داعش.. الغائب عن السينما والتلفزيون العربي

بون (ألمانيا) – لا تبدو السينما ودراما وبرامج التلفزيون مهتمة بأرتال المدرعات والسيارات رباعية الدفع والدبابات وأسراب الطائرات والمخططات الدولية وملايين المشردين وألوف القتلى وتريليونات الدولارات والحدود المتساقطة والدول المنهارة والنسيج السياسي والاجتماعي المتآكل في عموم المنطقة والذي يسير جنبا إلى جنب مع معارك تارة تسمّى على الإرهاب وطورا على الفئة الضالة وحينا على القوى الظلامية. السينما والتلفزيون تدور في أفلاك نفسها وتتحرك في دائرة همومها وأفراحها التي لا يهتم لها أحد.
وفيما تستعر حرب الأشباح التي تغذّيها خرائب المدن، وعصابات الظلام المرتدية جلابيب الدين والصلاح، تتهاوى أنظمة وتتساقط دول ويقتل المسلحون الوافدون من كل مكان بعضهم ويبيدون الشعوب تحت شعارات الحروب الإسلامية والتكفير والردة والنهضة الإسلامية والصحوة الإسلامية وعصائب الحق وسرايا السلام وجيوش الصالحين، تبقى الدراما التلفزيونية حائرة بقصص الحواري القديمة، بنوستالجيا فاقعة إلى زمن مسترخٍ يحكمه نبلاء العصر العثماني، وبموظفي الدواوين والوزارات الخديوية، وقصص العشق المسروقة من مناخات تركيا، وأساطير التاريخ التي لا يعرف صحتها أحد، وقصص الراقصات والمغنيات والغانيات، التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي بالخيالي، وقصص الحب الجامعي المرتبك المنتمي إلى زمن مضى وغيبه صراع القومية والإسلام السياسي.
لكن الناقد السينمائي السوري محمد عبيدو في حديثه لـ”العرب” اعترض على تعميمنا الحديث، رافضا الإقرار بتخلف السينما والتلفزيون عن اللحاق بركب الحروب الرسمية والشعبية المعلنة على التنظيمات الإرهابية ومستشهدا بأمثلة من تونس “ما نموتش” للنّوري بوزيد ضد الإرهاب والسلفية، و”على حلة عيني” لليلى بوزيد، إضافة إلى الفيلم المغربي “يا خيل الله” لنبيل عيوش، لكنه عاد ليؤكد أصل المشكلة هو أن “التلفزة مملوكة لمن يموّل داعش أو لمن يستفيد من وجودها. المشكل ليس فقط في الفن بل في الحياة”.
ومضى إلى القول “لكننا مع ذلك نفتقر للأفلام ذات البعد النقدي الساخر والأليم في التقاطها لتفاصيل الواقع ببلداننا وتعريتها وتوثيقها للبؤس الكامن فيه عبر مقترحات بصرية وجمالية جديدة على السينما العربية”.
محمد عبيدو: نفتقر للأفلام ذات البعد النقدي الساخر والأليم في التقاطها لتفاصيل الواقع ببلداننا وتعريتها وتوثيقها للبؤس الكامن فيه عبر مقترحات بصرية وجمالية
السينما المصرية
السينما المصرية أنتجت فيلم “الإرهابي” وهو من أهم الأفلام التي تناولت قضية الإرهاب والتطرف. من تأليف السيناريست لينين الرملي، وتدور أحداثه حول شاب ينضم لإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة ويصاب فيكتشف أنه كان مضللا ضائعا ويموت دفاعا عن ضحايا الإرهاب. تلاه فيلم الكاتب الكبير وحيد حامد “الإرهاب والكباب” الذي أنتج عام 1992 .
ثم أعقبه فيلم “دم الغزال”، الذي ألف قصته الكاتب وحيد حامد، وتأّلق فيه الراحل نور الشريف، ويعدّ من الأفلام التي أوغلت في سيكولوجية إنسان كان محسوبا على الأشقياء واستغلته بضع جماعات إسلامية متطرفة، فاستقطبوا قوته واهتمامه ونصبوه أميرا للجماعة في المنطقة العشوائية التي يعيش فيها، ليختلط بذلك همه الشخصي بالهم العام للجماعة.
