داعش يلتقط أنفاسه بإعلان خليفة جديد للتنظيم

سقطت فرضية تواري داعش أو تراجعه إلى الخلف بعد مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، بعدما أعلن التنظيم في تسجيل صوتي بثه موقع “الفرقان”، الخميس، تعيين أبي إبراهيم الهاشمي القرشي قائدا للتنظيم خلفا للبغدادي وأبي حمزة القرشي متحدثا باسمه. وبذلك استبعدت جل الأسماء التي كانت مرشحة لتولي قيادة التنظيم على غرار؛ حجي ناصر أو معتز الجبوري أو أبوالحسن المهاجر، ما ينذر بانشقاقات صلب التنظيم المتهاوي بعد الحفاظ على قاعدة “النسب القرشي” في تعيين الزعيم الجديد، الذي يرفضه شق كبير من قيادات التنظيم.
واشنطن- يأتي إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن اسم زعيمه الجديد إبراهيم الهاشمي القرشي، ليؤكد صحة الرواية الأميركية بشأن مقتل أبي بكر البغدادي، على الرغم من إحجام التنظيم عن إصدار بيان نعي، كما هو معتاد مع باقي قيادات التنظيم الذين قتلوا في وقت سابق.
ويعود إحجام تنظيم الدولة الإسلامية عن نعي زعيمه عقب مقتله إلى الصدمة التي لحقت بعناصره جراء العملية ، فالبغدادي يمثل أكبر رأس في دولة الخلافة المزعومة، إضافة إلى الهالة والقداسة اللتين أضافهما على شخصيته طيلة السنوات الماضية، وأنه خليفة الزمان، وأنه مؤيد من السماء، وأن دعوته لإقامة دولة الخلافة تكليف رباني.
ومرّ التنظيم قبل إعلان الخليفة الجديد بحالة من الانشقاق والصراع حول اختيار من يخلف البغدادي، الذي كان يمثل محور ارتكاز التنظيم وقرارته، وذلك من بين 7 قيادات ينتمون إلى مجموعة “القرشيين”، الذين ترتكز قيادة التنظيم في يديهم، وفي مقدمتهم أبوعمر قرداش.
ويعتبر داعش قاعدة النسب، قاعدة أصولية تحدد ضوابط اختيار من يصفه بـ”أمير المؤمنين”؛ لذا يقصر مجلس شورى التنظيم، وهو المسؤول عن اختيار “الزعيم”، اختياراته على المجموعة القرشية داخل التنظيم. إضافة إلى الانشغال بالحصول على “بيعة” الخليفة الجديد من قيادات الفروع والولايات والخلايا الكامنة في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، قبل الإعلان الرسمي عن عملية اختيار خليفة البغدادي.
ومع انهيار التنظيم نفسيا بعد مقتل زعيمه، لا يستبعد مراقبون احتمالية التجهيز لمجموعة من العمليات المسلحة التي تستهدف نقاطا متعددة ضد المصالح العربية والغربية في سوريا والعراق، تحت مسمى “غزوة الثأر لمقتل الخليفة أبي بكر البغدادي”، وهو ما يضع التحركات الأميركية في المنطقة تحت أعين المقاتلين. وفي ضوء النفوذ الأميركي المنهار في الشرق الأوسط، لاسيما لدى الحلفاء الأكراد، تسعد الولايات المتحدة بأنها قتلت البغدادي في هذا التوقيت بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصف مقتل زعيم تنظيم داعش بـ”النصر العظيم”، قام بدعوة ” الكلب” المصاب في عملية التصفية إلى البيت الأبيض.
ومقتل البغدادي هذا الأسبوع لن يكون نهاية للدولة الإسلامية ولا للجهود العسكرية الأميركية لمكافحة التشدد الإسلامي في الشرق الأوسط وخارجه، غير أنه قد يؤذن بنهاية عصر على الإرهاب والدخول في عصر آخر لا يمكن التنبؤ بحدوده وتداعياته.
وتعرف واشنطن جيدا أن مقتل البغدادي لا يعني نهاية التنظيم حينما سارعت، الأربعاء، على لسان مسؤول كبير بالقول إن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك عددا كافيا من القادة لاختيار قائد جديد له خلال 15 يوما.
وقال روس ترافيرس، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب بالنيابة، الذي كان يتحدث أمام لجنة برلمانية متخصصة بالقضايا الأمنية، “أتصور أنه خلال فترة تمتد بين يومين وأسبوعين، سيتم إعلان زعيم جديد للتنظيم الجهادي.
