"داون تاون".. سرد درامي لصراعات القاع اللبناني

مسلسل "داون تاون" يتناول مجموعة من القضايا الإنسانية والاجتماعية بجرعة عالية من التشويق والإثارة دون أن تغيب عنه الرومانسية المعتادة في الدراما اللبنانية.
السبت 2021/06/26
حب مشوب بالريبة والخوف

بيروت- بعد خروج مسلسل “داون تاون” من السباق الرمضاني الأخير قبل أيام قليلة من بدء الموسم، لاعتبارات صحية ناتجة عن إصابة عدد من الممثلين والممثلات والعاملين فيه بفايروس كورونا، ممّا أدّى إلى ضغط كبير في التنفيذ ووقف التصوير، تمكّنت منصة “جوّي” الإلكترونية أخيرا من عرض العمل الذي يشارك في بطولته عدد من نجوم سوريا ولبنان منهم: سامر إسماعيل وعبدالمنعم عمايري وهبة نور وستيفاني صليبا وكارمن لبس وسارة أبي كنعان ومحمد عقيل وجنيد زين الدين ونور علي وميا سعيد، إلى جانب الفنانة الجزائرية أمل بوشوشة، عن فكرة لكلود أبوحيدر وسيناريو وحوار محمود إدريس وإخراج السوري زهير قنوع.

و“داون تاون” الذي صوّر في بيروت يدور حول صراعات الخير والشر، وكيف يتحوّل الإنسان إلى شخص انتهازي وشرير تلبية لأطماعه وغرائزه، كما يتناول العمل مجموعة من القضايا الإنسانية والاجتماعية بجرعة عالية من التشويق والإثارة دون أن تغيب عنه الرومانسية المعتادة في الدراما اللبنانية.

زهير قنوع: تفكيك العنف بالنقد والتحليل أرقى ما يمكن أن تتناوله الدراما

ويشير العنوان “داون تاون” إلى منطقة وسط بيروت التجاري، حيث تدور قصة العمل التي تتخلّلها الكثير من مشاهد الأكشن والعنف والجريمة.

وتنطلق أحداث المسلسل المتكوّن من ثلاثين حلقة، حين تصطدم سيارة نوح (سامر إسماعيل) بسيارة أخرى تستقلها فتاة شابة مع عائلتها أثناء هروبه من رجال “الريس عادل” زعيم العصابة الخطيرة التي تلاحقه وتريد قتله، ومن ثمة يأتي رجال “الريس” إلى الحارة التي يقطن فيها نوح ويتوّعدون أهلها بحثا عنه، فيختار التضحية بنفسه حتى لا يتأذّى أهل الحي بعد أن يُجبرهم على الرحيل لفترة وجيزة، مقرّرا الذهاب للقاء الريس.

وفي الأثناء يلتقي نوح بتمارا (ستيفاني صليبا) الفتاة التي صدم سيارتها من قبل وتوفي والديها أثناء الحادث، فيغازلها وتنطلق شعلة الحب في قلبيهما.

وأتقن إسماعيل أداء دور نوح، الشاب المقاتل، الذي تخلّى عن عالم الجريمة ليعود إلى حياته الطبيعية، إلاّ أنه يواجه حدثا عائليا، يُعيده للقتال ويقوده إلى الانتقام الذي يمتد طوال أحداث العمل، فيعيش العنف على جميع مستوياته، لكن علاقته بتمارا تلطّف من أجواء العنف الذي بداخله.

وعن شخصية نوح التي جسّدها يقول الفنان السوري “الشخصية لا تشبهني لا من قريب ولا من بعيد، الأمر الذي استدعى مني الاشتغال عليها لفترة طويلة قبل تجسيدها أمام الكاميرا، خاصة وأنها شخصية عدائية ومقاتلة لا تتورّع عن دخول مغامرات محفوفة بالمخاطر في مشاهد قاسية أساسها الحركة”.

