دبلوماسية دونالد ترامب تُقدّم العلاقات على النتائج

أوساكا ( اليابان)- كانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قارة آسيا، والتي استغرقت أربعة أيام، في صالح العلاقات على حساب النتائج، حيث تحقق القليل من الإنجازات المحددة في ظل مجموعة من التحديات الملحة، بينما كان يستمتع بمظهر التراجع الدبلوماسي.
و يرى الكاتبان زكي ميللر وجوناثان لمير أنه في قمة مجموعة العشرين التي احتضنتها اليابان اجتمع ترامب بحلفائه ومنافسيه على حد سواء على خلفية الأزمات العالمية من العدوان الإيراني وتدخل روسيا في الانتخابات.
وحرصا منه على تجنّب تكرار زياراته السابقة في القمم الدولية، تبادل ترامب مفاوضات من أجل الثناء وتجنب القضايا الشائكة حتى مع أكثر الشخصيات العالمية إثارة للقلق.
وبعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الصيني شي جين بينغ، شدّد ترامب على الحاجة الملحة لإقامة علاقات قوية تسع مرات في مؤتمر صحافي ختامي في مجموعة العشرين قائلا “لدي علاقة جيدة مع الجميع″، ثم انتقل إلى كوريا الجنوبية، متمسكا بالأمل في فرصة أخرى للتصافح.
ودعا ترامب نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، من أجل تبادل التحية في المنطقة المنزوعة السلاح. وكشفت أولوياته لإقامة علاقات شخصية على حساب الإنجازات الملموسة عن الجانب الآخر غير المتوقع لوجهة نظر ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية، حيث على الرغم من سمعته كشخصية متقلبة، إلا أنه غالبا ما يؤطر تطوير العلاقات مع قادة العالم باعتباره غاية في حد ذاتها.
وقال ترامب “نتمتع بعلاقات جيدة، وهذا أمر مهم للغاية، سواء مع المملكة العربية السعودية أو الصين أو كوريا الشمالية أو أي دولة أخرى، وإلا فإنك ستجد نفسك في وسط الكثير من الحروب والمشاكل”.
ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، لم يتردّد ترامب في إهانة بعض أقرب حلفاء أميركا وتقويضهم، مما أدى إلى توتر العلاقات مع شركاء مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والكندي جاستين ترودو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وأصدر شكواه بشكل علني ضد اليابان وألمانيا والهند في الأيام التي سبقت رحلته إلى آسيا. وخلال رحلاته وجه اهتماما كبيرا إلى القضايا الداخلية والسياسة الأميركية، وهو اهتمام كان يمكن تخصيصه أكثر للدبلوماسية.
وفي أوساكا، مقر انعقاد قمة العشرين، تأرجح ترامب في علاقته مع الشخصيات العالمية، ففي اجتماع مع ميركل تجنّب مناقشة المخاوف بشأن الإنفاق الدفاعي لألمانيا، لكنه على العكس كان لم يبد اهتماما يُذكر مع بوتين بشأن مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، والتي تخشى وكالات الاستخبارات الأميركية حدوثها مرة أخرى في عام 2020. وقال مايكل ماكفول، السفير الأميركي إلى روسيا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، “لا أعرف بصراحة ما هي أهداف ترامب. إنه يحدد لقاءه وعلاقته الجيّدة ببوتين كهدف، ويجب أن يكون ذلك وسيلة لتحقيق الأهداف الحقيقية”.
وأثنى ترامب على مضيف القمة، رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، لكرم ضيافته وروى باعتزاز كذلك مدى حفاوة وترحيب شي به منذ ما يقرب من عامين عندما زار بكين.
ويزعم مساعدو ترامب أنه يلقي اهتمامه على تعزيز الدبلوماسية الشخصية، اعتقادا منهم بأنه على الرغم من أنها قد تبدو متعارضة مع مبدئه “أميركا أولا” الذي أثار غضب الكثيرين، إلا أنها خلقت صورا لحنكة دولة تعارض الاقتتال السياسي الذي يحدث بين الديمقراطيين ممن يريدون أن يحلوا محله. ولكن يسخر المنتقدون من هذه السياسة ويصفونها بـ”سياسة ترامب أولا”، وأنه يمكن لبعض الكلمات الرائعة أن تشتري صمت خصــوم ترامب.
وتعثرت المحادثات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية حول القضايا النووية وحتى على تسليم رفات الجنود الأميركيين الذين قتلوا في الحرب الكورية بعد فشل قمتهما الثانية في هانوي في فبراير الماضي.
ترانب تجنّب تكرار زياراته السابقة في القمم الدولية، بتبادل مفاوضات من أجل الثناء وتجنب القضايا الشائكة حتى مع أكثر الشخصيات العالمية إثارة للقلق
لكن ترامب حرص على تحسين الصورة التاريخية في المنطقة المنزوعة السلاح ورحّب بأنه أصبح أول رئيس للولايات المتحدة يتخطى الحدود إلى كوريا الشمالية، حيث يأمل في أن يساعد ذلك في بدء مفاوضات كان يعتقد ذات يوم أنها يمكن أن توفر له فرصة الفوز بجائزة نوبل للسلام.
ومثل لقاء ترامب مع كيم انتصارا دعائيا كبيرا للزعيم الكروي الشمالي، الذي حُرم كثيرا من الاعتراف به على المسرح الدولي، حيث أوضح ترامب أنه يعتبر كيم صديقا، مع أن كوريا الشمالية قد استأنفت بعض اختبارات الصواريخ الباليستية والتي قال عنها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إنها تنتهك عقوبات الأمم المتحدة.
وفي اجتماعه مع أردوغان، أثار ترامب مسألة شراء تركيا لصواريخ أرض – جو روسية الصنع، والتي حذرت إدارته من أنها ستهدد بيع المقاتلات من طراز أف-35 إلى الدولة حليف الناتو، لكن ترامب تعارض مع مسؤولين أميركيين آخرين ووجه لهجة متعاطفة، وألقى باللوم على أوباما لعدم الموافقة على بيع الصواريخ الأميركية الصنع، قائلا “إنها فوضى. وبصراحة، ليس خطأ أردوغان حقا”.
وقال إن تركيا لديها سجل حقوق إنسان غير لائق، لكنه أوضح أنه على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين الذين سيستغلون هذه اللحظة لوضع مثال على القيم الأميركية، فإن هذه الأزمة لن تردع علاقتهم. وقال مشيرا إلى أردوغان “إنه قاسي بعض الشيء، لكن علاقتنا جيدة”.