دراسة تسبح ضد التيار: اليهود لم يبتكروا موسيقى مستقلة

يتناول كتاب “الموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية في أحضان النيل” للدكتور أحمد يوسف الطويل، موسيقى الأديان القبطية واليهودية باستثناء الفن الموسيقي المرتبط بالدين الإسلامي لتداوله وكثرة التناول البحثي حوله، إلا في ما يتعلق بالمقارنة من حيث التشابه والاختلاف، وقد اختصت هذه الدراسة الصادرة عن سلسلة عالم الموسيقى بالهيئة العامة لقصور الثقافة، بالموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية، ودرس الكتاب التأثير المتبادل بين موسيقى أبناء الوطن الواحد، سواء موسيقى ألحان قبطية أو شعبية أو ألحان موسيقى عربية تقليدية، وكذلك تأثر كبار الموسيقيين المصريين بالألحان القبطية ومدى تفاعلهم مع هذه الألحان، مما قد يكون منبعا جديدا يضاف للروافد الأخرى التي شكلت الوجدان الموسيقي المصري.
ورأى المؤلف أن مصادر الموسيقى القبطية، إجمالا، ترجع إلى ثلاثة مصادر:
أولها، موسيقى قدماء المصريين، فقد اقتبست الكنيسة القبطية من هياكل العبادة المصرية كثيرا من العادات، مثل “الكساء الكهنوتي” الذي يرتديه رجال الدين المسيحيون، والتشابه في الكثير من إجراءات الوفاة والجنازات، وذكرى الأربعين للميت.
سجل القدماء المصريون صور تلك التفاصيل على جدران معابدهم، كذلك نقلت بعض الألحان الفرعونية لاستخدامها كألحان كنسية مثل لحن “أبؤوروا” الذي يؤدى في أسبوع الآلام، فقد كان السلام الفرعوني لتنصيب فرعون بعد موت أبيه، كما أن بعض التراتيل التي تنشد إلى يومنا هذا، تحمل أسماء بلاد في مصر اندثرت منذ عهد بعيد، مثل لحن “كعنوان” وهي مدينة مصرية قديمة.
اليهود لم يكن لهم سلم أو مقام موسيقي خاص بهم وينسب لهم كما للشعوب الأخرى
ثانيها، الموسيقى اليهودية، لارتباط الديانة اليهودية بالمسيحية ارتباطا كليا، ويشير المؤرخون إلى أن الناموس اليهودي الرمزي مع كل فرائضه وغسلاته وذبائحه كان رمزا إلى النظام الإنجيلي، وكان بمصر عدد هائل من اليهود، وقد اعتنقوا المسيحية، واحتفظوا بعدة طقوس موسيقية في عبادتهم، وظهر هذا التأثير في التشابه بين التسبيح “الأبصلمودي القبطي” مع التسبيح “الأبصلمودي العبري”. وأضاف “كذلك ما ورثته الكنيسة المسيحية من الهيكل اليهودي بالتسبيح بالمزامير، يضاف إلى ذلك أسلوب التسبيح بالتناوب المستخدم في الموسيقى القبطية الذي مارسه اليهود كثيرا، والارتجالات والحليات واستعمال “الفلوت” حتى عام 190 ميلادي”.
ثالثها، إضافات الأقباط أنفسهم، فقد طوروا من موسيقاهم وأضافوا ألحانا جديدة على يد القديس كليمندس السكندري والقديس ديديموس الضرير وغيرهم، علاوة على التأثير اليوناني إذ يعزى للآراء والعادات الإغريقية تأثيرها على الكنيسة المسيحية وطقوسها، كما في استخدام بعض ألفاظها مثل “ثيؤطوكية، أسبزمس، استيخون، أبصالية” وغيرها، وكذلك كان هناك تأثير بيزنطي على الموسيقى القبطية، ويظهر ذلك في بعض المناسبات الكنسية، مثل بعض ألحان عيدي القيامة واستقبال البابا.
