خمول القطاع الخاص المصري يغذي المخاوف من بطء الإصلاحات

نُذر أزمة اقتصادية عميقة مع استمرار تراجع مؤشر مديري المشتريات.
الثلاثاء 2024/01/09
كم إنتاج الخط في الساعة؟

حملت مخاوف خبراء بشأن استمرار انكماش القطاع الخاص المصري وغياب خطة ناجزة للخروج من هذا الوضع سريعا في طياتها الكثير من علامات التشاؤم، ما يُعرض اقتصاد البلاد إلى أزمة عميقة حال استمر خمول الشركات غير الحكومية فترة طويلة.

القاهرة - اتسع نطاق القلق في الأوساط الاقتصادية المصرية بعد بيانات مخيبة للآمال عن القطاع الخاص، مما يعد مؤشرا خطيرا على بطء الإصلاحات، ويناقض تصريحات المسؤولين المتكررة بشأن جهود تمكينه وتوسيع قاعدة مشاركته في التنمية.

وأظهرت قراءة مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز تسجيله 48.5 في ديسمبر الماضي، لتظل أقل من مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.

ويدخل القطاع الخاص غير النفطي بالبلاد عامه الرابع من الانكماش، إذ يعد ديسمبر الشهر الـ37 تواليا، الذي يشهد فيه نشاط الأعمال تراجعا.

وتكمن أهمية المؤشر في أنه يقدم نظرة عامة دقيقة على حالة التشغيل ويظهر ظروف العمل والتشغيل في القطاع غير النفطي، ولذلك يعد من العوامل المهمة التي يستند إليها المستثمر الأجنبي قبل قرار دخول أي سوق.

ويعتمد المؤشر على 5 ركائز رئيسية، هي الطلبيات الجديدة ومستويات المخزون والإنتاج وحجم تسليم المُوردين وبيئة التوظيف والعمل.

إبراهيم الحدودي: التشاؤم يسيطر على أغلب المستثمرين في العام الجديد
إبراهيم الحدودي: التشاؤم يسيطر على أغلب المستثمرين في العام الجديد

وجاء الفتور المقلق في نشاط القطاع رغم اتخاذ القاهرة مجموعة من الخطوات لتحفيز النمو المعلن من جانب رئيس الدولة أو الحكومة، ما يثير تساؤلات بشأن الحاجة إلى حوافز أكثر سرعة وقوة حتى لو خاطرت القاهرة بخفض الإيرادات المحصلة من هذا القطاع.

ويقول محللون إن أحدث البيانات تدل على فتور الطلب بشكل عام في السنوات الماضية وامتداد آثاره إلى الوضع العام في الأسواق وتراجع الاستثمارات وتدهور مستوى المعيشة للسواد الأعظم من المواطنين.

وتزامن البطء مع احتدام أزمة سعر الصرف وشح العملة الأجنبية، وترك السوق الموازية للدولار تزداد توغلا، دون حلول حقيقية سوى التصريحات الرنانة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي التي لا تفيد الاقتصاد، ما يتطلب الحاجة إلى المزيد من الدعم على مستوى السياسات.

وعزز دفع الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تعصف بالقطاع، في أكبر بلد عربي من حيث السكان، من تفاقم ضغوط التضخم، التي أثرت على الطلب وهبطت بثقة الأعمال إلى مستويات قياسية، مع نقص الخامات اللازمة لتشغيل المصانع.

وأدى ارتفاع التضخم إلى خفض طلب الزبائن، بينما تسببت مشكلات الاستيراد التي لم يجر حلها في انخفاض الإنتاج في بعض القطاعات، خاصة بين شركات الجملة والتجزئة.

وتواكب مع ذلك رفع الشركات أسعارها بمعدل أسرع في نوفمبر الماضي، لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج الناجم عن ضعف الجنيه ونقص الإمدادات، بجانب الإجراءات التي تتخذها السلطات إرضاء لصندوق النقد الدولي بهدف تنمية مواردها من دون النظر إلى العواقب.

وتظهر أرقام جهاز الإحصاء تباطؤ التضخم السنوي إلى 34.6 في المئة خلال نوفمبر الماضي، بينما سجل التضخم الأساسي الذي يستثني الوقود وبعض المواد الغذائية المتقبلة 35.9 في المئة.

ويلتهم التضخم ما في جيوب المواطنين ويزداد شراسة من آن إلى آخر، ومن المتوقع أن يتضح ذلك مع بيانات التضخم لشهر ديسمبر بعد قرارات زيادة أسعار خدمات عديدة، منها الكهرباء التي تعني تكاليف إضافية سيتحملها الناس.

