دبلوماسية الهاتف تبدد جزئيا التوتر بين الجزائر وفرنسا

الجزائر- عادت الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون كآلية تواصل بين الطرفين بدل الاستمرار في قطيعة صامتة، حيث تبادل الرجلان التهاني بمناسبة العام الجديد.
وتبادل الرئيسان الجزائري والفرنسي تصوراتهما بشأن علاقات بلديهما، وبحثا مسألة الزيارة المؤجلة للرئيس تبون إلى باريس منذ العام الماضي.
وتأكد أن الزيارة المذكورة تعتريها العديد من العراقيل، بحسب ما صرح به في وقت سابق وزير الخارجية أحمد عطاف، لمنصة “أثير” القطرية.
وكان الرئيس الجزائري قال في أعقاب تأجيل الزيارة إنها “لا زالت قائمة، ونتمنى أن تكون زيارة عمل وليس سياحة”.
ومرت العلاقات الجزائرية – الفرنسية، منذ العام 2019، بفترات فراغ لافتة، وصلت إلى حد القطيعة في بعض الأحيان، بسبب خلافات متسلسلة، على غرار ما حدث مع قضية الناشطة الفرنكوجزائرية المعارضة أميرة بوراوي مطلع العام الماضي.
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان لها:
ورغم الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي إلى الجزائر العام 2021، إلا أن فرص التطبيع بين البلدين ظلت ضئيلة، حيث لم تسمح الزيارة بتفتيت جبل الجليد، وبقيت دبلوماسية الهاتف الآلية الوحيدة لرأسي السلطة في البلدين، خاصة أنهما باتا يدركان أن النوايا لوحدها لا تكفي لبعث تقارب حقيقي.
وكان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف قد تطرق في تصريحه الأخير لمنصة “أثير” القطرية إلى وضعية علاقات بلاده مع فرنسا، وتطرق إلى وجود خمسة ملفات مشتركة وصفها بـ”الثقيلة ” تعرقل زيارة الدولة لرئيس الجمهورية إلى فرنسا.
ويرى متابعون للملف الجزائري – الفرنسي بأن الرئيسين تبون وماكرون واقعان تحت ضغوط داخلية لا يستطيعان التحلل منها بسهولة، ولذلك عجزا عن إعطاء دفع يترجم ما أبدياه في تصريحاتهما المتبادلة، فالأول يواجه صعود جناح مناوئ للتقارب مع باريس، خاصة داخل المؤسسة العسكرية، أما الثاني فيواجه بدوره صعود فورة اليمين المتطرف الذي يدفع بقوة للتضييق على علاقات فرنسا مع مستعمراتها القديمة وعلى رأسها الجزائر.
◙ الرئيسان الجزائري عبدالمجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون واقعان تحت ضغوط داخلية لا يستطيعان التحلل منها بسهولة
وأكد عطاف في تصريحه على أن “أسباب تأخر زيارة الرئيس تبون إلى باريس تدور في فلك ملفات الذاكرة، التنقل، التعاون الاقتصادي وكذلك مسألة التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر وإقرار التعويضات”.
واللافت في الملفات المذكورة أن العلاقات الاجتماعية والتاريخ والذاكرة لا زالا يطرحان نفسيهما بقوة عليها، ويقعان تحت تأثير التجاذبات السياسية الداخلية في فرنسا، وحتى حوار اللجنة المشتركة الذي جرى خلال الأسابيع الأخيرة لم يحقق الأغراض التي أنيطت بها.
ومع ذلك لفت وزير الخارجية الجزائري إلى أن التحضيرات للزيارة الرئاسية لا تزال قائمة بين مسؤولي البلدين، ولو أن الظروف المثالية لإقامتها لم تتوفر بعد”، الأمر الذي يحصرها خلال السداسي الأول من العام الجاري، أو يمكن إرجاؤها الى أبعد وقت، قياسا بأجندة الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
وتطرق المسؤول الجزائري إلى تفاصيل جديدة تبرز دورا فرنسا في عرقلة التقارب بين الطرفين، بما فيها تأجيل زيارة الرئيس تبون إلى باريس، وذكر بأن “فرنسا رفضت تسليم برنوس وسيف الأمير عبدالقادر للرئيس تبون الذي كان يعتزم زيارة قصر ‘أومبواز’ منفى مؤسس الدولة الجزائرية (1847 – 1852)، وأن الجانب الفرنسي تحجج بضرورة إرفاق الخطوة بتشريعات وإجراءات قانونية معقدة”.
وعلى صعيد الشراكة الاقتصادية كشف عطاف عن “رفض باريس استحداث صندوق استثمار بـ100 مليون دولار بين الجزائر وفرنسا التي قالت إنها ليست في حاجة إلى ذلك”.
كما سلّط الضوء على أبرز أوجه الاختلاف بين البلدين والمتمثل في ملف التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، ومسألة إقرار تعويضات عن جرائمها أيام الاستعمار، حيث أكد على أن بلاده متمسكة بافتكاك اعتراف رسمي من فرنسا يخص جرائمها النووية بالصحراء الجزائرية وإقرار تعويضات عن الأضرار الناجمة عنها، ولم نتوصل حد الساعة إلى اتفاق نهائي.
وكان الرئيس الفرنسي قد وجه رسالة إلى نظيره الجزائري نهاية شهر سبتمبر الماضي بواسطة سفيره الجديد ستيفان روماني، ضمنها مسألة الزيارة وفرص فتح صفحة جديدة بين البلدين.
وصرّح حينها السفير الفرنسي بأن “الجزائر وفرنسا تربطهما علاقة ذات كثافة متميزة، وأن السياق الحالي يدعو إلى تبني حوار تسوده الثقة بخصوص جميع التحديات الكبرى التي تؤثر على البيئة التي ينشط بها البلدان”.
وأضاف روماني “لقد أعلمت الرئيس تبون بالموقف الذي تتبناه فرنسا في علاقتها مع الجزائر، لاسيما وأن الأمر يتعلق بعلاقة ذات كثافة متميزة تجعل من فرنسا والجزائر مع بعضهما البعض، بحكم التاريخ والجغرافيا، كما أن المستقبل يفرض علينا العمل المشترك أيضا”.