خيارات محدودة أمام تركيا لمواجهة طوفان اللاجئين الأفغان

أنقرة – لم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده للتباحث مع السلطة الجديدة التي تقودها حركة طالبان المتشددة في كابول حول قضية اللاجئين الأفغان الفارين من بلدهم، وسط توقعات بنزوح حشود منهم صوب تركيا.
وتصاعدت حدة القلق التركي من ملف اللاجئين حتى قبل سقوط العاصمة كابول بأيدي الحركة المتشددة، بالإضافة إلى وجود مخاوف مماثلة لدى دول الجوار الأفغاني. لكن أنقرة تشهد خلافات متصاعدة حول هذا الملف سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وبرزت القضية بشكل كبير في الآونة الأخيرة داخل تركيا خاصة أن البلد يحتضن نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، بالإضافة إلى ما أعلنه الرئيس أردوغان، أمس الجمعة، عن احتضان بلاده لنحو 300 ألف لاجئ أفغاني.
وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا المئات من الأفغان معظمهم من الرجال والفتيان يعبرون الحدود الوعرة إلى تركيا. وتقع مقاطعة فان التركية في أقصى شرق البلاد المتاخم لحدود شمال إيران وتعتبر نقطة مرور في مسار الهجرة الشاقة للأفغان الذين يأملون في بدء حياة جديدة في تركيا أو الوصول إلى أوروبا.
ويقول أردوغان عن الحلول المقترحة لحل هذه المعضلة، “يمكننا إجراء مباحثات مع طالبان إذا لزم الأمر، فهناك حقائق على الأرض، وعندما يُطرق بابنا سنفتحه”.
ونفى أردوغان تصريحات للمعارضة التركية بشأن توقيع اتفاق هجرة بين تركيا والولايات المتحدة حول استقبال المهاجرين الأفغان.
وتزايدت المخاوف في تركيا من أن البلاد ستشهد زيادة كبيرة في عدد اللاجئين مع سقوط أفغانستان في أيدي طالبان، وتعد البلد وجهة نهائية رئيسية للاجئين الأفغان، فضلا عن كونها نقطة انطلاق لأولئك الذين ينوون التوجه إلى أوروبا.
وتقول بركوس شليك الباحثة والمحاضرة المنتسبة لجامعة كامبريدج في تحليل نشره موقع “سنديكيشن بيورو للرأي” المهتم بشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، إن تركيا التي تستضيف بالفعل 3.7 مليون لاجئ سوري لا تستطيع التعايش إلى أجل غير مسمى مع الزيادة الجديدة في عدد اللاجئين.
وتشير شليك إلى وجود استياء عام متزايد داخل تركيا تجاه وجود اللاجئين السوريين الذين كان ينظر إليهم في الأصل على أنهم ضيوف مؤقتون ولكن أصبحوا الآن من السكان الدائمين أو على الأقل من المقيمين لفترة طويلة الأجل.
وتتابع “يلقى باللوم عليهم في التوترات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى العنف المسلح أو المناوشات في الأحياء المكتظة بالسكان”.
ويشكو العديد من الأتراك أيضًا من الميزات التي تُمنح للسوريين، حيث يتلقون رواتب حكومية ودعمًا للرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، وهناك شعور بالقلق تجاه اللاجئين الأفغان الجدد، الذين قد يُثقلون الكاهل المحمل بالفعل بالكثير من الأوزان.
وتوضح الباحثة أن أنقرة تفتقر إلى سياسة شاملة لتوطين اللاجئين، ومن الواضح أنها تبذل مجهودا كبيرا للحد من الهجرة غير النظامية إلى البلاد. ولمواجهة موجة جديدة من اللاجئين الأفغان، تملك تركيا خيار إبرام اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي بشأن زيادة تقاسم الأعباء، وسيكون نموذج ذلك الاتفاق هو نفس اتفاق الهجرة لعام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي سمح لدول الاتحاد الأوروبي بوقف تدفق اللاجئين السوريين مقابل 6 مليارات يورو من المساعدات والتعهد بالتفاوض بشأن القضايا السياسية المجمدة مع أنقرة، بما في ذلك السفر دون تأشيرة للمواطنين الأتراك.
وتقول إنه “من الواضح أن دول الاتحاد الأوروبي حريصة على الحد من عدد اللاجئين الأفغان الذين يصلون إلى شواطئها” حيث تشير جميع الدلائل والمؤشرات إلى استعداد أوروبا للتعاون مع تركيا لإيجاد حل.