وخلافا لما يراه بعض النقاد من أن العمل يحرّض بشكل مباشر على العنف والجريمة، نفى إسماعيل هذا التوجّه، قائلا “لم نتقصّد أبدا التشجيع على العنف، إنما حاولنا معالجة تلك الظاهرة وتأثيراتها السلبية على حياة الأفراد”، مختصرا المسلسل في جملة “إنه الوجه الآخر لمدينة بيروت المثقلة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ممّا انعكس سلبا على أهلها”.

وهو ما يتّفق فيه معه مخرج العمل زهير قنوع الذي قال “إن الموضوع الذي يعالجه المسلسل مهم جدا، حياتنا باتت مليئة بالعنف إلى درجة غير مقبولة، والحديث عن العنف بتفكيك شفراته بالنقد والتحليل أرقى ما يمكن أن نعرضه على الشاشة الصغيرة”.

ويسترسل “العنف ازداد في العالم ككل، بدءا من العنف النفسي والأسري والجسدي، وصولا إلى العنف ضد الشعوب، والعنف يتمدّد إلى تفجير مرفأ بيروت، والناس الذين يعيشون في لبنان وسوريا باتوا غير قادرين على تحصيل قوتهم اليومي”.

المسلسل تدور أحداثه في قاع مدينة بيروت، مجسدا تحولات البطل نوح من خير مطلق إلى شر مطبق على كل خصومه ومعارضيه

وعن شخصية تمارا قالت الفنانة اللبنانية ستيفاني صليبا إنها “تشبه العديد من النساء الموجودات في عالمنا العربي، فهي تعيش بشغف وسط تقلبات في حياتها العاطفية، محاولة تخطي آلامها، علّها تستطيع العفو عمّن دمّر حياتها”.

وأطلت صليبا في العمل بدور مليء بالطاقة الإيجابية، فتمارا ورغم تسبّب نوح في قتل والديها على وجه الخطأ أحبته بإخلاص وصدق وهي التي تتمتّع بالكثير من السماحة والغفران. صفات قالت عنها الفنانة “باتت اليوم أكثر من ضرورية في زمن يطغى عليه العنف والذاتية، وهي التي تعدّل كفة الميزان كي تستمرّ الحياة”.

ومن بين الأدوار البارزة في المسلسل تظهر الممثلة الجزائرية أمل بوشوشة في دور “جولي”، وهي شخصية متناقضة تجمع بين الحب والكره، حوّلتها ظروف حياتها القاسية التي تعرّضت لها وهي يافعة إلى امرأة صارمة حدّ القسوة تجاه من حولها، لكن الأقدار ستجعلها مع تتابع الحلقات في مواجهة مباشرة مع أخطاء الماضي، الأمر الذي سيقلب حياتها رأسا على عقب.

كما يظهر الممثل محمد عقيل في دور “ديمتري” الرجل العنيف والمتحكّم في قاع المدينة بإدارته لأعمال مشبوهة، وهي شخصية مركّبة تجمع بين القسوة واللين لم يسبق أن قدّمها الفنان اللبناني من قبل.

والعمل المنتج من شركة “فالكون فيلمز” أتت شارته الموسيقية بصوت الفنان اللبناني وائل كفوري تحت عنوان “كلنا مننجر” من كلمات الشاعر علي المولى وألحان رامي شلهوب وتوزيع موسيقي لجمال ياسين ومن إنتاج حمدي بدر، وهو التتر الغنائي الأول لكفوري رغم مشواره الفني الطويل.

 وتصدّر تتر المسلسل بعد ساعات على طرحه قائمة الأغاني الأكثر استماعا على يوتيوب، الأمر الذي أسعد الفنان اللبناني الذي قال “ربما تأخرت كثيرا في خوض تجربة غناء شارات الأعمال الدرامية، لكن نجاح ‘كلنا مننجر’ عوّضني هذا التأخير”.

15