كما عُد فيلم عمارة يعقوبيان (2006) من أهم الأفلام التي تصدت لمواضيع وعرة عديدة من أهمها الإرهاب وظروفه وأبطاله وضحاياه، وهو مأخوذ عن رواية للكاتب علاء الأسواني تحمل الاسم نفسه، وقام بكتابة سيناريو وحوار الفيلم الكاتب وحيد حامد.
أما المسلسلات والدراما التلفزيونية فبقيت غائبة عن هذا الميدان، وحول هذا الموضوع تحدثت الناقدة السينمائية المصرية ماجدة خيرالله إلى “العرب” مؤكدة “أرى أن السلطة السياسية غير جادة في تناول هذا الموضوع، لأن الأفلام والمسلسلات تمرّ على الرقابة في مصر، بما يعني أنها يجب أن تكون قريبة من نَفَس السلطة، وإذا كانت السلطة فعلا جادة في محاربة هذا الفكر، فإنها يجب تسمح بصناعة أفلام ومسلسلات تكشف الفكر وتعرّي معتنقيه والداعين له بالعنف، لكنها تعلن أنها تحارب تنظيم داعش وأمثاله، بالسلاح والقوة وهي في الحقيقة تقف موقف المتفرج ولا أريد أن أقول الداعم لهذا الفكر الذي بات عندنا غير محتمل. ولا توجد شركة إنتاج أو منتج مستعد لعمل فيلم أو مسلسل ليواجه بالرفض أو بالمنع بعد إنتاجه، ويتحمل المنتج الخسائر! وعلى حد علمي قُدمت عدة مسلسلات بهذا الاتجاه إلى ما يسمى بمدينة الإنتاج الإعلامي وقد جرى رفضها ولم تمنح رخصة الإنتاج”.
|
الدراما السورية
سوريا تخوض حربا يدافع فيها النظام عن نفسه بشراسة، وهي حرب مزقت نسيج البلد الاجتماعي، بعد أن قضى نظام البعث على أيّ مناخ سياسي صحي يمكن أن يصلح الأوضاع، لكن صناعة الدراما التلفزيونية في هذا البلد، أنتجت مطلع الألفية الثالثة بضع مسلسلات أريد لها أن تتصدى لثيمة الإرهاب، لكن تمسك بشار الأسد بالسلطة ووضعه مصالحه الخاصة وأمنه الشخصي أمام مصلحة البلد وأمنه، أفقدت المواد المنتجة صفة الإبداع الفني المجرد من الغرض السياسي، وباتت تلك الأعمال في الغالب تبريرا لمحاربة الخصوم تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، وهو وصف اتسع ليشمل كل أعداء النظام بغض النظر عن توجهاتهم.
مسلسل “الحور العين” الذي أخرجه نجدت أنزور عام 2005 كان علامة شاخصة في دراما الحرب ضد الإرهاب، لكنه يتحدث عن مواضيع لم تكن عام 2005 شاغلا للساحة السورية، وأعقبه أنزور عام 2006 بمسلسل “المارقون” الذي جرى تصويره في أوروبا وعدد من البلدان العربية في نفس السياق، وعُرض بشكل حصري على محطة “إل. بي. سي” اللبنانية فوصل منها إلى مستعملي الأقمار العربية (نايل سات وعربسات) ما دعّم حجم انتشاره، لكنه هو الآخر بسّط المشكلة بما يناسب القواعد النظرية للنظام السوري ولحزب البعث.
وعلى نفس القياس وفي نهاية عام 2014 أنتج التلفزيون العراقي شبه الرسمي مسلسلا كوميديا ساخرا بعنوان “دولة الخرافة” متزامنا مع تشكيل ائتلاف دولي واسع لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وجاء المسلسل ضعيفا سطحيا ساذج الطرح لا يقدم حلولا بل مساخر ومشاهد هازلة لا تخاطب وجدان المتلقي.
وفي سياق تقييمه لضعف الإنتاج السينمائي والتلفزيوني العربي في مواجهة داعش والقاعدة والتنظيمات الشبيهة بها مقارنة بحجم الإنفاق والجهد العربي العسكري المعد للتصدي لها، أوضح الناقد السينمائي السوري محمد عبيدو لـ”العرب” قائلا “أرى الأمر في فسحة الحرية التي أصبحت تضيق حتى في الهواء الذي نتنفس، فما بالك بالإبداع السينمائي والتلفزيوني”.