37

شهرا على التوالي من التراجع سجلتها ستاندرد آند بورز للأنشطة غير النفطية بمصر

وعرقل تعافي القطاع غير النفطي في ديسمبر، تراجع أسعار البيع من جانب الشركات، ما خفض الإنتاج والطلب من جانب المستهلكين.

وقال خبير الاستثمار إبراهيم الحدودي لـ”العرب” إن “رغم التصريحات الحكومية المتكررة بشأن الإصلاحات ومساندة الشركات، لكن التشاؤم يسيطر على المستثمرين بشأن مستويات الإنتاج خلال العام الجاري”.

وتوقع الحدودي، مدير التصدير بإحدى الشركات الخاصة، استمرار انخفاض الإنتاج مع استمرار التضخم في خفض الطلب ورفع تكاليف المدخلات التي تفاقمت بسبب الأزمات الجيوسياسية، وهبوط سعر العملة المصرية إلى مستويات قياسية.

وعلى الصعيد الإيجابي، في تقرير مؤشر مديري المشتريات، وظفت الشركات عددا أكبر من العاملين في ديسمبر للمرة الأولى منذ سبتمبر 2023 في ظل الجهود المبذولة لتعزيز القدرات الإنتاجية.

وساعدت زيادة أعداد الموظفين في الحفاظ على حجم جيد من الأعمال وعدم التدهور الحاد خلال الشهر الماضي.

وأوضح الحدودي أن نتائج المؤشر تبرهن مدى العراقيل التي تجابه القطاع الخاص وتأثره بالأزمات المتتالية السنوات الماضية، بدءا من أزمة كوفيد، والحرب الروسية – الأوكرانية ومن ثم ضعف سلاسل التوريد وتفاقم أزمة شح العملة.

وخرج مدبولي في هذا الخضم بتصريحات تؤكد نجاح الاقتصاد في التغلب على الأزمة الحالية، وأنه سيعود إلى مساره الصحيح بحلول عام 2025، بعد سلسلة من الأحداث العالمية التي أضرت بالبلاد وأدت إلى خروج النمو عن الطريق الصحيح.

وتباينت توقعات المؤسسات المالية العالمية لنمو الاقتصاد المصري في العام المالي الحالي الذي بدأ في يوليو 2023، إذ جاءت توقعات صندوق النقد والبنك الدوليين متحفظة عند 3.6 في المئة و3.7 في المئة على التوالي.

وجاءت أعلى التوقعات لنمو اقتصاد مصر من قبل مؤسسة سيتي غروب بنسبة 4.4 في المئة للسنة المالية الحالية، لكن الحكومة تتوقع نمو الاقتصاد بنحو 3.5 في المئة.

سعيد يونس: انتعاش نشاط القطاع الخاص مرهون بحل أزمة الدولار
سعيد يونس: انتعاش نشاط القطاع الخاص مرهون بحل أزمة الدولار

ويرى محللون أن مؤشر مديري المشتريات الحالي وخلال السنوات الأخيرة لا يعد مقياسا حقيقيا عن حالة القطاع الخاص، لأنه صادر في فترات استثنائية يشوبها عدم استقرار عالمي، وهو حال عدد من الدول وليست القاهرة وحدها.

وأكد عضو جمعية مستثمري السويس سعيد يونس أن القطاع الخاص يواجه عقبات بسبب الأزمة المتمثلة في شح الدولار والتي بحلها تزول كل العقبات أمام الشركات.

وقال لـ”العرب” إن “الفترة الماضية شهدت وعودا حكومية بتمكين القطاع، لكن شح الخامات الناشئ عن أزمة الدولار يعوق إفساح المجال بشكل أكبر أمامه”.

وتواجه مصر منذ الربع الأول من 2023 أزمة عنيفة تتعلق بشح الدولار، ما تسبب في تفاقم تكدس البضائع في الموانئ، بلغت ذروتها في ديسمبر المنقضي.

وأشار يونس إلى أن موعد حل الأزمة غير معروف، لكنه مرهون بتدفق الاستثمارات الأجنبية ووفرة العملات، وكلها وعود حكومية، وبالتالي يصعب تحديد زمن أو التكهن بانتهاء أزمة شح العملة الأجنبية، طالما لم تتدفق العملات بشكل كبير إلى الأسواق.

وكشف المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء سامح الخشن في أكتوبر الماضي أن إجمالي قيمة البضائع التي تم الإفراج عنها من الموانئ بلغ 53.7 مليار دولار خلال أول تسعة أشهر من 2023.

 

اقرأ أيضا:

      • مساع مصرية لزيادة المبادلات التجارية مع أسواق أفريقيا

11