داعش يبتلع غرب أفريقيا والساحل أمام عجز دولي عن تحجيمه

أبوجا (نيجيريا) – تصاعدت وتيرة التحذيرات الدولية من خطر تمدد داعش في غرب أفريقيا ودول الساحل، وسط عجز القوى المحلية والغربية عن تحجيمه.
وأعلن داعش الاثنين عن مقتل زعيم جماعة بوكو حرام أبي بكر شكوي خلال معركة مع تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، وذلك في تسجيل صوتي تم بثه بعد أسبوعين على ورود معلومات أولية تفيد بمقتل شكوي.
وكان التنظيم باشر قبل أسبوعين عملية في مناطق تسيطر عليها بوكو حرام في غابة سامبيسا وطوّق مقاتلوه منزل زعيمها التاريخي.
وقال متحدث باللغة الكانورية يشبه صوته صوت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا أبي مصعب البرناوي في التسجيل، "فضّل شكوي أن يهان في الآخرة على أن يهان في الأرض. لقد قتل نفسه بتفجير عبوة ناسفة".
وأوضح تنظيم الدولة الإسلامية في التسجيل أنه أرسل مقاتلين إلى جيب بوكو حرام في غابة سامبيسا، فعثروا على شكوي داخل منزله واشتبكوا معه في معركة بالأسلحة النارية.
وقال المتحدث إن شكوي "تراجع من هناك وفر إلى الغابة لمدة خمسة أيام، لكن المقاتلين واصلوا البحث عنه وتعقّبوه إلى أن تمكنوا من تحديد مكانه، وبعد العثور عليه في الغابة أمره مقاتلو التنظيم بالتوبة مع أتباعه، لكن شكوي رفض وقتل نفسه".
ويحذر مراقبون من أن هدف داعش الذي يعمل على تحقيقه منذ حط رحاله في الغرب الأفريقي بات في متناوله للمرة الأولى.
وكان خبراء ومحللون أعربوا في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مخاوفهم بشأن عدم قدرة الدول الغربية وحلفائها المحليين على القضاء على خطر الجماعات الإرهابية في دول منطقة الساحل الأفريقية، وذلك بعد "المجزرة الدموية" التي اقترفتها جماعات متطرفة بحق قرويين في بوركينا فاسو، وذهب ضحيتها ما لا يقل عن 130 شخصا.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن ذلك "الاعتداء البشع" يوضح مدى "الحاجة الملحة إلى ضرورة مضاعفة الجهود الدولية في دعم الدول الأعضاء بالمنظمة، للقضاء على الإرهاب فيها".
ونددت وزارة الخارجية الأميركية بالهجوم، مؤكدة أنها "تقف إلى جانب شركاء الولايات المتحدة ببوركينا فاسو في مكافحة الإرهاب العنيف".
ويسعى التنظيم الجهادي إلى الربط بين مناطق نفوذه وإحكام سيطرته على جغرافيا شاسعة متصلة تتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية قصوى تتمثل في منطقة الساحل الأفريقي، مع وجود مناطق حدود طولية مشتركة بين كل من نيجيريا وتشاد ومالي وليبيا، علاوة على بوركينا فاسو.
وتزايدت حدة الخصومة بين التنظيم وحركة بوكو حرام الإسلامية في نيجيريا منذ سنوات عدة، وساهمت في إضعاف الطرفين، لكن يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية غرب أفريقيا الذي صار الجماعة المهيمنة، يسيطر بوضوح وبشكل واسع على المنطقة.
اقرأ أيضا:
ومنذ العام 2016 انقسمت جماعة بوكو حرام إلى قسمين، من جهة الفصيل التاريخي بقيادة أبي بكر شكوي الذي يسيطر على المنطقة المحيطة بغابة سامبيسا، ومن جهة أخرى تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا المعترف به من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، والذي بات يهيمن في شمال شرق نيجيريا حيث يشن هجمات واسعة النطاق على الجيش النيجيري.
