خيط رفيع يفصل المراسلين عن التسبب في صدمة ثانية لضحايا هارفي

تقليل الضرر وعدم التسبب بأضرار للضحايا هما الواجب الأول للصحافيين الذين يغطون الكوارث، وهذا أمر يمكن أن يكون صعبا جدا خصوصًا في لحظة التغطية الصحافية، وما يزيد الموقف صعوبة هو عدم ثقة الجمهور بالإعلام والتي بلغت مستويات تاريخية في الولايات المتحدة، ما شكل عائقا حقيقيا خلال تغطية إعصار هارفي.
الاثنين 2017/09/18
التغطية الصحافية أكثر حساسية في أوقات الأزمات

واشنطن – يحتاج الصحافيون إلى البحث عن الحقيقة، وهذا يعني أنهم يحتاجون إلى طرح الأسئلة خلال الأوقات الصعبة، ويعتبر إعصار هارفي أحد أصعب هذه الأوقات التي عايشها مراسلون أميركيون، أثناء تغطيتهم لمأساة الضحايا الذين شأنهم كشأن الكثير من الأميركيين فاقدين للثقة بالإعلام والصحافيين.

ويصعب على الصحافيين أثناء الحديث مع الضحايا عزل مشاعرهم، لكنهم مجبرون على البحث عن الطرق الأقل إيلاما وضررا بالنسبة إلى الضحايا، وتقول مراسلة “سي إن إن” التي أجرت مقابلة مع امرأة مصدومة نجت لتوها من إعصار هارفي، إن “المقطع المصور يكسر القلب”، لكن الضحايا لديهم هموم أخرى بعيدا عن كسب التعاطف في تلك اللحظات، حيث انفجرت المرأة غضبا صارخة بالمراسلة “حاولت أن تجري مقابلة مع الناس في أسوأ أوقاتهم، هذا ليس أذكى أمر تفعلينه، الناس مكسورون وأنتم تجلسون هنا مع كاميرا وميكروفون تسألوننا ماذا بنا؟”.

وتقول لوري شونتز أستاذة الصحافة في كلية الصحافة والتواصل في جامعة أوريغون، في تقرير لموقع شبكة الصحافيين الدوليين، بعد مرور أسبوعين، “هناك إعصار أكبر وأكثر خطورة في الأخبار، لكن قبل تغطية الصحافيين لإعصار إيرما ينبغي أن يفكروا في لحظة إعصار هارفي”.

وأشار بريان ستيلتر في النشرة الإخبارية الرئيسية الموثوقة المصادر في”سي إن إن”، إلى أن المراسلة سألت المرأة عمّا إذا كانت تود الظهور أمام الكاميرا، وأن المرأة أجابت بنعم، وأضافت المراسلة “الإنهاك والانفعال في صوتها ينقل مدى سوء الوضع بالنسبة إلى بعض سكان هيوستن”.

ويطرح المقطع المصور قضية مهمة، بأنه تجدر بالصحافيين إعادة النظر في كيفية التعامل مع المجتمعات المحلية التي يغطونها، خصوصًا خلال الصدمة. لأنه في الوقت الذي يرتبط هذا الأمر على المدى القصير بإعصار إيرما فإنه يرتبط على المدى الطويل بعمل الصحافيين على استعادة الثقة، فهو ليس حادثًا معزولا.

وتشير تجارب صحافية أخرى إلى مدى اختلاف زاوية الرؤية التي ينظر من خلالها الصحافيون والضحايا، فعلى سبيل المثال كان كل من الصحافيين التسعة عشر الذين غطوا حادثة إطلاق النار في كلية أومبكوا بروزبرغ في ولاية أوريغون الأميركية، وشاركوا في إعداد مشروع التقرير عن روزبرغ، قالوا إنهم شعروا بأن واجبهم يدعوهم إلى أن يشهدوا على المأساة، من أجل ألا يتم نسيان الضحايا، ولتكريم المواطنين والأبطال الذين ساعدوا في أعقاب ذلك.

