خيط رفيع بين نقل أخبار الجرائم والترويج لها في كردستان

حظر تغطية حوادث القتل والجرائم في كردستان لتأثيرها على النظام الاجتماعي.
السبت 2025/03/29
تنظيم المحتوى الإعلامي ضرورة

طالبت وزارة داخلية كردستان وسائل الإعلام بالامتناع عن تغطية الأخبار والمعلومات التي تتعلق بحوادث القتل والجرائم، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، بسبب عدم مراعاة العديد من وسائل الإعلام لأخلاقيات المهنة في تغطية هذا النوع من الحوادث في حين لا تزال المحاكم والجهات المختصة تجمع المعلومات وتحقق.

أربيل - دعا وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد وسائل الإعلام إلى الالتزام بمبادئ العمل الإعلامي، وعدم ملاحقة تفاصيل وأخبار جرائم القتل لكسب المشاهدين والمتابعين، إذ باتت هذه الأخبار تثير جدلا واسعا في الإقليم لتركيزها على الإثارة دون الاهتمام بتأثيرها على المجتمع.

وقال أحمد في مؤتمر صحفي الخميس إن “الإعلام هو السلطة الرابعة، ويكن له التقدير للعمل الإعلامي ضمن ذلك التعريف، وحكومة كردستان ملتزمة بحرية الرأي والوصول إلى المعلومة لكافة الصحافيين.”

ويقول خبراء إعلام إن من أبرز المخالفات التي تتم ملاحظتها توسّع بعض وسائل الإعلام في ذكر تفاصيل ارتكاب الجرائم والتوصيفات الجُرميّة دون تقدير الفائدة من النشر، وإمكانيّة تأثير مثل هذه الأخبار على معدلات اِنتشار الجرائم خصوصًا بين المراهقين بعد محاولة محاكاة هذه الوقائع وتقليدها.

وأضاف وزير داخلية الإقليم “لقد أتاحت القوانين التي يتم العمل عليها في برلمان وحكومة الإقليم الفرصة لوسائل الإعلام، ودور الإعلام مهم جدا للحفاظ على الانسجام الاجتماعي ونقل المعلومات اللازمة للمجتمع وتحديد الظواهر غير المستحبة للتمكن من إيجاد الحلول المناسبة.”

وتابع قائلا “السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما هي آلية نقل هذه النوعية من الأخبار؟ نحن لسنا ضد نقل الإعلام لهذه الأخبار، ولكننا ضمن هدف معين وهو وضع الأحداث المستهجنة والظواهر السيئة أمام الجميع ليتمكنوا من تكوين رأي حولها، حتى لا تتكرر ثانية.”

نزاكت حسين: وسائل الإعلام تعرض الحادثة وتسوي القضايا قبل المحكمة
نزاكت حسين: وسائل الإعلام تعرض الحادثة وتسوي القضايا قبل المحكمة

ووجهت النيابة العامة في السليمانية كتابا إلى كافة وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة) يطالب بالامتناع عن تغطية الأخبار والمعلومات التي تتعلق بحوادث القتل والجرائم، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها.

وجاء في الكتاب أنه من الواضح أن العديد من الوسائل الإعلامية ودون مراعاة لأخلاقيات العمل الصحفي تقوم بتغطية الحوادث وجرائم القتل، في حين لا تزال المحاكم والجهات المختصة تجمع المعلومات وتحقق.

واستنادا إلى هذه المخالفات طالب أحمد وسائل الإعلام بعدم استخدام جرائم وأحداث القتل لزيادة نسبة المشاهدات والمتابعين، ولكن لحل المشكلة يجب عدم لعب دور الشرطة والمدعين العامين وأخصائيي الطب الشرعي، أو التحدث مباشرة إلى الجناة في البرامج. لأن ذلك سيمهد الطريق أمام المجرم لتبرير جريمته، حسب قوله.

وبحسب المتخصصين تقتضي المهنيّة في تناول مثل هذه النوع من الجرائم نشر خبر مقتضب عن الجريمة، مع مراقبة كيفية قيام الأجهزة المعنيّة بأداء واجبها دون الخوض في التفاصيل التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على حياة أُسرة الضحية أو أسر المشتبه بهم، أو تؤثر سلبا على سير التحقيقات.

ويمكن للتغطيات الإعلاميّة التفصيليّة أن تفضي إلى نتائج عكسية، وتُسهم في نشر أساليب جُرميّة متعددة، من خلال تقديم وصف تفصيلي للجرائم وأداة الجريمة، علاوة على نشر المضامين التي تنطوي على أعمال وحشية أو عدوانية أو عنف جسدي.

