دراما مصرية تجمع الخير والشر في امرأة واحدة

"الأصلي".. مسلسل يعالج قضية الميراث بحبكة فنية متقنة.
الخميس 2023/03/23
وصية تحكمت في مصير الجميع

جذب مسلسل “الأصلي” شريحة واسعة من الجمهور الذي أعجب بأداء الفنانة المصرية ريهام عبدالغفور، رغم أنه أعاد طرح موضوع درامي مستهلك ألا وهو مسألة المواريث والمشاكل الناجمة عنها. ورغم أنه جعل شخصية البطلة في صراع مستمر بين الخير والشر، إلا أن ريهام أثبتت أنها جديرة بدور البطولة، وأنها واحدة من الفنانات المصريات المتمكنات من أدواتهن الفنية، وهي قادرة على إقناع المشاهد إذا ما اجتمعت مع طاقم فني ماهر.

القاهرة - قبل هجوم موسم الدراما الرمضانية الذي يتضمن وجبة دسمة من الأعمال الفنية، عرضت قناة “دي.أم.سي” المصرية مسلسل “الأصلي” الذي جذب انتباه المشاهدين لتناوله قضية توزيع الميراث بصورة فنية مبتكرة، بعد أن جمع الخير والشر في شخصية واحدة، اتخذت من فلسفة ميكافيلي الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة” منهجا لتحقيق أهدافها في الحفاظ على ما تركه والدها من ميراث لأبنائه.

عباءة فنية جديدة

كانت المفاجأة في مسلسل “الأصلي”، وهو من تأليف أمين جمال وإخراج أحمد حسن، الممثلة ريهام عبدالغفور التي لعبت دور فاطمة سيد الأصلي وحرصت على استكمال مسيرة والدها في الحفاظ على سمعته اسما على مسمى، وثروته التي حققها من تجارة قطع غيار السيارات، ولأجل ذلك أقدمت على سلوكيات وشجعت عليها بما يتنافى مع الأخلاق، وتملكها الانتقام في أوقات من البعض كي تصل إلى أهدافها.
تحوي شخصية فاطمة الأصلي في داخلها صفات الطيبة والشراسة والقبح التي تمت معالجتها في أكثر من نسخة أجنبية بهذا المعنى، بكل ما تنطوي عليه من تناقضات إنسانية، ومنحت هذه التوليفة المؤلف فرصة لتشكيل شخصية فاطمة لتحمل هذه الخصال متجمعة في مواقف متفرقة ليحتار الجمهور في إيجاد التوصيف اللائق لها.
ومع توالي الحلقات وقبل الوصول إلى الحلقة الثلاثين الأخيرة يكتشف الجمهور عمق الطيبة التي تحملها فاطمة، وهي الشخصية المحورية في العمل، وقامت بتصرفات غير أخلاقية لتحافظ على وصية والدها الراحل سيد الأصلي وجسده الفنان أحمد بدير وعدم تفتيت إمبراطوريته الاقتصادية بين أبنائه.

العمل أراد أن يحجب فكرة الفضيلة المطلقة أو القبح المستمر، وسعى إلى ترسيخ هذا المفهوم من خلال شخصية فاطمة

نجح المخرج أحمد حسن في اختيار فريق عمل بجانب ريهام عبدالغفور التي خرجت من عباءتها كفتاة جميلة ورقيقة ومنكسرة أحيانا، وربما يكون هذا المسلسل من أكثر الأعمال الدرامية تشويقا وأهمية لها، حيث كشفت عن قيمة موهبتها الفنية والتي تؤكد كما يقول البعض في مصر “ابن/ ابنة الوز عوام/ عوامة”، في إشارة على توارث الموهبة والقدرة على السباحة لمسافات طويلة، فقد ورثت ريهام عن والدها الفنان الكبير أشرف عبدالغفور المثابرة والقوة والحضور والقدرة على تجسيد الشخصيات الصعبة.
إذا كانت ريهام ضلعا مهما في هذا العمل الناجح، فقد كان من الصعوبة أن تحقق ذلك دون وجود فريق فني لا يقل أعضاؤه عنها عطاء، خاصة الأشقاء وأزواجهم، فايزة وجسدت دورها منال سلامة وزوجها وقام بدوره إيهاب فهمي، وفريال وقامت بدورها الفنانة ولاء الشريف وزوجها أحمد الشامي، وفاروق وأدى دوره إسلام جمال وزوجته جلا هشام، فضلا عن زوج شقيقتهم الراحلة فريدة وجسد دوره الفنان أيمن الشيوي.
كتب هذا العمل شهادة فنية جديدة تؤكد تعدد إمكانيات ريهام عبدالغفور، وأثبت أن حمزة العيلي الذي لعب دور زوج فاطمة الأصلي في المسلسل صاحب موهبة كبيرة تتجمع فيها الفكرة الرئيسية للعمل، فهو الرجل الطيب والشرس والقبيح، وفيه خير وشر، وهي ثيمة أساسية يشترك فيها غالبية من شاركوا في هذا العمل.
خرج المسلسل من فكرة الصراع بين الخير والشر بشكل منفصل، ووضعهما داخل كل شخصية تقريبا، في إشارة تدل على نزع التجريد التام لكل صفة وتناولها بمفردها، فلا أحد يحمل الخير طوال الوقت أو يحمل الشر دائما، وتتنازع داخل كل منا هاتان الصفتان، وفي النهاية تتغلب إحداهما على الأخرى فتجعل هذا خيّرا وذاك شريرا.

