خيار العودة إلى مفاوضات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان يتقدم

يبدد التفاؤل الأميركي باستئناف لبنان وإسرائيل للمفاوضات غير المباشرة بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين تل أبيب وبيروت إثر تهديدات متبادلة. ويرى مراقبون أن هناك رغبة متبادلة من الطرفين في تحقيق تقدم في الملف بعد تغليب صوت المصلحة على التصعيد.
بيروت – حملت الأيام القليلة الماضية إشارات مشجعة في ما يخص ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ما يفتح الباب أمام الذهاب إلى تهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات وهو ما يصب، حسب مراقبين، في صالح الطرفين ويجنبهما تصعيدا لن يخدم أي طرف.
وأعلنت الخارجية الأميركية الاثنين أن الوسيط الأميركي في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين عقد مفاوضات الأسبوع الماضي مع المعنيين في إسرائيل وأن “المباحثات كانت مثمرة وتقدمت نحو هدف تذليل الفوارق بين الطرفين”.
وأكدت الخارجية الأميركية “استمرار الولايات المتحدة في التواصل مع الأطراف المعنية خلال الأيام والأسابيع المقبلة”.
ونقل هوكشتاين خلال لقائه المسؤولين الإسرائيليين عرضا لبنانيا لحل الخلاف مع إسرائيل بشأن موارد الغاز البحري وصفته مصادر مطلعة بأنه حل وسط، فيما ينتظر القادة اللبنانيون الرد على عرضهم.
ولم يتضمن العرض اللبناني أي مطالبة بالخط 29 الذي يشمل حقل كاريش المتنازع عليه، حيث طلب بدلا من ذلك الحصول على الخط 23 وحقل قانا في المنطقة المتنازع عليها.
وتقول إسرائيل إن كاريش يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، بينما يقول لبنان إن الحقل يقع في مياه متنازع عليها وينبغي عدم تطويره قبل أن يختتم البلدان محادثاتهما غير المباشرة لترسيم حدودهما البحرية.
وفشلت تلك المحادثات العام الماضي بعد أن وسع لبنان المساحة التي يطالب بها بنحو 1400 كيلومتر مربع في المنطقة المتنازع عليها من الحدود المعروفة باسم الخط 23 جنوبا إلى الخط 29، بما في ذلك جزء من حقل كاريش.
إلياس بوصعب: نأمل استئناف المفاوضات غير المباشرة قريبا
وللتغلب على ذلك الوضع اقترح هوكشتاين آنذاك مبادلة ميدانية من شأنها إنشاء حدود على شكل حرف “أس” بدلا من الخط المستقيم، لكن لبنان لم يوافق رسميا على الاقتراح.
وقال نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بوصعب إن “بيان الخارجية الأميركية إيجابي ونقدّر تعهد الإدارة الأميركية بالتواصل في الأيام المقبلة الذي نأمل منه أن يؤدي إلى استئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة”.
ويرى مراقبون أنه بعد فترة من التصعيد وتبادل التهديدات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بدا أن خطاب “العقل” ومنطق التسوية عادا ليسيطرا على الضفتين.
وفي تل أبيب أكدت وزارة الطاقة الإسرائيلية إثر اجتماع مفاوضين إسرائيليين مع هوكشتاين عبر تقنية الفيديو كونفرنس في نهاية الأسبوع الماضي العمل للتوصل “إلى حل للقضية في المستقبل القريب”، موضحةً أنّ الاجتماع تخلله نقاش حول “التوجهات البناءة للمضي قدماً في المفاوضات” في ضوء المستجدات التي نقلها هوكشتاين إثر زيارته الأخيرة إلى لبنان.
وتقول مصادر سياسية إن إسرائيل ترغب في التوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الترسيم كي ينقّب الجانبان “بسلام” في البحر، بعيدا من أي مناخات متشنّجة. إلا أن المصادر كشفت أن تل أبيب لن تسلّم سريعا بما تريده بيروت، وهي ستسعى في الأيام القليلة المقبلة لرفع سقفها علّ لبنان يتراجع عن بعض الشروط التي وضعها.
وتشير المصادر إلى أن إسرائيل لا تحبّذ موقف لبنان بالتفاوض انطلاقا من الخط 23 مع الحصول على حقل قانا كاملا، مقابل حصول تل أبيب على حقل كاريش. وهي أبلغت الوسيط الأميركي أنها تفضّل أن يبقى الخط الذي رسمه هوكشتاين على حاله، أي متعرّجا، بما يبقي لتل أبيب حصّة أكبر من تلك التي ستحصل عليها في حال تم اعتماده “مستقيما” كما يريد لبنان.
وتعتبر المصادر أن إسرائيل ستتراجع وستوافق على العودة إلى طاولة المفاوضات في الناقورة برعاية الأمم المتحدة، لتستأنف المحادثات بين تل أبيب وبيروت بإشراف أميركي.
إسرائيل ترغب في التوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الترسيم كي ينقّب الجانبان “بسلام” في البحر، بعيدا من أي مناخات متشنّجة
وعلى الأرجح، فإن خيار التوصل الى اتفاق بين الطرفين، مرجّح بما أن الجهات الثلاث، أي اسرائيل ولبنان والولايات المتحدة، لها مصلحة في ذلك اقتصاديا وماليا وعسكريا أيضا، وبما أن هذا التفاهم سيساعد لبنان أكثر في الحصول على مساعدات أميركية أبرزها ما يتعلق بالطاقة الكهربائية.
ويشير محللون إلى أن لبنان في أمس الحاجة إلى استغلال ثرواته النفطية البحرية لتجاوز أزمته الاقتصادية المستفحلة التي وضعت البلاد في طريق الانهيار الشامل.
ويعلق الساسة اللبنانيون آمالا على تجاوز الخلافات مع إسرائيل دون التفريط في حقوقهم السيادية، وهو ما دفعهم -حسب متابعين- إلى تقديم تنازلات لدفع التسوية النهائية قدما.
ويجمع محللون اقتصاديون على ضرورة الاستفادة من الثروة النفطية في أقرب وقت ممكن، نظراً إلى أن التطورات العلمية والتوجه نحو الاعتماد على الطاقات البديلة يؤشران على أن هذه الثروة ستصبح بعد سنوات دون أيّ قيمة فعليّة أو جدوى اقتصادية بالمقارنة مع كلفة الاستخراج.
ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية الليرة وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.