خيارات الهاوية في لبنان

لا شيء غريبا أن تنتهي الجلسة الثانية عشرة لمجلس النواب اللبناني بالفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد. هذا الأمر يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. و”الثنائي الشيعي” يمكنه أن يعطل النصاب طالما أنه يريد أن يفرض مرشحا على مقاسه.
السؤال الحقيقي: ما هو ذلك المقاس؟ ما هي شروطه؟ وماذا تعني مسطرة كلماته؟
ذلك ما يتطلب الإيضاح في بلد يصارع الموت ويُسقى بالكلام الفضفاض.
السؤال الآخر: ما هو موقع ذلك المقاس على الأزمة؟ وماذا يعني بالنسبة إلى مطالب الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد الدولي ومجموعة المانحين الدوليين الذين يريدون أن يروا نظاما قادرا على الحد من الفساد في مؤسساته؟
◙ التنازع على اسم الرئيس العتيد يضع العربة أمام الحصان و"الثنائي" يفعل ذلك عن قصد وعمد لا يهمه أن تنهار البلاد. في الواقع هو يستفيد من انهيارها أصلا لكي يعزز نفوذه
هناك الكثير من الكلام الذي لا تعرف معناه الحقيقي، والذي يمكن أن يخرج من أفواه ممثلي ذلك “الثنائي”، من قبيل “الدفاع عن سلاح المقاومة” أو “الميثاقية”، من دون أن تعرف كيف تضعه على مسطرة الواقع التي تفرض الجوع والفقر على الملايين من اللبنانيين. أو ما هو نوع الدولة التي يريد “الثنائي” أن يفرضها على لبنان، وما إذا كان ذلك منطقيا في بلد متعدد الطوائف ولا يملك “الثنائي” أكثر من حصته فيه؟
حزب الله، إذ يعتبر كل مرشح للرئاسة غير مرشحه “تحديا” له، لا يريد أن يلاحظ أن ذلك هو التحدي بعينه ضد الآخرين. وهو إذ يدعو إلى “التفاهم والتوافق”، فإنه لا يقول ما معنى التفاهم والتوافق المطلوبين، أو على ماذا؟ أو من أجل الدفاع عن ماذا حتى يجوز أن يُداس على جثة البلاد بقدم الولاء لإيران؟ فسواء أكان “التفاهم” على حصة من حصص الفساد أم على حصة من حصص النفوذ في السلطة، فإنه يتطلب الإيضاح، لكي يعرف الناس موطئ بلادهم تحت هذه القدم.
المعضلة التي لا تغرب عن أحد في لبنان هي أن البلاد تقف أمام متطلبات واضحة للإصلاح. وقد يمكن أن يكون المرشح للرئاسة من يكون، ولكن في النهاية، فإن تنفيذ الإصلاحات هو الشأن الأهم. وبالتالي، فإنه هو الشأن الذي يتطلب موقفا صريحا منه.
يحتاج “الثنائي” أن يقول للناس، بوضوح، ماذا يرفض من متطلبات الإصلاح. أما التخفي خلف الكلام الغامض، والذي يقصد التسويات من خلف الكواليس، فإن عمق الأزمة لم يعد يسمح به. لم يعد اللبنانيون يمتلكون الوقت لرفاهية الزيف الذي يغطي المماطلات حول ما يتوجب الأخذ به وتنفيذه.
هذه هي المسألة. كل ما عداها ليس سوى محاولة لتزوير الانطباعات من أجل تزوير الإصلاح نفسه.
وهناك وساطات تزمع أن تبني جسورا للتوافق. المخيف فيها، هو نفسه ما جلب الخراب للبلاد. وهو أنها “تسويات” قائمة على ضمانات التعطيل. بمعنى أنها تسويات تسمح بتخريب نفسها في أي وقت ولأي سبب. وهي ما يشبه آلية التفجير الذاتي، التي جُربت من قبل، وانتهت إلى تفجير البلد نفسه.
