دراسة سيميولوجية: الأم السورية حاضرة بصور مختلفة في الأفلام المنتجة زمن الحرب

دمشق - لم تهمش المرأة في مضامين السينما السورية، بل كان لها وضع معقد شبيه بأوضاع النساء السوريات المختلفة على أرض الواقع، فمنذ أول فيلم قدمته السينما السورية بعنوان “المتهم البريء” سنة 1927 كان للمرأة وخصوصا الأم حضور مؤثر تجلى في العشرات من الأفلام.
وخلال سنوات الحرب، قدمت السينما السورية العديد من الأفلام التي عرفت منعطفا دراماتيكيا في تصوير المرأة وخاصة الأم، فبوأتها أدوار البطولة وجسدتها مناضلة وصامدة ومضحية وتحولت إلى أيقونة باقية.
من الحرب والأفلام التي أنتجت خلالها، استلهمت الدكتورة رهف القصار بني المرجة دراستها السيميولوجية التي حملت عنوان “دلالات صورة الأم السورية في الأفلام السينمائية المنتجة زمن الحرب”، ركزت خلالها على عدة نماذج لشخصيات الأمهات السوريات وما تعرضن له من ضغوطات وخسارات جسيمة أرخت بظلالها عليهن وجعلتهن يواجهن مخاطر الحرب الإرهابية على بلدهن بمفردهن.
وعملت الدكتورة القصار على تحليل الملامح الاجتماعية السوسيولوجية، والنفسية السيكولوجية، والتحليل السيميولوجي الدقيق، والتعرف على المستويين التعييني والتضميني للصورة البصرية، ومرجع الشخصية السينمائية، والخلفية الثقافية لنظرية رولان بارت في التحليل السيميولوجي.
واستعرضت أدبيات الدراسة عدة فصول حول مفهوم السيميولوجيا ومراحل تطور النظريات السينمائية، والعلامات، والدلالات، واللغة والحوار، وعبارات السيميائية، والشيفرات، والسردية، ثم التطرق إلى الصورة السينمائية من تعريف ونشأة وطبيعة، وكيفية تشكيلها في وسائل الإعلام، وإنتاج الصورة وتحليلها السيميائي، وصولا إلى السينما العامة، والسينما السورية خصوصا، وصناعة الشخصيات من بينها المرأة والأم، وتناول المضامين الحربية.
أما الإطار التحليلي فاحتوى على منهج التحليل السيميولوجي لصورة الأم في سبعة أفلام أنتجتها المؤسسة العامة للسينما خلال سنوات الحرب، وهي “أم عادل” في فيلم “الأم” أداء صباح الجزائري، وإخراج باسل الخطيب، والذي يتطرق به المخرج إلى موت الأم (صباح الجزائري) الذي ينجح أخيرا في أن يجمع شتات أبنائها المختلفين في المكان والتوجّه السياسي ويشجعهم على التفكير في العودة إلى القرية والجذور رغم خطر الحرب.
كما تطرقت إلى حكاية “أم علاء” في فيلم “رسائل الكرز” أداء جيانا عيد، وإخراج سلاف فواخرجي، و”أم نور” في فيلم “فانية وتتبدد” أداء رنا شميس، وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، وهي المرأة التي اختطف إرهابيو داعش ابنتها وتسعى لتحريرها.
كما تناولت الأم “صفاء” في فيلم “أنا وأنتِ وأمي وأبي” أداء سوزان نجم الدين، وإخراج عبداللطيف عبدالحميد، و”أم كفاح” في فيلم حنين الذاكرة “العودة” أداء لينا حوارنة، وإخراج كوثر معراوي.
وتطرقت الباحثة إلى حكاية أمينة في فيلم “أمينة” أداء نادين خوري، وإخراج أيمن زيدان، الأم السورية التي كوتها الحرب الإرهابية التي شنت على الوطن ومعاناتها من جراء تعرض ابنها الوحيد للشلل ونضالها لحماية أسرتها. كذلك ركزت الباحثة على المعلمة المخطوفة في فيلم “يحدث في غيابك”، أداء نور الزير، وإخراج سيف الدين سبيعي.
صورة الأم السورية التي كوتها الحرب الإرهابية التي شنت على الوطن ومعاناتها من جراء تعرض ابنها الوحيد للشلل ونضالها لحماية أسرتها
في هذا الفيلم تطرق المخرج إلى قصة زوجة وابنها الرضيع يتعرضان للخطف على أيدي جماعات مسلحة، مما يجبر زوجها على خطف طبيبة من بيئة مختلفة كرهينة، واحتجازها في بيته المهجور وسط حالة من الخطر، وأصوات القذائف تدوي في سماء المدينة ومعها سيل متقطع من أزيز رصاص البنادق والرشاشات. وحين تلقى زوجته حتفها يبدأ في التفكير في قتل الطبيبة لكن حبه لها يحول دون إتمامه المهمة.
وتوصلت الدراسة إلى تعبير جميع المخرجين عن ثقافة النساء من خلال السينوغرافيا كعنصر فني، وتصميم تقني متمم للمشهدية التكوينية، ويحمل شيفرات ثقافية دالة على سمة فكرية مميزة للشخوص الفاعلة، كما تجلى المرجع الخاص بالفيلم بمجموعة أيديولوجيات وسمات متماهية مع طبيعة المجتمعات السورية، محاكية في كنهها الدلالي والرمزي لأمهاتها.
واختتمت الدراسة بطرح مجموعة من المقترحات والتوصيات للدراسات المستقبلية، من بينها إجراء دراسات حول كيفية نقل الأفلام السينمائية لتداعيات الحرب على المستوى الاقتصادي، ودراسة شخصيات أخرى في الأفلام، مثل الجندي والأب والطفل، والاهتمام بالعنصر النسائي وطرح شخصيات أمهات أصغر بالسن وخاصة مع ارتفاع أعداد الأرامل الشابات.
يذكر أنه بناء على هذه الدراسة، منحت كلية الإعلام بجامعة دمشق درجة الدكتوراه في الإعلام قسم الإذاعة والتلفزيون بمرتبة امتياز للباحثة رهف القصار بني المرجة، وهي خريجة كلية الإعلام قسم الإذاعة والتلفزيون، حاصلة على درجة ماجستير أكاديمي في اختصاص سيميولوجيا الأداء السمعي والبصري.