السينما والتلفزيون في الخليج
في المقابل، فإن مؤسسات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في الخليج التي تُسرف في الإنفاق على برامج وقنوات إخبارية عملاقة تهتم رسميا بمحاربة الإرهاب الذي ضرب السعودية مثلا في مواضع خطرة مرارا، ويهدد أمن دول الخليج عموما، تبدو غير مهتمة دراميا بموضوعة الحرب على الإرهاب، لكنّ عامي 2015 و2016 شهدا توجّها آخر لفت أنظار المراقبين، فقد أنتجت السعودية مسلسلا تلفزيونيا رمضانيا كوميديا عنوانه “سيلفي” بدأ عرضه في سنة 2015 على قناة “إم بي سي”، وبلغت مدة الحلقة الواحدة 43 دقيقة. وهو من إخراج أوس الشرقي. بطولة ناصر القصبي والعديد من الممثلين السعوديين والعرب. المسلسل قارب قضية الإرهاب بشكل خاص، وطرحها بشكل جريء أثار إعجاب المشاهدين في كل مكان.
وفي مارس 2016 أنتج تلفزيون أبوظبي مسلسلا تلفزيونيا عنوانه “دعاة على أبواب جهنم ” يناقش قضية الإرهاب من تأليف عادل الجابري وياسر قبيلات ونفذ إنتاجه المركز العربي للإنتاج الإعلامي وأخرجه رضوان شاهين وإياد تاخزوز. المسلسل يروي حكاية مجموعة من الإرهابيين تقوم ببعض العمليات الانتحارية في السعودية والأردن، وكيفية تعاطي السلطات معها، وآثار جرائمها على الناس.
ماجدة خيرالله: الأفلام والمسلسلات تمر على الرقابة في مصر، بما يعني أنها يجب أن تكون قريبة من نفس السلطة
سياسيا، وفي 17 أبريل 2016 أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، حرص دول المجلس على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. مؤكدا “إصرار دول المجلس على مواصلة جهودها السياسية، والدبلوماسية، والأمنية، لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، ومواجهة فكرها المتطرف، البعيد عن صحيح الإسلام، ومبادئه، وقيمه التي تدعو إلى الوسطية، والتسامح، والاعتدال”. وهذه الإشارات السياسية الصريحة يجب أن تدعم بأعمال يمكن أن تمثّل تطورا خطيرا في مسار الدراما التلفزيونية الهادفة إلى تعرية الفكر الداعشي ومعتنقيه.
الصوت الخليجي غائب كالعادة
وفي معرض البحث عن الرأي الخليجي حاولت أن أتصل بأيّ ناقد فني خليجي يمكن أن يفيد المقال ليكشف عن الرؤية الفنية للعاملين في السينما والتلفزيون في هذه المنطقة، لكن جهودي باءت بالفشل. وكي لا يغيب الرأي الخليجي عن هذا الجدل توقفت عند مقال “هل بالفن نقضي على الإرهاب؟” الذي نشره مطلق بن سعود المطيري في صحيفة الرياض في 17 أغسطس 2015 حيث قال فيه “ارتفعت مؤخرا بعض الأصوات المحلية مطالبة بالاهتمام بالفنون وزيادة منافذها في البلاد، حيث يرى هؤلاء المحملون بهمّ الوطن أننا بالفن نستطيع أن نقضي على الفكر المتطرف،” ومضى إلى القول “لماذا عجز الفنّ عند تقديم شكل راق ومحترم لقضايا المجتمع ومن ضمنها تطرف الشباب؟ هل لأن المجتمع يرى تحريمه، أم أن القائمين عليه قدّموا نماذج تخالف قيمته السامية جعل الشباب تبتعد عنه للحفاظ على بعض قناعاتها المرشدة لطريق الصواب؟”.
وختم مطلق بن سعود المطيري بالقول “ومن الخطأ التربوي الكبير أن نجعل الفن بديلا عن التدين أو أنه دواء نافع للتطرف، فالفن تجربة إنسانية وإبداع مخلوق، والدين وحي إلهي وإبداع خالق، فلا وجه للمقارنة أو المنافسة أو إصلاح هذا بهذا، فالتشدد والتطرف يشبهان السخافات في الفن ولا يشبهان الدين الصحيح، فالعقل السليم لا يسمح بالاقتراب من الدين إلا بدين”. وبهذا وضع المطيري القضية برمتها في ميزان الدين مضيفا لصعوبة الموضوع خطوط القداسة الدينية الحمراء بشكل دائم.
كاتب عراقي