“الثنائي” يماطل من أجل أن يحافظ على امتيازاته ومصالحه في مؤسسات الفساد. هذا أمر مفهوم. ولكن هل بقي متسع للفساد لكي يستمر؟ وما نفع الفساد إذا انهارت البلاد ومؤسساتها؟
◙ إذا كان من مصلحة حزب الله أن يدفع لبنان إلى الهاوية، وهو بسلاحه، فإن دفعه، هو وسلاحه، إلى الهاوية خيار معقول وعادل
كل الفكرة من وراء الحاجة إلى “حزمة إنقاذ” هي أن لبنان يتعين أن ينفذ قائمة إصلاحات لا لبس فيها. وهي سلسلة من الأعمال التنفيذية التي لا تقبل المساومة أو المماطلة أو التعطيل. معظم هذه الإصلاحات لا يمكن البدء به ومن ثم التوقف في منتصف الطريق. بعضها قابل للتفاوض طبعا. هناك بدائل وخيارات يمكن أن تطرح لتسوية قضايا المودعين وتقاسم الديون بين الدولة والمصارف. ولكن الحقيقة المجردة هي أن هذه القضايا، القابلة وغير القابلة للتفاوض، هي برنامج عمل واضح.
المسألة، بهذا المعنى، أكثر مباشرة وتجردا من مسألة انتخاب رئيس أو رئيس للحكومة. وهو ما يعني أن النقاش، المتعلق بالبحث عن “توافق”، يجب أن يبدأ بها، ليكون انتخاب رئيس خاتمة لها، وليس العكس.
“الثنائي” طرح اسم سليمان فرنجية ليكون مرشحه للرئاسة، ومن خلفه سيل هائل من الكلام الذي لا تعرف معناه التنفيذي. وفعلت الكتلة المسيحية التي رشحت جهاد أزعور الشيء نفسه. فظهر الأمر وكأنه لعبة تقول “تطرحون اسما، ولدينا آخر”. وهذه لعبة لا علاقة لها بما يحتاج لبنان إليه؛ لا علاقة لها ببرنامج الإصلاح المطلوب تنفيذه. لأنها لا تحدد موقفا واضحا من قضايا الإصلاح.
تدليس على تدليس. وسخافة سياسية تتبع أخرى، والبلاد تنهار. تسرق من الوقت ما يمكن أن يكون مذبحة حقيقية لكل فرص النجاة.
لا يهم من هو الرئيس. أي شخصية مستقلة يمكن أن تؤدي الدور المطلوب لرعاية التوافقات بشأن برنامج الإصلاح. وهو ما يعني أن تأتي هذه التوافقات أولا، لتقول ماذا تريد، وما هو السبيل لتنفيذ ما يمكن التوافق عليه.
◙ حزب الله، إذ يعتبر كل مرشح للرئاسة غير مرشحه “تحديا” له، لا يريد أن يلاحظ أن ذلك هو التحدي بعينه ضد الآخرين
الرئيس نفسه بحاجة إلى معرفة أنه انتخب رئيسا على ماذا.
التنازع على اسم الرئيس العتيد، يضع العربة أمام الحصان. و”الثنائي” يفعل ذلك عن قصد وعمد. لا يهمه أن تنهار البلاد. في الواقع، هو يستفيد من انهيارها أصلا، لكي يعزز نفوذه. وحيث أنه هو القوة المسلحة الوحيدة، فإنه الوحيد الذي يمكن أن يفرض نفسه على الخراب ليجعله أداة من أدوات الهيمنة. وهو لا يتخذ من لبنان رهينة، ولكنه يتخذ من معارضيه أنفسهم رهينة أيضا. لأنه يضعهم أمام المفاضلة بين خراب ينتهي بأمره إليه، أو دولة فساد تنتهي بدورها إليه أيضا.
لقد كان هذا هو السبب الذي جعل من طرح أي اسم كمرشح للرئاسة، غير فرنجية، “تحديا”. لأنه تحد لهذه “المفاضلة”.
ماذا يمكن للرهائن أن يفعلوا من أجل الخلاص؟
يملكون خيارين يتطلبان الجرأة على تغيير المسار. الأول، هو أن يعرضوا حوارا وطنيا للتفاهم على برنامج الإصلاح وضمانات تنفيذه إلى النهاية، كما هو مطلوب.
والثاني، هو أن يقلبوا الطاولة على حزب الله، ويرفعوا السلاح. لماذا؟ لكي لا يكون الخراب ملعبا لطرف واحد.
إذا كان من مصلحة حزب الله أن يدفع لبنان إلى الهاوية، وهو بسلاحه، فإن دفعه، هو وسلاحه، إلى الهاوية خيار معقول وعادل.