الفضيلة غير المطلقة

ريهام عبدالغفور نجحت في استفزاز الناس وكسب ودهم في آن واحد، وهي معادلة حققتها بعد تراكم تجربتها
ريهام عبدالغفور نجحت في استفزاز الناس وكسب ودهم في آن واحد، وهي معادلة حققتها بعد تراكم تجربتها

أراد العمل أن يحجب فكرة الفضيلة المطلقة أو القبح المستمر، وسعى إلى ترسيخ هذا المفهوم من خلال شخصية فاطمة القوية والضعيفة، وتم تقديمها وهي في أعلى مراتب الفضيلة عندما ترفض التجارة الحرام وتعيد الحقوق لأصحابها، وتصويرها أيضا وهي في قمة مراتب القبح حين تتآمر على أشقائها للحفاظ على تجارة والدها أو منعهم من القيام بتصرفات تراها تعود بالضرر عليها، إلى الدرجة التي لا تتورع فيها عن سجن شقيقها فاروق أو تخريب صيدلية شقيقتها فريال.
ظهرت طاقة الحنان في قلب فاطمة الأصلي في تعاملها مع ابنتي شقيقتها المتوفاة فريدة عقب سجن والدهما، ووفرت لهما سبل الراحة والأمان ولم تشعرهما وزوجها بأي حرمان، لكن هذه التربية سلكت طريقا يتناسب مع شخصية فاطمة القائمة على الاستحواذ بهدف الحفاظ على الثروة والأشخاص.
يمكن أن يقبل الإنسان فلسفة الغاية تبرر الوسيلة عندما يكون الهدف نبيلا ويرفضها في الحالة العكسية، أي عندما يكون الغرض قبيحا، وهناك من يرفضها مهما بلغ نبلها باعتبارها تنطوي على أدوات منحطة وتدوس على الكثير من القيم الأخلاقية، التي تعد النسق الرئيسي أو البوصلة التي ترسم طريق الناس في الحياة المتلاطمة.
تطرق مسلسل “الأصلي” إلى قصص جانبية وفرعية تتعلق بأصول التجارة والألاعيب التي تحدث فيها من غش وتدليس ونفاق وكذب وانتهازية وسرقة وخيانة وزواج في السر، كما تتطرق أيضا إلى الطيبة والحنان والحرية والطموح والعدل والتقوى وعودة الحق لأصحابه، وربما لم يترك فضيلة أو نقيصة إلا وتوقف عندها.
تبدو هذه الصفات صعبة وتحمل تناقضا كبيرا، غير أن المعالجة الفنية، من تأليف وسيناريو وحوار وتصوير وإخراج وديكور وموسيقى، كانت على درجة عالية من الحرفية وصلت إلى حد الإبهار، بما ينسي المشاهد الكم الكبير من الخصال اللينة والقاسية التي يصعب التعامل معها في عمل واحد.

عمل درامـي لافت

Thumbnail

كان رد فعل الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي على هذا العمل سريعا، وتم تلقفه والتفاعل معه بشكل لافت وبدا من الأعمال القليلة التي تتوافر فيها الكثير من الصفات الجيدة، وتجنب الهفوات التي تظهر في أي عمل مزدحم بالممثلين ومتشابك في القصص والحكايات.
لكن حفاظه على نسقه الرئيسي منحه إجادة فنية عالية أنست من شاهدوه أن قضية الميراث والخلافات حوله مستهلكة وتمت معالجتها في أعمال درامية متعددة، بينها مسلسل عرضته منصة “شاهد” وقناة “أم.بي.سي – مصر” في التوقيت نفسه تقريبا اسمه “ولاد عابد” بطولة رياض الخولي وانتصار.
قد تكون الفكرة قديمة ومكررة، غير أن المعالجة الفنية وأداء طاقم العمل والتسلسل التدريجي وفر لها بريقا خاصا، فمسلسل “الأصلي” عزز فكرة أن الأعمال الجيدة تعرض أيضا في غير موسم رمضان الدرامي، ويمكن أن تحظى بنسب عالية من المشاهدة.
ضرب هذا العمل الكثير من العصافير بحجر الاتقان، فهو مظلة أو وصفة تساعد على نجاح أي عمل يخلو من المجاملة ويحرص على تقديم صورة قريبة من الواقع وتشابكاته، وإن شابه بعض الخيال الذي تجاوز هنا مشكلة المبالغة أو التضخيم الذي يصيب الدراما ويؤدي إلى نفور المشاهدين من المسلسل، لكن “الأصلي” تسلل بنعومة وتدرج إلى عقول وقلوب شريحة كبيرة من المشاهدين، وجعلهم وهم في ذروة غضبهم من مؤامرات فاطمة يشعرون بالتعاطف معها.
يكفي ريهام عبدالغفور أنها نجحت في استفزاز الناس وكسب ودهم في آن واحد، وهي معادلة حققتها بعد تراكم أعمالها وخبراتها الفنية التي جعلتها ضمن نجمات الصفوف الأولى لبنات جيلها وواحدة من الفنانات التي سيراهن عليها صناع الدراما في مصر الفترة المقبلة، خاصة إذا واصلت حرصها على انتقاء أدوارها ولم تنزلق إلى الكم على حساب الكيف.

14