دراما الحكواتي لا يزال لها محبون في دمشق

الحكواتي شخصية تاريخية معروفة من التراث اللا مادي المتوارث من جيل إلى جيل.
الجمعة 2023/04/21
رشيد الحلاق أشهر الحكواتيين السوريين والعرب

دمشق - ليست الصورة التي يقدمها لنا الفضاء المرئي عبر قنواته التي تتنافس بقوة على العرض الأول لأعمالها الدرامية في رمضان سوى تطور طبيعي لفن بدأ قبل أكثر من مئة عام، قام على الحكاية مستعينا بجهود بطل أوحد هو الحكواتي.

والحكواتي أو الراوي هو شخص امتهن سرد القصص في المنازل والمحال والمقاهي، كان يحتشد حوله الناس قديما، فلا يكتفي بسرد أحداث القصة بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس إلى أن يجسّد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.

ولطالما كان الحكواتي بصوته وصورته الونيس للسهرات الرمضانية، حيث بين محمد خير كيلاني الذي جسد على مدى ثلاثين عاما دور الحكواتي في السهرات الرمضانية الحمصية أن المقاهي الشعبية كانت مركزا للحكواتي ويتذكرها الكبار من أبناء المدينة.

والحكواتي شخصية حسب ما أضاف كيلاني كانت قديما تعد من وسائل التسلية الجماعية والتثقيفية لما تتناوله قصصه الواقعية والخيالية من بطولات وتعزيز القيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية، لافتا إلى أن أشهر الحكايات المعروفة “عنترة” و”الزير سالم” و”ذات الهمة” و”تغريبة بني هلال” وغيرها.

شادي الحلاق: أعمال والدي الحكائية تراث لا مادي تجاوز الحدود السورية
شادي الحلاق: أعمال والدي الحكائية تراث لا مادي تجاوز الحدود السورية

وكان الحكواتي الراحل رشيد الحلاق، الذي بدأ في عام 1990 بإعادة إحياء مهنة الحكواتي بمقهى “النوفرة”، من آخر الحكواتيين في سوريا، والذي نقل موهبته لأبنائه وأحفاده.

واستمر “حكواتي الشام” حتى عام 2014 وكان يقدم القصص التي تجمع بين العبر والتوعية، حيث تناول قصتي الملك الظاهر بيبرس وعنترة بن شداد العبسي وغيرهما الكثير.

عن هذا الموضوع تحدث شادي الحلاق الابن قائلا “إن الوفود السياحية كانت لها وقفة دائمة بالمقهى لحضور الحكواتي والتقاط الصور التذكارية معه”، مشيرا إلى أعمال والده رشيد التي تجاوزت الحدود السورية حيث شارك بمهرجان جرش بالأردن عام 1992 وحتى عام 1995 على مسرح الصوت والضوء، وله مشاركات عديدة في البحرين والإمارات ولبنان وغيرها.

وتعمق شادي الحلاق بمهنة والده، فبدأ البحث عن القصص الأسطورية والتاريخية المحبوبة لدى جمهور الحكواتي من المقاهي السورية وجمع كتبا مكتوبة بخط اليد وقام بإعادة ترميمها، كقصة ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن، وقد قام المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأوسط بطباعة قصة الملك الظاهر بيبرس مع مساعدة والده بشرح بعض الكلمات ومعانيها.

ولفت الحلاق الابن إلى الكنز التراثي الذي وجده خلال عمليات البحث، وهو كتب بلغة مشفرة، والتي اكتشف أنها خيمة كركوز وعواظ السورية المندثرة، حيث شرح له والده كيفية تقديمها وصنعها من الجلود والألوان وطرق التحريك وأسماء القطع وصفاتها، ليقدم أول عرض لخيال الظل بحضور مجموعة ممن عاصروا خيال الظل.

وامتهن شادي الحلاق هذه المهنة مع فن الحكواتي حتى صنفت لدى اليونسكو على قائمة الصون العاجل بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية، وقدم ورشة عمل لتعليم 22 طالبا وطالبة لصناعة خيال الظل والتحريك وتعليمهم أصول المهنة وبحرفية تقليدية، وتم منحهم وثيقة من قبل الأمانة أنهم أصبحوا مخايلين سوريين.