وأشارت الأستاذة الجامعية والخبيرة في مجال الإعلام نزاكت حسين إلى أن تنظيم بيئة العمل الإعلامي يجب أن يكون ضمن أولويات الحكومة.

ووصفت حسين في حديث لموقع “كردستان 24” المحلي قرار المدعي العام في السليمانية حظْر تغطية أحداث جرائم القتل بالجيد، وقالت “في الإقليم تتخذ وسائل الإعلام القرار قبل البت في القضايا من قبل المحكمة دون أي مبدأ، وتعرض الحادثة برمتها على الجمهور وتسوي القضايا قبل عرضها أمام المحكمة.”

وأضافت “نقل أخبار جرائم القتل يجب أن يكون ضمن إتيكيت العمل الإعلامي وبحرفية ومهنية عالية، لدينا ملاحظات كثيرة على أسلوب نقل هذه الحوادث.”

كما أشارت إلى أن البيئة الإعلامية وطريقة عمل الإعلام في الإقليم ومحتوى العمل الإعلامي، كلها بحاجة إلى إعادة تنظيم، وتابعت “يجب أن يكون الإعلام في إقليم كردستان مسؤولا عن تنظيم عمله من خلال وجود قانون للإعلام الكلاسيكي والحديث.”

وأكدت أن مهمة نقابة الصحافيين تنظيم المحتوى الإعلامي، ويجب أن يكون من أولويات البرلمان والحكومة المقبلة تنظيم البيئة الإعلامية في كردستان، وقالت “إذا لم يتم تنظيم البيئة الإعلامية، فلن تكون البيئة السياسية والاقتصادية مستقرة.”

ومن الانتقادات التي وجهها رئيس النيابة العامة بالسليمانية لوسائل الإعلام إجراء مقابلات صحفية مع أقارب الضحية، وهو ما لا يعتبر جريمة فحسب، بل له تأثير سلبي مباشر على أفراد المجتمع.

ويقول متابعون إن العديد من وسائل الإعلام انتهكت مبدأ الكرامة الإنسانية بإجراء مقابلات مصوّرة نقلت خلالها مشاعر أهل الضحية وردود أفعالهم في لحظة ضعف إنساني، وطرح أسئلة لا تشتمل أجوبتها على قيمة إخباريّة أو حقوقيّة.

ودعا جميع وسائل الإعلام إلى الامتناع عن نشر مثل هذه الأخبار، وإلا فإن مكتب المدعي العام في السليمانية سيتخذ الإجراءات القانونية ضد أي قناة أو وسيلة إعلامية.

من الانتقادات التي وجهها رئيس النيابة العامة بالسليمانية لوسائل الإعلام إجراء مقابلات صحفية مع أقارب الضحية، وهو ما لا يعتبر جريمة فحسب، بل له تأثير سلبي مباشر على أفراد المجتمع

وعلق نقيب الصحافيين في السليمانية كاروان أنور على انعكاسات قرار الادعاء العام الجديد بمنع تغطية أحداث القتل والانتحار في المحافظة، مشيراً إلى أن ذلك يهدف إلى الحد من التأثيرات السلبية لهذه الأخبار على المجتمع.

وقال أنور إن “القرار جاء من خلال التشاور بين الادعاء العام ونقابة الصحافيين، وهناك اتفاق على عدم إبراز جرائم القتل العائلية، حتى لا تعطي دافعاً لمن يعانون من مشاكل نفسية لارتكاب الجرائم.”

وأضاف أن “القرار لا تقف خلفه دوافع سياسية إطلاقاً، وهو ليس منعاً لنقل الأخبار وإنما هو تقليل لها وعدم إبرازها كي لا تؤثر في المجتمع،” مشدداً على أن “أغلب وسائل الإعلام مسجلة لدى نقابة الصحافيين، وبالتالي ستلتزم بالقرار كما وجهنا لتلك الوسائل بالتعاون.”

من جانبه أكد الباحث الاجتماعي هردي نورالدين أن الادعاء العام يرى بأن أخبار القتل والجرائم العائلية باتت تؤثر على صورة المجتمع في السليمانية.

وأضاف أن “إبراز هذه الأخبار والحالات بقوة يؤثر على طبيعة المجتمع الكردي، وخاصة مجتمع السليمانية، الذي عُرفت عنه الصورة النمطية بأنه مجتمع متمدن ومسالم.”

وأشار إلى أن “عدم نقل الأخبار ليس هو الحل، وإنما يجب إطلاق حملة واسعة للتوعية، ومحاربة المخدرات، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسة الدينية، لغرض التوعية ضد هذه الجرائم.”

5