خناق المعيشة يضيق أكثر على السودانيين مع تبخر الإيرادات

يجمع محللون على أن الحرب السودانية عمقت من استنزاف إيرادات الدولة باعتباره يشكل أبرز معالم تراجع أداء الاقتصاد المنهك أصلا، ما قد يترك الناس في وضعية أشد قسوة قد تستمر لفترة طويلة ويزيد معاناتهم المعيشية عشية حلول شهر رمضان.
الخرطوم - يواجه السودانيون أزمة حقيقية بسبب الشلل الذي أصاب القطاعات الإنتاجية وتوقف حركة الصادرات وتراجع قيمة العملة الوطنية وانخفاض الإيرادات العامة بنسبة 80 في المئة مع اقتراب الحرب من إكمال عامها الأول.
وعمقت الحرب حالة التشاؤم حيال كآبة الاقتصاد في ظل الآفاق المسدودة بعدما صارت السمة الطاغية على الأوضاع في البلد، وأدت إلى حدوث انكماش كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40 في المئة.
ويأتي ذلك بينما جدد برنامج الأغذية العالمي تحذيراته من أن الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهرا “قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم” في بلد يشهد أساسا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي.
ويبدو أن السودانيين أمام موجة غلاء أخرى مع تعرض الجنيه إلى الانهيار وخاصة أنه يؤثر على استخدامات الدولار الجمركي في عمليات الاستيراد التي أضحت شحيحة للغاية قبل أيام من شهر رمضان.
وقال المحلل الاقتصادي السوداني عبدالخالق محجوب “كان للحرب تأثير بالغ في أداء القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي تمثل روافع للاقتصاد السوداني، مثل قطاعات الصناعة، الزراعة، التعدين وقطاع الخدمات”.
وأشار في تصريحات لوكالة شينخوا إلى تراجع أداء القطاع الزراعي والذي يشكل نسبة 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفقا لتقرير صادر مؤخرا عن البنك الزراعي الحكومي، فإن المساحة المزروعة بالبلاد تناقصت بنسبة 60 في المئة عن السنوات السابقة.
وقال عبدالقادر عبدون العضو في اتحاد مزارعي شمال السودان إن القطاع “تأثر بفقدان التمويل ومدخلات الإنتاج من أسمدة وبذور ووقود”.
وأضاف أن شمال البلاد “يعتبر من المناطق الزراعية الرئيسية وبسبب الحرب تناقص نشاطنا هذا العام وتراجعت المساحات بسبب عجز المزارعين عن تمويل عملياتهم وارتفاع أسعار المحروقات والانقطاع المستمر للكهرباء”.
وبسبب تراجع النشاط الزراعي، توقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية بالسودان (أوتشا) في أحدث تقرير له، انخفاض الحصاد القادم، وأن تظل أسعار المواد الغذائية الأساسية مرتفعة على نحو غير معتاد في موسم الحصاد.
وينضاف إلى هذه المعضلة، تراجع حركة الصادرات بنحو 60 في المئة بسبب إغلاق مطار الخرطوم الدولي الرئيسي، وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم الإجمالي 46 مليون نسمة، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين الأربعاء إن “أقل من 5 في المئة من السودانيين يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة في الوقت الراهن”.
وفضلا عن ذلك، تحول السودان بسبب الحرب إلى أشبه بسوق كبير تزدهر فيه تجارة البضائع مجهولة المصدر، وسط مخاوف من أن تلتهم جزءا أكبر من الاقتصاد الرسمي المتداعي أصلا جراء سنوات من الأزمات وفي ظل توسع ظاهرة التهريب عبر الحدود.
وتعيش العديد من الأسواق البعيدة عن الرقابة هذه الفترة على وقع اكتساح الآلاف من السلع المسروقة والمنهوبة والمواد المهربة والتي صارت أحد مظاهر النزاع العسكري بين الفرقاء.
وقال الخبير الاقتصادي أيوب عبدالحفيظ إن الحرب “أدت إلى تراجع في حجم الصادرات في مجالات حيوية مثل الماشية والذهب والصمغ العربي، وأدى ذلك إلى تراجع عائدات تلك الصادرات”.
ويعاني معظم السودانيين وأصحاب الأعمال من التضخم المرتفع والانخفاض الحاد في قيمة الجنيه وتدهور مستويات المعيشة منذ سنوات طويلة.
ويشكو رجل الأعمال السماني عبدالله، الذي يعمل في مجال التصدير والاستيراد كغيره من أصحاب الأعمال من التعقيدات الكثيرة التي أوجدتها الحرب وقلصت من حجم أعمالهم.
80
في المئة حجم انخفاض إيرادات الدولة مع انكماش اقتصادي قدره 40 في المئة
وقال “لقد دمرت الحرب نشاطنا التجاري في مجالي الاستيراد والتصدير، وأدى إغلاق مطار الخرطوم الرئيسي إلى تعطل حركة الصادرات والواردات، والمطار البديل هو بورتسودان وهو بعيد جدا ويزيد من تكاليف النقل والترحيل”.
وأضاف أن “هناك عقبة ثانية تمثلت في قرار وزارة المالية رفع قيمة الدولار الجمركي وهو مؤشر تعرفة الجمارك، حيث بلغ 950 جنيها بدلا من 650 جنيها”.
ورأى عبدالله أن توقف نحو 60 في المئة من فروع البنوك الرئيسية بالبلاد يشل حركة قطاع الاستيراد والتصدير بسبب فقدان التمويل والاعتمادات البنكية.
ومنذ اندلاع القتال في أبريل 2023 يواصل الجنيه السوداني تراجعه المستمر أمام العملات الأجنبية، وخسر الجنيه أكثر من 50 في المئة من قيمته، حيث يتم تداول الدولار حاليا بأكثر من 1250 جنيها، بالمقارنة مع 600 جنيه قبل الحرب.
ووفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، فقد رفعت الحرب معدل البطالة بالبلاد من 32.14 في المئة خلال 2022 إلى 47.2 في المئة عام 2024، فيما توقعت دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأميركي، خسارة 5 ملايين وظيفة في السودان بسبب الحرب.
ووفق بيانات صندوق النقد، ارتفع معدل التضخم إلى 256.17 في المئة، وهو ما يعنى ارتفاعه بنسبة 117.4 في المئة عن مستويات ما قبل الحرب، فيما لم تصدر الحكومة أي تقارير بشأن مؤشر أسعار الاستهلاك في ظل الحرب.