وأعلن المستشار النمساوي، سيباستيان كورتس بشكل مثير للجدل مؤخرًا أن تركيا ودول أخرى في المنطقة “بالتأكيد مكان أفضل من النمسا أو ألمانيا أو السويد” بالنسبة إلى الأفغان.
وفي العاشر من أغسطس الماضي حثت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي النمسا والدنمارك وبلجيكا وهولندا واليونان وألمانيا على عدم وقف عمليات ترحيل طالبي اللجوء الأفغان الذين تم رفض طلبهم، وسيكون تحديث اتفاقية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي على رأس جدول أعمال تركيا.
كما تتطلع الولايات المتحدة أيضًا إلى تركيا لحل المشكلة التي اختلقتها، ففي أوائل أغسطس أعلنت واشنطن عن برنامج للاجئين خاص بالمواطنين الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة أو المنظمات غير الحكومية أو الصحافة، مثل المترجمين الفوريين والمترجمين النصيين، ويقترح المخطط استخدام دول أخرى مثل تركيا وباكستان كمضيفين مؤقتين لما يصل إلى 25000 أفغاني، حيث سيبقون هناك لمدة تصل إلى عام، بينما يتم مراجعة طلباتهم، لكن لم يتضح بعد ما سيحدث لأولئك الذين سوف يتم رفض طلباتهم.
وسرعان ما تهكمت الحكومة التركية على تلك الخطة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية تانجو بيلجي، “لا ينبغي لأحد أن توقع أن يتحمل الشعب التركي عبء أزمات الهجرة الناجمة عن قرارات دول أخرى في منطقتنا”.
ووصف مدير الاتصالات الرئيسي في الحكومة، فخرالدين ألتون المبادرة بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”، مضيفًا أن تركيا لن تكون بمثابة “غرفة انتظار لأي دولة”.
ومع ذلك ترى الباحثة بركوس شليك أن هذا الأمر قد يكون موضع نقاش لأنه من غير الواضح كيف ستجري الخطة في ظل وجود طالبان التي تسيطر الآن بشكل كامل على البلاد.
وتقول إن “هناك فكرة أخرى تم طرحها وهي توزيع شبه إقليمي لعبء الزيادة في عدد اللاجئين، لكن هذا أيضًا يمثل مشكلة، حيث أن كلا الدولتين باكستان وإيران يستضيفان ما يقرب من 90 في المئة من إجمالي 2.5 مليون لاجئ أفغاني مسجل، بواقع 1.4 مليون في باكستان وحوالي مليون في إيران (الأرقام غير الرسمية أعلى في كلا البلدين)”.
وأعلنت باكستان مؤخراً أنها ستغلق حدودها التي يبلغ طولها 2400 كيلومتر والتي يسهل اختراقها، وستقوم باتباع “النموذج الإيراني” القائم على إيواء اللاجئين في المخيمات الحدودية بدلاً من السماح لهم بالتحرك إلى المدن. وفي حين أن تركيا وباكستان حليفان مقربان، خاصة بعد توقيعهما اتفاقية تعاون أمني في باكو عاصمة أذربيجان في يوليو الماضي، لكن ليس من الواضح طبيعة الإجراءات المشتركة التي يمكن اتخاذها للتخفيف من حدة هذه الأزمة.
وترى الباحثة أنه “يمكن لإيران أن تزيد من حدة المشكلة التي تعاني منها تركيا عن طريق تسهيل عبور الأفغان إليها حيث اتهم البعض طهران بالتجاهل عمداً عملية نقل الآلاف من الأفغان بالحافلات من إيران إلى الحدود التركية”.
وساهمت أنقرة بجنود من قواتها في مهمة الناتو في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين، وحتى وقت قريب كان لديها 500 جندي في أدوار غير قتالية هناك، ولكن الانهيار السريع لكابول أحبط كل الخطط التي قامت على فكرة رحيل منظم من قبل الولايات المتحدة، والشيء الوحيد الواضح هو أنه سيكون هناك طوفان من اللاجئين.
وتنقل شليك عن زميلة لها تدعى ليزا شوستر من جامعة سيتي في لندن، والتي أمضت معظم العقد الماضي في العمل الميداني في أفغانستان أن “الأفغان يجدون صعوبة في تصديق أن كل تلك البلدان التي كانت موجودة على أراضيهم لفترة طويلة قد خذلتهم وتخلت عنهم”.
وتقول “ربما أضافت، كيف تريد هذه البلدان الآن نقل العبء إلى دول أخرى تجاهد للتعامل مع عشر سنوات من الهجرات الجماعية، والمطلوب هو عقد اجتماع دولي على جناح السرعة لمعرفة كيفية التعامل مع تدفق المهاجرين، ولكي تواجه الدول مسؤوليتها”.