دار الإفتاء المصرية على خط اليوتيوبرز

الفتاوى تؤسس لمدوّنة سلوك دينيّة لما يجوز نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
الجمعة 2020/12/11
صورة وفق الضوابط الشرعية

فتاوى دار الإفتاء المصرية، التي تخص بها مواقع التواصل الاجتماعي حصرا، محاولة لإرساء مدونة سلوك دينية لطريقة استخدام المصريين لمواقع التواصل من باب الحلال والحرام.

القاهرة – أثار دخول دار الإفتاء المصرية على خط اليوتيوبرز لتبيين ما يجب نشره وما لا يجب شرعا جدلا واسعا.

وقالت دار الإفتاء المصرية “إن بَثَّ ونَشرَ اليوتيوبرز المقاطع المصورة عن تفاصيل حياتهم الشخصية لهم ولأسرهم لزيادة التفاعل -تعليقا أو مشاركة أو إعجابا- حولها؛ إن كان مما يصح إطلاع الغير عليه فلا مانع منه شرعا، وإن كان مما لا يجوز للغير الإشعار به مما يُعَيَّب به المرء؛ فنشره عَمَل محرَّم شرعا”.

وأضافت الدار في فتواها، التي نشرتها على حسابها الموثق على فيسبوك، أنه “من المحتوى الذي لوحظ تقديمه من قِبَل اليوتيوبرز نَشْر بعضهم الشؤون اليومية الخاصة به وبأسرته؛ كأماكن جلوسه في بيته مع زوجته، ومواضع نومه، ومقر اجتماعه للأكل والشرب مع عائلته؛ حتى وصل الهوس حد نشر طقوس نومه واستيقاظه، وتحركات أطفاله، حتى دخوله للخلاء!”.

ولفتت الدار النظر إلى “أن بَثَّ الشؤون الشخصية ومشاركة الآخرين لمشاهدة ذلك يفرق فيه بين حالين؛ أولهما: ما يصح إِطْلاع الغير عليه، وثانيهما: ما لا يصح إِطْلاع الغير عليه، فالأول؛ كتفاصيل الحياة العادية التي لا يَأنَف الشخص من معرفة الغير بها؛ كشَكْله، ونوع سيارته، ونحوه؛ فهذا أمر لا مانع منه شرعا.

وأما النوع الثاني، فهو مما يُعيَّب به المرء فلا يجوز للغير الاطلاع عليه؛ ونشر ذلك رغبة في زيادة التفاعل -بالتعليق أو الإعجاب أو المشاركة- حول ما يُنْشَر مذموم شرعا؛ لأنَّه من قبيل إشاعة الفاحشة في المجتمع”.

وانتشرت وظيفة “يوتيوبرز” في الفترة الأخيرة بين الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحولت فكرة إنتاج مقطع فيديو من مجرد تجربة ترفيهية لمشاركة بعض اللحظات المختلفة إلى وظيفة يسعى خلفها الكثيرون لجني الملايين من الدولارت، وكسرت هذه الوظيفة المستحدثة قيود وتقاليد الأسر من أجل استغلال أي لحظة أو حدث لمشاركته مما يساهم في زيادة المعجبين والمشتركين على قنوات اليوتيوب.

ويقول معلقون إن دار الافتاء تريد تأسيس مدونة سلوك دينية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر من بوابة “الحلال والحرام”.

وفي عام 2014، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أصدرت دار الإفتاء تقريرا خاصا بوسائل التواصل في مصر، طالبت من خلاله بوضع ميثاق شرف لوضع ما أسمته “ضوابط وأخلاقيات لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي”، ما اعتبره معنيّون بحرية التعبير حينها مؤشرا سلبيا على فرض رقابة بخلفية دينية.

وأكد تقرير دار الإفتاء، الذي أعده مرصد دار الإفتاء للفتاوى التكفيرية والشاذة “من خلال دراسة عميقة لشبكات التواصل الاجتماعي”، أن “الدار تصدر العديد من الفتاوى تصدت فيها للمخاطر التي تنشأ عن الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي”.

