"دبلوماسية الرهائن" وصفة إيرانية لابتزاز الغرب

طهران تعلن توقيف دبلوماسيين أجانب في توقيت غير محدد.
الجمعة 2022/07/08
رهائن ثمن سراحهم سياسي

عادت إيران إلى تنشيط سياسة الابتزاز للغرب عقب تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي. وتسعى طهران من خلال إعلانها الأربعاء عن احتجازها لدبلوماسيين غربيين لاستثمار ذلك في تحقيق مكاسب سياسية وأيضا في تبادل سجناء إيرانيين لدى الغرب.

طهران - أثار إعلان وسائل الإعلام الإيرانية الأربعاء توقيف دبلوماسيين أجانب في تاريخ لم يحدد، تساؤلات عدة بعدما نفت دول معنية أن يكون مواطنون لها معتقلين راهنا في إيران، إلا أن محللين يؤكدون أن “دبلوماسية الرهائن” ورقة إيرانية توظفها طهران لابتزاز الغرب.

وأكدت بولندا الخميس أن أحد علمائها معتقل في إيران منذ سبتمبر، لكن النمسا وبريطانيا أكدتا أن أيّا من دبلوماسييهما ليس موقوفا.

وتتزامن هذه التطورات مع استمرار التوتر بين إيران والقوى الغربية في ما يتصل بالجهود الهادفة إلى إحياء اتفاق 2015 الذي يحد من برنامج إيران النووي وإعلان اعتقال مواطنين غربيين في هذا البلد في الأسابيع الأخيرة.

والأربعاء تحدث التلفزيون الرسمي الإيراني ووكالة فارس للأنباء عن اعتقال الحرس الثوري لثلاثة دبلوماسيين بتهمة التجسس، لكن المصدرين لم يدليا بأي معلومات عن تاريخ حصول التوقيفات.

إيران تسعى عبر احتجازها لمواطنين غربيين كرهائن للحصول على تنازلات سياسية مقابل الإفراج عنهم

وبين الدبلوماسيين المعنيين، أشار التلفزيون إلى جيل ويتاكر مساعد السفير البريطاني في طهران.

وردا على ذلك، كتب سفير المملكة المتحدة في طهران سايمن شيركليف بسخرية في تغريدة “الأنباء عن اعتقال المسؤول الثاني في السفارة مثيرة جدا للاهتمام”.

وأكد السفير أن ويتاكر “غادر إيران في ديسمبر 2021 في ختام مهمته”.

وقبله، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن المعلومات عن “توقيف حالي” لأحد دبلوماسييها في إيران “عارية من الصحة تماما”.

وذكرت وكالة فارس أن الدبلوماسي “طرد من البلاد” بعد توقيفه. وعرض التلفزيون مقطعا مصورا غير مؤرخ يظهر رجلا قيل إنه ويتاكر لافتا إلى اعتقاله فيما كان يلتقط “صورا في منطقة محظورة كانت تشهد تدريبا عسكريا” في صحراء شهداد في محافظة كرمان بجنوب شرق البلاد.

وأكدت فارس أن “دبلوماسيي السفارات الأجنبية الموقوفين كانوا يتجسسون في إيران”.

وكذلك، بث التلفزيون الرسمي صورا لرجل آخر تم توقيفه ذكر أنه “ماتسي فالشاك رئيس دائرة الميكروبيولوجيا في جامعة نيكولاس – كوبرنيك” في وسط بولندا. وأضاف أن “هذه الجامعة مرتبطة بالنظام الصهيوني” في إشارة إلى إسرائيل.

لكن المتحدث باسم الجامعة المذكورة في تورون قال إنها “مسألة قديمة”، لافتا إلى أن فالشاك الباحث البولندي أوقف في إيران في سبتمبر.

وقال التلفزيون الإيراني إنه “توجه إلى منطقة شهداد الصحراوية كسائح فيما كانت تشهد تجارب صاروخية. وقد أخذ منها عينات من صخور”.

وتحدث التلفزيون أيضا عن “توقيف شخص آخر هو رونالد غيشير، زوج المستشارة الثقافية في سفارة النمسا”، بتهمة “تصوير منطقة عسكرية في طهران”.

وفي فيينا أكدت الخارجية النمساوية أن “جميع الموظفين وعائلاتهم في طهران هم بخير ولم يتم توقيف أحد”.

ويرى خبراء أن السؤال الأساسي المطروح يتصل بتاريخ التوقيف الذي يبدو أنه لم يحصل في الآونة الأخيرة.

وتعتقل إيران أكثر من اثني عشر مواطنا غربيا، معظمهم من حاملي الجنسيتين. ويعتقد أنها تسعى للحصول على تنازلات من الغرب مقابل الإفراج عنهم.