وانطلق شادي لتحويل مهنة الحكواتي إلى مشروع عمل مستمر له ولأبنائه، مشيرا إلى أنها مهنته التي يحبها وقد استمر فيها بعد وفاة والده عام 2014، واستمرت مسيرة حكواتي الشام مع خيال الظل وحاليا أولاده يتعلمون منه هذا الفن.

جواد بن رشيد الحلاق البكر قدم عرضا لخيال الظل مذ كان في التاسعة من عمره ضمن مهرجان من “الأجداد إلى الأحفاد” والآن هو في العاشرة أصبح لديه أكثر من 40 عرضا لخيال الظل، وهو أصغر مخايل ويساعد والده بتصنيع القطع وتقديم العروض.

وكذلك رشيد ذو الثامنة من عمره يتعلم مهنة الحكواتي وخيال الظل، وجاد الصغير في الخامسة من عمره دفعه شغفه بخيال الظل الذي تشربه من عائلته إلى تقديم حوارات في المنزل وللعائلة.

الحلاق قدم ورشة عمل لتعليم 22 طالبا وطالبة لصناعة خيال الظل والتحريك وتعليمهم أصول المهنة وبحرفية تقليدية

من جانبه، يقول الحكواتي عمار جراح إن شخصية الحكواتي هي شخصية تاريخية معروفة من التراث اللا مادي المتوارث من جيل إلى جيل، وهو يعمل بهذا المجال منذ عام 2000 وفي كل عام من شهر رمضان يظهر بهذه الشخصية لحمايتها من الاندثار.

وأشار الجراح إلى أنه يعمل على تطويرها لتناسب رغبة الناس، فيختار القصص المحلية التي تحمل الفكاهة والفائدة للجمهور.

وذكر طارق علي، أحد المستمعين للحكواتي، أن اختيار وجود الحكواتي يعيد إحياء الزمن الجميل، حيث يلفت أنظارهم بنبرة صوته التي تتعالى وتنخفض بالتناغم مع سير الأحداث والحماس الذي تحويه قصته، وهو يجلس على كرسيه ويحمل في يده كتاب القصص وفي الأخرى يحمل عكازه ويلوح بها في كل الجهات.

ووجدت رنا بكباشي في شخصية الحكواتي عودة إلى إحياء التراث اللا مادي، وإضفاء أجواء من المحبة والتآلف، والابتعاد قليلا عن ضغوطات الحياة، بالإضافة إلى جذب جيل الشباب ليستمع إلى بطولات العرب قديما وتعلم قيم الشهامة والأخلاق العربية.

ولا تنحصر مهنة الحكواتي في كونها مهنة فقط، بل تحمل تفاصيل صاحب المهنة في طياتها أهمية اقتصادية متنامية في المجتمع السوري بدءا من لباس الحكواتي الذي يتضمن الطربوش الأحمر الغامق على الرأس وصدرية مصنوعة من نول يدوي وسروال شامي طويل، أما الزنار فهو لفة من قماش الدامسكو، البروكار الدمشقي، إضافة إلى شال على الأكتاف من الحرير وجاكيت عربي يسمى الدامر، مطرز يدويا وليست له أزرار يتبع تطريزة السروال ومبطن من الحرير لونه أسود كما السروال يكون أسود، ويجلس الحكواتي بالمقاهي العامة على كرسي يمثل ما أنتجته سواعد الحرفيين الدمشقيين من خشب محفور وموزاييك مطعم بالصدف.

تلك التفاصيل تمثل حرفا تراثية تقليدية تحمل الطابع السوري المميز، هذا ما أوضحته رئيس مجلس إدارة جمعية الوفاء التنموية السورية رمال صالح، مبينة أن هذا التراث أضحى مشروعا تنمويا لعائلات سورية كثيرة من خلال مشروع “بيت الشرق للتراث”.

15