دبي تتطلع إلى نمو طويل المدى وعينها على تجنب مخاطر الديون

دبي - تسعى حكومة دبي لاتباع نهج يتمثل في إعادة استخدام نموذج اقتصادي متألق ركز على مدى عقود على الاستثمار العقاري والسياحة وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية لتحقيق مستويات أعلى من الرخاء للإمارة خلال المرحلة المقبلة.

وعاد القطاع العقاري إلى الازدهار من جديد بمساعدة طلب روسي قوي في ظل الحرب على أوكرانيا وقواعد الإقامة الأكثر تيسيرا.

ويرى محللون هذه المرة أن هناك إجراءات حماية أكثر في مواجهة أي تكرار للمشكلات التي أثرت على دبي بعد الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاما.

وتريد دبي، التي تضم أعلى ناطحة سحاب في العالم وجزرا صناعية، تحقيق أهداف جديدة طموحة، إذ تستهدف خطة لعشر سنوات تعرف باسم (دي 33) زيادة حجم الاقتصاد إلى مثليه وجعل الإمارة واحدة من أكبر أربع مراكز مالية في العالم خلال عشر سنوات.

كما تأمل أن تزيد من طول شواطئها العامة إلى 105 كيلومترات من 21 كيلومترا بحلول 2040، وإحياء مشروع نخلة جبل علي الذي أوقفته بعد أزمة 2008.

وعادت أعداد السائحين هذا العام تقريبا إلى مستويات 2019، وخلص بحث أجرته شركة الاستشارات نايت فرانك إلى أن دبي احتلت في 2023 المرتبة الرابعة عالميا في أسواق العقارات الأكثر غلاء من حيث الإقبال بمبيعات 219 منزلا تفوق قيمتها 10 ملايين دولار.

لكن في الوقت نفسه، فإن زيادة أسعار العقارات وارتفاع الطلب على شريحة الوحدات الفاخرة جدا يعيدان إلى الأذهان زيادات مفرطة حدثت في السابق.

ففي 2008 تأثرت دبي بشدة خلال الأزمة المالية العالمية، مما أدى إلى نزوح رؤوس أموال ومقيمين وانهيار أسعار العقارات ومعاناة شركات كبرى ومشهورة ومعروفة بأنها كيانات مرتبطة بالحكومة من صعوبات جمة في سداد الديون.

وتدخلت أبوظبي، العاصمة الإماراتية الغنية بالنفط، في النهاية وأمدت دبي بطوق نجاة بتقديم 20 مليار دولار من المتوقع إلى حد كبير تمديد أجل سدادها لمرة ثالثة.

وقال ناصر الشيخ المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي الذي شغل ذلك المنصب حتى عام 2009، لرويترز إن “هناك خطرا بأن تتحول دبي إلى مكان باهظ التكلفة للعيش فيه”.

وأضاف “بالتالي على المشاريع الجديدة أن تضمن وجود وفرة في المعروض للوفاء بالطلب على العقارات المناسبة لمتوسطي الدخل مع زيادة عدد السكان”.

وأوضح الشيخ أنه “إذا لم يتمكن المطورون العقاريون في القطاع الخاص من توفير ذلك، فالحكومة والكيانات المرتبطة بها يمكنها أن تلعب دورا أكبر في تحقيق ذلك وإبقاء الأسعار معقولة”، في إشارة إلى شركات كبرى قادت نموا كبيرا لاقتصاد دبي.

وزاد عدد سكان دبي ليتجاوز 3.55 مليون نسمة في 2022 وفقا لما أظهرته الإحصاءات الرسمية، وهو ما يشكل ارتفاعا نسبته 2.1 في المئة عن 2021، وأربعة في المئة منذ 2020. وتتوقع ستاندرد آند بورز أن يتخطى عدد السكان أربعة ملايين نسمة بحلول 2026.

وقال جاستن ألكسندر مدير خليج إيكونوميكس والمحلل “هناك دائما خطر يتعلق بجولة جديدة كبيرة من الاقتراض (تقوم بها كيانات مرتبطة بالحكومة) على أساس توقعات غير واقعية بشأن مبيعات العقارات”.

ويأمل المختص بشؤون الخليج في غلوبال سورس بارتنرز في أن يكون التعلم من دورات سابقة سيخفف من وطأة هذا الخطر.

ولم يرد المكتب الإعلامي لحكومة دبي حتى الآن على طلب للحصول على تعليق على كيفية عمل إستراتيجية الإمارة لضمان أن النمو سيكون مستداما وليس تخمينيا.

وأسست دبي مكتب إدارة الدين العام في 2022، وردت أو أعادت هيكلة بعض الديون المستحقة، وأعلنت خططا لإدراج حصص الحكومة في عشر شركات لجمع رأس المال ودعم الأسواق المالية. وأدرجت بالفعل أربعا منها العام الماضي.