يقسم المؤلف تاريخ الموسيقى القبطية إلى خمس مراحل:
الثانية، تشمل القرن الثالث ونشأ فيها المجتمع الكبير في الإسكندرية وظهرت إبانها إبداعات آباء الكنيسة مثل إكليمندس السكندري (150 ـ 215 ق.م) وحدث في تلك الفترة امتزاج مع الكنيسة الجامعة، وتأثر الكنائس ببعضها البعض، وهي فترة ازدهار الموسيقى القبطية، إذ وصلت فيها إلى حد العلاج بالموسيقى بواسطة تأدية صلوات معينة، أشهرها “صلاة أبي طربو”، وذلك بترتيل المزامير بجانب قراءات من الكتاب المقدس.
الثالثة، تشمل القرنين الرابع والخامس وتم فيها ترتيب القداس مما ساعد على إيجاد الهوية الموسيقية، وأصبحت للكنيسة القبطية ألحانها الخاصة والمتميزة.
الرابعة، مرحلة الانحدار والبقاء وقد أثر دخول الإسلام إلى مصر على تحجيم ظهور الطقوس المسيحية علنا، فضعفت الثقافة الموسيقية القبطية منذ ذلك الحين.
|
الخامسة، مرحلة الانتعاش والنهضة القبطية، بداية من القرن التاسع عشر، ويرجع الفضل في ذلك إلى البابا كيرلس الرابع (1854 ـ 1862) أبي الإصلاح، وتتمثل في استعادة الفنون وتعمير الأديرة وازدياد الرهبنة.
وحول علاقة اليهود بالموسيقى، قال المؤلف “من المعروف في علوم الموسيقى أن التاريخ الموسيقي لأي أمة أو شعب يقوم على سبع ركائز أساسية، تصف وتحدد الهوية الموسيقية لهذا الشعب، وهي:
ثانيا، الإيقاعات والضروب وتشمل الموازين والأزمنة الموسيقية والضروب.
ثالثا، الآلات الموسيقية أشكالها ومساحاتها الصوتية والنغمات التي تصدرها.
رابعا، القوالب والصيغ الموسيقية وأقسام وأجزاء تلك الصيغ وتحليلها، ومدى التشابه والاختلاف مع صيغ وقوالب الموسيقى العالمية، وصيغ موسيقى الشعوب الأخرى.
خامسا، الفكر الموسيقي وأشهر المصنفات الفنية وأسلوب التدوين الموسيقي.
سادسا، أشهر الموسيقيين الذين ينتمون إلى هذا الشعب.
سابعا، أسلوب الممارسة الموسيقية والمناسبات التي تحييها تلك الشعوب.
وأشار إلى أنه عبر تطبيق هذه العناصر على موسيقى شعب ما، نجد أن حضارات الشعوب القديمة أمثال “المصريين والبابليين والآشوريين والإغريق والهنود والفينيقيين والصينيين وغيرهم، تحددت بها المقومات التي تصف حالة الموسيقى لديها بدقة، وعليه يمكن إرجاعها إلى مصادرها إما شرقية أو غربية، ومدى استمراريتها، أما اليهود فقد كانت هناك محاولات لإقحامهم ضمن حضارات الشعوب القديمة، من جانب الكثير من المؤرخين وعلماء الموسيقى وأغلبهم يهود، ونسبة ألحان أو آلات رصدت في تراثهم على أنها يهودية”.
وأكد أن اليهود لم يكن إليهم سلم أو مقام موسيقي خاص بهم وينسب لهم كما للشعوب الأخرى، لكنهم اقتبسوه من أساليب الغناء من الشعوب المجاورة، وأنه من الواضح أن ألحانهم ومزاميرهم ليس لها ضرب أو ميزان واضح، لأن لغتهم ليست لها عروض أو تفعيلات شعرية تحدد ضغوطا قوية أو ضعيفة يمكن الاعتماد عليها لتكوين فكرة إيقاعية مميزة، كما لا توجد لليهود موسيقى مستقلة بكم وكيف يضاهي الشعوب الأخرى.