفعة ستكون متبادلة.. ستواصل مياه النيل التدفق إلى مصر والسودان، ولن يلحق بهما أيّ ضرر”.

وحرص رئيس الحكومة الإثيوبية على التخلي عن منهجه السابق في المظلومية واستهداف مصر والسودان بكل خطوة يقوم بها حيال سد النهضة ليضمن استكمال مشروعه بعد أن أدى التصعيد المتقطع مع البلدين إلى تحقيق أغراضه داخليا وخارجيا.

ويهدف مشروع سد النهضة الذي تبلغ تكلفته 4.2 مليار دولار إلى إنتاج نحو 5150 ميغاواط من الكهرباء حاليا بعد أن كانت إثيوبيا تخطط لإنتاج نحو 6500 ميغاواط.

وبدأت الحكومة الإثيوبية المرحلة الأولى لملء خزان السد منذ عامين والوصول إلى هدفها في تعبئة 4.9 مليار متر مكعب، ثم أعلنت العام الماضي عن المرحلة الثانية من الملء وكان من المقرر لها أن تصل إلى 13.5 مليار متر مكعب.

وشككت تقارير فنية في الوصول إلى هذه النسبة بسبب عدم اكتمال الارتفاعات لتخزين الكمية المطلوبة، ولم تعلن أديس أبابا كمية المياه المحتجزة في المرحلة الثانية.

وظل خبراء مصريون يقللون من أهمية المرحلة الثانية للملء وصعوبة إنتاج الكهرباء جراء التأخير في تركيب التوربينات اللازمة (إثنان على الأقل) حتى فاجأتهم إثيوبيا بالإعلان رسميا عن إنتاج الكهرباء.

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي إن الخطوة الإثيوبية “متوقعة، لكن لم يكن وقتها معروفا بالتحديد”.

وأضاف لـ”العرب” أن إثيوبيا أرادت طمأنة الداخل بأن العمل يجري في سد النهضة على قدم وساق بعد أن كان من المقرر الانتهاء من بنائه وتشغيله عام 2017، وتشير خطوتها إلى أنها ماضية إلى الأمام وثمة منافع سوف تعود على الشعب الإثيوبي.

وتشير الخطوة الإثيوبية الجديدة إلى أن مصر والسودان يفتقران للمعلومات الكافية حول حقيقة ما يدور في مشروع سد النهضة وأن ما تم بثه من خلال وسائل إعلام مختلفة بشأن صعوبة توليد الكهرباء غير دقيق ويؤخذ من قبيل الدعاية السوداء.

ويمثل توليد الكهرباء، بقطع النظر عن الكمية، انتصارا معنويا لإرادة أديس أبابا على كلّ من القاهرة والخرطوم، وأنها لن تقبل الأدوات التي اتبعها مفاوضو الدولتين على مدار أكثر من عشر سنوات وربطهما التفاهم معها بالتوقيع على اتفاق مُلزم.

أديس أبابا تعمدت التركيز على البعد التنموي لتضمن الحصول على تأييد دولي واسع
أديس أبابا تعمدت التركيز على البعد التنموي لتضمن الحصول على تأييد دولي واسع

ويفتح توليد الكهرباء دون توافق بين الدول الثلاث المجال أمام تحويل السد إلى أمر واقع، وأن المرحلة الثالثة لملء خزان السد في يوليو وأغسطس المقبلين لن تواجه باعتراضات كبيرة من جانب مصر والسودان.

ويقول مراقبون إن أمام مصر والسودان طريقا واحدا الآن، وهو القبول بالحد الأدنى من التفاهم مع إثيوبيا، فكل الطرق التي جرى استخدامها لحثها على القبول باتفاق مُلزم أخفقت في تحقيق غرضها ونجحت أديس أبابا في حشرهما داخل زاوية ضيقة.

ويضيف المراقبون أن الهدف الذي أحرزته إثيوبيا بإعلانها توليد الكهرباء سوف تكون له تداعيات على مصر بصورة كبيرة، والتي أكد خطابها الرسمي على عدم المساس بحصتها من المياه وأن ذلك من قبيل الخطوط الحمراء المتعلقة بالأمن القومي.

وتبدو النتائج السياسية المترتبة على هذه الخطوة هي الأخطر، حيث تزيد من التوتر مع مصر بشكل خاص، والتي لم يعد أمامها سوى تحفيز الاتحاد الأفريقي على سرعة استئناف المفاوضات المتوقفة باعتبارها الحل الأوحد في تلك المرحلة.

وقد تضع عملية توليد الكهرباء القاهرة في موقف غاية في الصعوبة أمام الشعب المصري المحبط وقوى إقليمية ودولية، فالقبول بما جرى بحجة عدم وجود تأثيرات سلبية على مصالحها معناه أن خطابها الموجه إلى إثيوبيا كان شعبويا، والرفض يعني التفكير في خيارات خشنة وباهظة وقد فات أوان اللجوء إليها بعد توليد الكهرباء.

1