ويؤاخذ التنظيم على بوكو حرام تنفيذ هجمات تسفر عن مقتل مدنيين مسلمين.
وخلافا لجماعة بوكو حرام التي لا تتردد في قتل المدنيين الذين لا ينخرطون في صفوفها بشن هجمات أو ارتكاب مجازر فظيعة، يفضل تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية غرب أفريقيا كسب ثقة أبناء المنطقة وضمان موارد مالية بشكل منظم.
ويبدي المحللون قلقهم حيال تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، الذي يبدو على وشك استيعاب مقاتلي بوكو حرام والسيطرة على معاقل الحركة السابقة، إذ يعني ذلك أنه بات يسيطر على منطقة أوسع وأن لديه عددا أكبر من المقاتلين والمزيد من الأسلحة. كما أن المعارك بين بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية كانت تصب في صالح الجيش النيجيري.
ورأت "بيكافي كونسالتينغ"، شركة تقييم المخاطر المتخصصة في شؤون أفريقيا، في مذكرة أنه "إذا أقنع تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا قوات شكوي بالانضمام إليه، فسوف يسيطر على غالبية القوى المعادية، كما سيكون له حضور في القسم الأكبر من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في شمال شرق البلاد".
لكن سيتحتم على الأرجح على تنظيم الدولة الإسلامية أن يقنع أو يقاتل فصائل أخرى من بوكو حرام موالية لشكوي لا تزال تسيطر على معاقل بارزة، ولاسيما على جانبي الحدود مع الكاميرون في غووزا وبولكا، فضلا عن جبال ماندارا وحتى في النيجر.
وأوضح مصدر أمني "الأمر قد لا يكون حُسم، سيتحتم على تنظيم الدولة الإسلامية إرضاخ هذه المجموعات أو إقناعها بالانضمام إليه لتوطيد سيطرته بشكل تام".
ومنذ 2019 انسحب الجيش النيجيري من عدد من القرى والقواعد ذات أهمية محدودة وتحصن في "معسكرات معززة"، وفق استراتيجية تواجه انتقادات، إذ تسمح للجهاديين بالتنقل بحرية في المناطق الريفية.
وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على غابة سامبيسا، وجه رسائل إلى سكان منطقة بحيرة تشاد في المنطقة الحدودية بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، مرحبا بهم في أرض "الخلافة" التي أعلنها، على ما أوضح سالاو أرزيكا، الصياد في بلدة باغا على ضفاف البحيرة.
وطرد تنظيم الدولة سكان جزر بحيرة تشاد لاتهامهم بالتجسس عليه لحساب الجيش. وأوضح سالاو أرزيكا أن البرناوي سمح لهم بالعودة لصيد السمك بعد دفع خوّات، مؤكدا لهم أنه لن يلحق بهم أي أذى.
وقد أفاد نشطاء محليون بأن ما بات يعرف باسم "تنظيم داعش في الصحراء الكبرى" أضحى معروفا بارتكاب مذابح بشعة بحق سكان القرى التي ترفض التعهد بالولاء له.
وقال مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في دولة النيجر المجاورة، إن عبدالحكيم الصحراوي، أحد القادة الإقليميين في داعش بات مشهورا بلقب "الجزار"، لأنه اعتاد أن يقطع رؤوس الزعماء المحليين بيديه.
ويشهد شمال شرق نيجيريا تمردا منذ أكثر من 10 سنوات، بدأ بهجمات شنتها جماعة بوكو حرام في 2009، وأسفر عن سقوط أكثر من 40 ألف قتيل ونزوح مليوني شخص.
وترى فيرجيني بوديس، الخبيرة في شؤون منطقة الساحل في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن الحكومات الأفريقية المحلية والمدعومة من قبل قوات تحالف دولي، باتت غير قادرة على حماية السكان المدنيين، في ظل تطور الأساليب الخبيثة للجماعات الإرهابية.