لوري شونتز: تقليل الضرر واجب على الصحافي وهذا أمر يمكن أن يكون صعبا في لحظته

لكن مجتمع روزبرغ لم يرَ ذلك، وتحدثت طالبة في جامعة أوسك في اجتماع بقاعة البلدة نظمته الإذاعة العامة في أوريغون بعد شهر من إطلاق النار، قائلة للموجودين “بصراحة كان هناك الكثير من المضايقات من وسائل الإعلام لنشر قصصنا.. كان هذا فظا بصراحة، لم يكن مهذبًا، وكان الإعلام الصدمة الثانية تقريبًا بالنسبة إلينا”.

وكانت تلك نقطة الخلاف الجوهرية، فهؤلاء المراسلون، مثل مراسلة “سي إن إن”، لم يكونوا يقومون بعمل غير اعتيادي، كانوا يطبقون المهارات الأساسية لإعداد التقارير التي يستخدمونها منذ بدء دراستهم للصحافة وممارستهم العمل المهني.

فهل هذا يعني أن عمليات جمع المعلومات الأساسية للصحافة، عندما تتم تجربتها في حالات عالية الوضوح أو ذات أهمية عالية قد تسبب الأذى؟

ربما تكون التجربة في الولايات المتحدة تحمل حساسية خاصة، نظرا إلى أن ثقة الجمهور بالإعلام حاليا هي عند أدنى مستوى.

ويتركز النقاش حول عدم الثقة في الإعلام، على الصورة الأكبر “الأخبار الكاذبة”، “الأخبار السياسية”، “الثقافة الإعلامية”، ومع هذه المستويات التاريخية من عدم الثقة بالإعلام، فإن الأمر يشكل عائقا حقيقيا للعمل الصحافي، لذلك يجب على الصحافيين وأساتذة الصحافة فحص ممارستهم. وتحديد العمل الأصعب، والنهج الفوضوي.

وتتحدث الصحافية جوليا دال عن مقابلة مع مرتكب جرائم جنسية ووالده وقد فكرت فيها بشكل مختلف، وكتبت قائلة “ما لم أكن قد أدركته حتى سنوات قليلة ماضية، كيف أن التفاعل قد يشكل طريقة تفكير هؤلاء الناس عن المراسلين، وكل وسائل الإعلام لبقية حياتهم، فبعد 10 سنوات، قال لهم رئيسهم (دونالد ترامب) إن الصحافيين أعداء الشعب الأميركي، وإن وسائل الإعلام تصنع الأخبار المزيفة، فهل جعلهم دفتر مدوناتي وكمين الكاميرا يهزون رؤوسهم ويقولون نعم صحيح؟”.

وتقول أستاذة الصحافة شونتز، “الصحافيون يطلب منهم دائما مقابلة الشهود لمعرفة ما حدث، واستخدام أسماء الأشخاص المتهمين بجريمة ما، واستخدام أسماء ضحايا الكارثة لجعل النتيجة أكثر منطقية، هذه هي الافتراضيات الأساسية في الصحافة، وأنا لا أسمع الكثير من النقاشات الجدية حول إذا ما يجب أن نقوم دائما بهذه الأشياء”.

وتضيف شونتز، “تحتاج الصحافة إلى هذه النقاشات، ويحتاج الصحافيون إلى التقصي عن الحقيقة وطرح الأسئلة في الأوقات الصعبة، هذا واجب أخلاقي، ولكن تقليل الضرر هو أيضا واجب، وهذا أمر يمكن أن يكون صعبا خصوصًا في لحظته، وعند الموعد النهائي، عند تدفق الأخبار العاجلة. لهذا أطلب من تلامذتي مناقشة هذه القضايا الآن في الصف حيث لديهم الوقت للتفكير”.

18