ويؤكد الشيخ أن المسؤولين الماليين الحاليين تعلموا من تجارب 15 عاما مضت. وقال “دبي لديها إستراتيجية اليوم”.

وأوضح أن تطوير أسواق المال مكون مهم من المقترح المالي الشامل لدبي، ليس فقط لتوفير السيولة وسداد الديون، بل أيضا لترسيخ أسواق رأس المال في القطاع المالي.

وضخت دبي، المركز التجاري للإمارات، موارد في إصلاحات اجتماعية وفي مجال الأعمال وفي قطاعات مثل التكنولوجيا الرقمية.

وتشكل عائدات النفط أقل من اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على خلاف العاصمة أبوظبي ذات الموارد المالية الوفيرة.

وأفادت شركة الأبحاث العقارية سي.بي.آر.إي بأن متوسط أسعار العقارات زاد 12.8 في المئة في الربع الأول من 2023، وزادت أسعار الفيلات بما يصل إلى 15 في المئة. وفاقت مبيعات الفيلات مستويات مرتفعة سجلتها في 2014.

ووفقا لقائمة بيترهومز، فقد جاء المشترون من روسيا في المرتبة الثالثة من بين أكثر عشر جنسيات شراء في مايو الماضي بعد الهند وبريطانيا.

وقال ريتشارد ويند العضو المنتدب لبيترهومز في الإمارة إن “دبي وضعت نفسها حقا في موقع الملاذ العالمي الآمن”، مضيفا أنها “آمنة للعائلات ومستقرة سياسيا وماليا”.

وتابع “لم تعد سوقا قائمة على التكهنات. إنها سوق مبنية على استثمار حقيقي. أعتقد أن ذلك يشكل فارقا كبيرا عما رأيناه في 2008 و2009 وربما آخر ذروة في 2014 تقريبا”.

وعزز الانتعاش أيضا ميزانيات كبرى شركات دبي بما فيها كيانات مرتبطة بالحكومة مثل طيران الإمارات وبنك الإمارات دبي الوطني وإعمار العقارية اللّذين تملك الحكومة فيهما حصة أغلبية لكنهما أيضا مدرجان في البورصة.

وتشير تقديرات ستاندرد آند بورز إلى أن إجمالي الدين الحكومي لدبي سيتراجع إلى 51 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ليسجل 66 مليار دولار بنهاية 2023 من 78 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي في 2020.

غير أن دين القطاع العام الأوسع نطاقا سيظل مرتفعا عند 100 في المئة تقريبا من الناتج الإجمالي المحلي بسبب التزامات على كيانات غير مالية مرتبطة بالحكومة.

ووصلت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لدبي لأجل خمس سنوات إلى مستوى منخفض غير مسبوق عند 66 نقطة أساس في الثامن من مارس هذا العام، وهو ما يقل كثيرا عن أعلى مستوى وصلت إليه وهو 316 في أوج جائحة كوفيد – 19 في 2020.

وفي العادة تستخدم عقود مبادلة مخاطر الائتمان للتأمين ضد عدم سداد حكومة أو شركة لديونها.

وأفاد تقرير نشرته فايننشال تايمز هذا الشهر عن أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر في 2022 بأن دبي اجتذبت ما يقدر بنحو 12.8 مليار دولار من رؤوس أموال المباشرة، بينما سجل الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية ثمانية مليارات دولار.

ورغم تزايد المنافسة من الدول الخليجية العربية المجاورة، لا يزال الطلب مرتفعا على البنية التحتية والمدارس والمستشفيات في دبي.

وعبر عدد ممن تحدثت معهم رويترز عن تزايد قلقهم من غياب البيانات والشفافية خاصة من الكيانات المرتبطة بالحكومة، مما يزيد صعوبة وضع تقييم مناسب للمعطيات الأساسية لاقتصاد دبي.

وفي 2022، وضعت مجموعة العمل المالي المعنية بمراقبة الجرائم المالية عالميا الإمارات على “القائمة الرمادية”، وهو ما يزيد من مخاطر قلة تدفق رؤوس الأموال وتناقص أنشطة الاندماج والاستحواذ وافتقار محتمل للثقة من المستثمرين.

لكن بعض المستثمرين الكبار متفائلون. وقال فيليب زوبر الرئيس التنفيذي لشركة كيرزنر الدولية التي تدير منتجعات أتلانتس وون آند أونلي الفارهة إن “دبي من أكثر الوجهات مرونة”، مشيرا إلى أن الإمارة أبقت الحدود مفتوحة وأعمال قوية خلال الجائحة.

وافتتحت كيرزنر المملوكة جزئيا لصندوق الثروة السيادية في دبي، منتجع أتلانتس ذا رويال شديد الفخامة في عام 2023، وهو ثاني منتجعات أتلانتس على جزيرة نخلة الجميرا.

وتكلّف الإقامة ليلة واحدة في جناح ذا رويال مانسيون بنتهاوس حيث أقامت النجمة بيونسيه ذات مرة، مئة ألف دولار.