وأضاف رئيس الجهاز، الذي يشرف على مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، أن الزعيم الجديد للتنظيم يمكن أن يقود حوالى 14 ألف مقاتل موزعين في سوريا والعراق، وقد يتقرب من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
ومن جهته، أكد الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزية الأميركية في حديث للصحافيين في مقر وزارة الدفاع، أنه على الرغم من مقتل البغدادي ما زال تنظيم الدولة الإسلامية “خطيرا”. وأضاف “ليست لدينا أوهام بأنه سيزول لمجرد أننا قتلنا البغدادي بل سيبقى”.
وحذر زعماء العالم وخبراء في مجال الأمن من أن الدولة الإسلامية، التي نفذت أعمالا وحشية ضد الأقليات الدينية وروعت معظم المسلمين لا تزال تمثل تهديدا أمنيا في سوريا، وما هو أبعد منها حتى بعد مقتل زعيمها.
وتحركت القوات الأميركية سريعا وأعادت تموضعها في سوريا بعد مقتل البغدادي لتأمين الحقول النفطية في سوريا، وضمان عدم وصول مقاتلي التنظيم إليهم. وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، الاثنين، إن الولايات المتحدة ستواصل التحرك لتأمين القوات، إلى أن تطمئن بأن تنظيم داعش لا يستطيع الوصول إليهم.
ويستبعد مراقبون حدوث تغيير كبير بعد مقتل البغدادي، مشيرين إلى أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لم ينه مقتله التنظيم الذي ما زال موجودا، ويؤكد هؤلاء أن أيديولوجيا التنظيم مازالت بعيدة عن الهزيمة.
ويؤكد خبراء عسكريون أن مقتل البغدادي لا شك يوجه صفعة قوية للتنظيم، لكن تلك الجماعة المتشددة، التي نشأت من فلول تنظيم القاعدة في العراق، لديها طموحات لإعادة تجديد نفسها مرة أخرى. وحذروا من أن “داعش لا يزال يشكل تهديدا خطيرا في العراق وأفغانستان وسوريا وخارجها”.
ويقول الدكتور عبدالعزيز أغنية، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، إن التنظيمات المتطرفة، وخاصة الدينية منها، “لا تتأثر كثيرا، للأسف، بفقدان زعمائها. هي تصاب بنوع من الخيبة لوقت معين لكن ما تلبث أن تعيد ترتيب أوراقها وتركيب نفسها من جديد وبشكل سريع جدا”.
ويعطي الخبير الليبي مثالا ملموسا عن ذلك بتنظيم القاعدة، قائلا “رأينا كيف أن تنظيم القاعدة لم ينته بوفاة أسامة بن لادن ومازالت خلاياه نشيطة في أكثر من منطقة، منها ليبيا واليمن وغيرها”.
داعش مر قبل إعلان الخليفة الجديد بحالة من الانشقاق والصراع حول اختيار من يخلف البغدادي
لكن المحلل السياسي غيدو شتاينبيرغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، يرى تأثيرا لمقتل البغدادي على التنظيم “فقد كان شخصا مهما جدا لداعش. قاد التنظيم منذ 2010، وعندما كان على رأسه كان لديه أقل من ألف مقاتل. بعد أربع سنوات أسس ما يشبه دولة في العراق وسوريا”.
وبالتالي “سيكون من الصعب إيجاد بديل للبغدادي في الشهور أو السنوات المقبلة، يكون بحجم تحمسه أيديولوجيا وتنظيمه وعنفه… التنظيم سيضعف، لكنه مازال ليس فقط في العراق وسوريا بل في كل أنحاء العالم الإسلامي”.
ويرى شتاينبيرغ أن الإدارة الأميركية الحالية ملتزمة بمحاربة الإرهاب، “لكنها ملتزمة أيضا بالانسحاب ليس فقط من سوريا بل من المنطقة ككل، من أجل إعادة توجيه نفوذها في اتجاه آسيا. وهذا سيعني، طبعا، إضعاف الحرب على الإرهاب”.
وفي ما يتعلق بمستقبل تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا تحديدا على ضوء هذه السياسة، يقول شتاينبيرغ “من الواضح أن الأسد كسب الحرب الأهلية في سوريا، ولكنه يحتاج إلى المزيد من الوقت لبسط سيطرته فعليا على كل مناطق البلاد، لذا أعتقد أن الحرب ستمتد لسنوات إضافية أخرى، وسيبقى تنظيم “الدولة الإسلامية“ فاعلا في هذه الحرب”.
ويؤكد متابعون أن تصفية البغدادي تشكل نقلة نوعية في الحرب على الإرهاب، وخاصة ضد تنظيم داعش الإرهابي، لكنها لا تعني نهاية التنظيم الذي تشكل في العراق وسوريا.