وفي مارس الماضي تم الإفراج عن إيرانيتين بريطانيتين هما نزانين زغاري راتكليف وأنوشه اشوري بعدما حكم عليهما بالسجن في اتهامات واظبتا على نفيها.

وفي موازاة عملية الإفراج هذه، أعلنت لندن أنها سددت لطهران دينا قديما بقيمة 394 مليون جنيه إسترليني (470 مليون يورو) من دون أن تقيم صلة بين القضيتين.

الرهائن الأجانب ورقة إيرانية لابتزاز الغرب
الرهائن الأجانب ورقة إيرانية لابتزاز الغرب

وبدأت مفاوضات قبل أكثر من عام بين طهران والقوى الغربية في محاولة لإحياء الاتفاق الدولي حول برنامجها النووي والذي وقع العام 2015. لكن هذه المباحثات معطلة منذ مارس.

وردت طهران على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وإعادة العمل بالعقوبات الأميركية بحقها عبر العودة تدريجيا عن التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق.

وتواجه الحكومات الغربية معضلة بشأن كيفية تأمين الإفراج عن رعاياها أو حاملي الجنسية المزدوجة الموقوفين في إيران.

ويقول ناشطون إن هذا التكتيك قد ترسخ في الفكر السياسي للجمهورية الإسلامية منذ إنشائها تقريبا، بعد عملية احتجاز الموظفين كرهائن في السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوما من نوفمبر 1979 حتى يناير 1981.

واحتجزت إيران في السنوات الماضية أجانب وأشخاصا مزدوجي الجنسية بشكل متكرر، ولم يطلق سراح السجناء إلا بعد أشهر وأحيانا سنوات من المفاوضات الصعبة. وتزايد القلق حول هذا التكتيك مؤخرا مع الإفراج عن الباحثة الأسترالية البريطانية كايلي مور - غيلبرت التي أُطلق سراحها في إطار ما بدا أنه عملية تبادل شملت ثلاثة إيرانيين كانوا محكومين في قضية مخطط تفجير في تايلاند عام 2012 كانت إسرائيل ربطته بهجمات ضد مصالحها.

وشملت عمليات الإفراج الأخيرة البارزة عن سجناء أجانب في إيران، الأميركيين شيوي وانغ في ديسمبر 2019 ومايكل وايت في مارس 2020، والفرنسي رولان مارشال في مارس أيضا، وكلها ترافقت مع الإفراج عن إيرانيين كانوا موقوفين في الخارج بتهم مخالفة العقوبات.

الحكومات الغربية تواجه معضلة بشأن كيفية تأمين الإفراج عن رعاياها أو حاملي الجنسية المزدوجة الموقوفين في إيران

وطيلة العقود الماضية، ظل ملف المعتقلين لاسيما الأجانب منهم حاضرا على طاولة المساومة بين طهران والغرب. ويشير مراقبون إلى أن تصدره الأولويات تصاعد بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة “5+1” في العام 2015، واحتدمت جولاته بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في الثامن من مايو 2018، فقد صعدت إيران من سياسات الاعتقالات لمواطنين غربيين تحت تهم “التجسس والإضرار بالأمن القومي للبلاد والتآمر مع دول أجنبية”، وهي التهم التي يراها المعنيون سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي بأنها “من دون أساس”.

وتستند الحكومة الإيرانية في ملاحقتها لـ”الأجانب المشتبه فيهم” على أراضيها إلى المادة 508 من قانون “العقوبات الإسلامية” الإيراني، التي تنص على أن “أي شخص أو مجموعة تتعاون بأي شكل من الأشكال مع الدول الأجنبية المتخاصمة سيُحكم عليه بالسجن من سنة إلى عشر سنوات إذا لم تثبت تهمة الحرية بحقهم”، وفي حال ثبوت هذه التهمة، قد يتعرض المدان للإعدام.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه أرقام رسمية بشأن عدد هؤلاء المعتقلين الأجانب في السجون الإيرانية، تحصي تقارير صحافية وإعلامية غربية وإيرانية عددهم بالعشرات، فيما تقول أصوات إيرانية معارضة إنها تتجاوز المئات.

ويقول فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، إن عمليات الاعتقال والاحتجاز في العديد من هذه الحالات في إيران كانت تعسفية، وأن السلطات استهدفت هؤلاء الأشخاص على أساس “أصلهم القومي أو الاجتماعي” بوصفهم مواطنين مزدوجي الجنسية أو أجانب. كما أشار إلى وجود نمط ناشئ لاحتجاز إيران لمواطنين مزدوجي الجنسية، موضحا أن احتجاز هؤلاء الأفراد يتسم بانتهاكات خطيرة في الإجراءات القانونية.

5