ورفض مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي رقابة من أي نوع على وسائل التواصل. ويخشى معلقون أن فتاوى الدار بين الفترة والأخرى محاولة لإطلاق الميثاق الذي طالبت به دار الإفتاء.

أحكام بالسجن صدرت بحقّ حوالي عشر شابات مؤثّرات في الفترة الأخيرة بسبب نشرهن عبر تطبيق «تيك توك» فيديوهات اعتبرت مسيئة أخلاقيا
أحكام بالسجن صدرت بحقّ حوالي عشر شابات مؤثّرات في الفترة الأخيرة بسبب نشرهن عبر تطبيق «تيك توك» فيديوهات اعتبرت مسيئة أخلاقيا

وتعاضد فتاوى دار الإفتاء في ذلك مجهود السلطات التي تحاول اللعب على الوازع الديني عبر تبني “خطاب رجعي” لكسب ود أغلبية الناس، لكنّها بذلك تخون قيم الدولة وتروج للممارسات المتخلفة، وتساءلوا “كيف ستحارب الدولة الإرهاب الديني بقمع الحريات الفردية”.

وفي الأشهر الأخيرة صدرت في مصر أحكام بالسجن بحقّ حوالي عشر شابات “مؤثّرات” (إنفلونسرز) بسبب نشرهن عبر تطبيق “تيك توك” فيديوهات اعتبرت مسيئة أخلاقيا، في خطوة أثارت جدلا واسعا.

يذكر أنه منذ إنشاء دار الإفتاء المصرية عام 1895 وهي تعد المرجعية الأساسية في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية. ومع التطور الذي شهده العالم، أصبحت دار الإفتاء تخاطب المسلمين من خلال صفحاتها الإلكترونية.

وتثير بعض الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. يذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي عموما كانت محور العديد من الفتاوى من دار الإفتاء.

وكانت فتوى لشوقي علام مفتي مصر، أكد فيها أن “الكوميكس Comics”، “أمر مذموم شرعا؛ وذلك لأنّ فيها تَهَكُّما وازدراء لا يليقان بأخلاق المسلم”، أثارت جدلا وسخرية واسعين على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر. وانتقد مصريون الفتوى التي تعود إلى يوليو الماضي و”تضيق حرية التعبير الضيقة أصلا”.

ويعتمد المصريون على الكوميكس (الميمز) بشكل كبير للسخرية من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلادهم. والسبب وراء إقبال المصريين على هذا الفن، خاصة الشباب، هو قدرة الكوميكس على توصيل الفكرة بشكل واضح وسريع، وإحداث حالة من التفاعل بين مستخدمي مواقع التواصل، كما أنه يحتوي على مساحات كبيرة للإبداع والتعبير عن الرأي.

وتكمن مشكلة المصريين مع المؤسسات الدينية، أنهم يتعاملون معها على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها جزءا من السلطة ما أفقدها مصداقيتها.

ودعت النيابة مؤخرا إلى إحداث تغييرات جذرية في سياسة التشريع الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، واصفة إياها بأنها “أصبحت حدودا جديدة تحتاج إلى ردع واحتراز لحراستها من قوى الشر”.

وقالت النيابة في بيان نشرته وسائل إعلام محلية “لقد تأكد أنه استحدثت لبلادنا حدود رابعة خلاف البرية والجوية والبحرية تؤدي بنا حتما إلى تغييرات جذرية في سياسة التشريع والضبطيات الإدارية والقضائية”.

وأضافت “أصبحنا أمام حدود جديدة سيبرانية مجالها المواقع الإلكترونية، مما يحتاج إلى ردع واحتراز تام لحراستها كغيرها من الحدود”.

وكتب أمين فتوى في دار الإفتاء مختار الأزهري على حسابه على فيسبوك، أن ما تؤسس له النيابة العامة “من مبادئ في ما يتعلق بحماية جانب الأخلاق والهوية المصرية أمر لا بدّ من الإشادة به”.

19