خيارات السلطة الجزائرية تكبل دور الأحزاب السياسية

معارضة تحت التضييق وموالاة في تيهان غير مسبوق.
الأربعاء 2022/08/10
الأحزاب تراجع تأثيرها منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة

الجزائر - دخلت الطبقة السياسية الجزائرية في سبات عميق منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، وسط تساؤلات عن خلفيات تراجع دورها في المجتمع رغم الملفات الحارقة الداخلية والخارجية التي تواجه الجزائر. وباستثناء الحضور الرمزي في بعض المناسبات، لم يعد يسمع للأحزاب السياسية صوت، سواء كانت في الموالاة أو في المعارضة.

وتتهم قوى سياسية حزبية ومستقلة في الجزائر السلطة بتكبيل نشاط الأحزاب واستبعادها المتعمد من أداء دورها، فحتى القوى الموالية للسلطة لم تعد تجد مجالا لممارسة دورها الداعم، ويبدو أن السلطة غير المرتاحة لها وجدت ضالتها في بدائل جديدة تتمحور حول تحالف بينها وبين المؤسسة العسكرية.

وهذا الموقف عبر عنه الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي بالقول “ندعم مبادرة لم الشمل، وسأذهب للمشاورات السياسية، للاطلاع على نوايا السلطة في عدة قضايا تؤرق الشارع الجزائري حول الحريات السياسية والحزبية والإعلامية ومختلف الممارسات الأخرى”.

وهذا الطرح هو نفس الطرح الذي عبر عنه الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش بالقول “شددنا في لقائنا بالرئيس تبون على ضرورة حوار سياسي جاد، وعلى إطلاق مؤشرات حقيقية تعبر عن حسن النوايا في الذهاب إلى توافق سياسي وانفتاح على جميع القوى والتيارات”.

◙ السلطة الجزائرية وجدت ضالتها في بدائل جديدة تتمحور خاصة حول تحالف بينها وبين المؤسسة العسكرية

وتراجع نشاط الأحزاب السياسية في الجزائر بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، بشكل يعطي الانطباع بأن تغير خيارات السلطة بشأن وعائها السياسي والاجتماعي قد كبل دور القوى السياسية في البلاد، فما عدا حضورها المحتشم داخل أروقة البرلمان لم يعد الشارع الجزائري على تماس مع الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، رغم حساسية الملفات المطروحة.

ويبدو أن تكريس النظام السياسي الرئاسي منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون نهاية العام 2019، رغم أن الدستور يظهر عكس ذلك، قد ساهم في تراجع دور الأحزاب داخل مختلف المؤسسات خاصة البرلمان والحكومة، في ظل استقواء السلطة بالمؤسسة العسكرية والمجتمع المدني كغطاء سياسي واجتماعي.

وإذا كان الأمر مرتبطا في وقت سابق بذريعة الجائحة الصحية العالمية، وباستثناء المؤتمرات التي عقدها التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية وأخيرا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تحسبا للانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن شللا سياسيا يخيم على البلاد، رغم الملفات الثقيلة المطروحة في مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية.

وإذا كان خمول الأحزاب المعارضة عن العمل الميداني له ما يبرره قياسا بالتراجع المسجل في مجال الحريات السياسية والحزبية، حيث يعاني معظمها من التضييق والملاحقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والاتحاد الاديمقراطي الاجتماعي غير المرخص، وحزب العمال الاشتراكي والحركة الديمقراطية الاجتماعية، فإن وقوع أحزاب الموالاة في نفس النفق يبعث على القلق حسب ناشطين حذروا من مغبة تقزيم دور الأحزاب السياسية.

◙ وقوف الأحزاب إلى جانب السلطة في تمرير مختلف الاستحقاقات لم يشفع لها للحفاظ بمكانتها في الواجهة المعهودة

ويبدو كذلك أن ما يعرف بأحزاب السلطة لم يعد لها مكان في المنظومة الجديدة، مما يوحي إلى أن السلطات قد قررت الاستغناء عنها لشكوكها في الوفاء لها، ولذلك لم تعد العلاقة بينها وبين تلك الأحزاب في مستوى الزخم والحميمية التي كانت في السابق.

ويرى مراقبون أن وقوف هذه الأحزاب إلى جانب السلطة في تمرير مختلف الاستحقاقات بداية من الدستور إلى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية لم يشفع لها للحفاظ بمكانتها في الواجهة المعهودة.

وبغض النظر عن القطيعة المزمنة بين القوى السياسية التقليدية في البلاد وبين الشارع، فإن قطيعة جديدة بصدد التشكيل بينها وبين السلطة، فما عدا الجلسات الشكلية فيما عرف بالمشاورات السياسية التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال الأشهر الأخيرة لتمرير مشروع لم الشمل وبعض القرارات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الأذرع السياسية التقليدية للسلطة تعيش حالة غير مسبوقة من التيهان.

ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن السلطة التي كانت في أمس الحاجة لتلك الأحزاب السياسية من أجل تمرير أجندتها، تكون قد وقفت على حقيقة تقلص الوعاء الشعبي لها، فكل الاستحقاقات الانتخابية التي انتظمت منذ العام 2019، لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها سقف الثلاثين في المئة المشكوك أصلا في صحتها، وهي حقيقة شجعت السلطة على البحث عن بدائل جديدة لها في المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية، وربما التفكير في إطلاق حزب الرئيس كما تردد في وقت سابق، يكون وعاء يجمع أنصاره ومريديه، كما كان للرئيس السابق اليامين زروال مع التجمع الوطني الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي.

ويسود الاعتقاد بأن الأحزاب التي كانت تتصارع على توزيع ريع السلطة في الحكومة والمؤسسات المركزية والمحلية، تكون قد زهدت في ذلك، حيث لم تسجل أي موقف عن غيابها في الحكومتين اللتين شكلهما الرئيس تبون منذ انتخابه نهاية العام 2019، فيما كانت سابقا تبني علاقاتها مع السلطة على ما تحققه من مكاسب في توزيع النفوذ.

4