خلف غضب الصين من زيارة نانسي بيلوسي شعور بانعدام الأمن في تايوان

تثير الزيارات المتعاقبة للمسؤولين الأميركيين إلى تايوان حفيظة الصين التي تعتبرها تدخلا في شؤونها الداخلية إذ أنها تعتبر الجزيرة جزءا من أراضيها. وتراقب بكين بقلق اتساع نطاق التعاون العسكري بين تايبيه وواشنطن وهو ما تعتبره تهديدا لأمنها القومي.
واشنطن - غادرت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الأربعاء تايوان بعد اختتامها زيارة فاقمت من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، فيما يؤكد محللون أن خلف غضب الصين من زيارة بيلوسي لتايبيه شعورا بانعدام الأمن في تايوان.
ويُظهر ردّ فعل الصين الغاضب حيال زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايوان، شعورها بانعدام الأمن حيال موقف واشنطن من الجزيرة، في وقت تمرّ بفترة اقتصادية سيئة. وبيلوسي (82 عاما) التي وصلت إلى تايبيه مساء الثلاثاء، هي أرفع مسؤول أميركي منذ 25 عاما يزور الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءا من أراضيها.
ودبلوماسيا، تعترف الولايات المتحدة بسلطة الصين على تايوان، لكن بكين تستاء من العلاقات الوثيقة بين واشنطن والجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها.
ومنذ 1979 تعترف واشنطن بحكومة صينية واحدة فقط وهي حكومة بكين لكنها استمرت في تقديم الدعم للسلطات التايوانية لاسيما عبر مبيعات الأسلحة الكبيرة. كما تمارس الولايات المتحدة سياسة “الغموض الإستراتيجي” إذ تمتنع عن قول ما إذا كانت ستدافع عن تايوان عسكريا أم لا في حالة حدوث غزو.
◙ واشنطن تمارس الغموض الإستراتيجي إذ تمتنع عن قول ما إذا كانت ستدافع عن تايوان أم لا في حالة حدوث غزو
واتهمت روسيا الحليف الرئيسي للصين، الأميركيين الثلاثاء بـ"زعزعة استقرار العالم" ووصفت زيارة نانسي بيلوسي بأنها "محض استفزاز". وعبرت كوريا الشمالية الحليفة الأخرى لبكين عن “دعمها الكامل".
وفي الأيام التي سبقت الزيارة، وفيما كانت وسائل إعلام تتحدث عن احتمال توجه بيلوسي إلى تايوان دون تأكيد ذلك رسميا، شددت الحكومة الصينية نبرتها، مهدّدة الولايات المتحدة بـ"عواقب".
وفي عطلة نهاية الأسبوع نظّمت بكين مناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة في مضيق تايوان. وزارت بيلوسي تايوان ضمن جولة آسيوية بدأت الاثنين، وتشمل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان.
ومساء الثلاثاء استدعت الخارجية الصينية السفير الأميركي لدى بكين نيكولاس بيرنز، على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب بيلوسي إلى تايوان. وأبلغ نائب وزير الخارجية الصيني شي فينغ السفير الأميركي بأن زيارة بيلوسي لتايوان "شريرة للغاية" وأن عواقبها ستكون "وخيمة جدا".
وفي هذه الأثناء، كتب هو شيجين رئيس التحرير السابق لصحيفة "غلوبل تايمز" الصينية المعروف بلهجته القومية، في تغريدة أن بكين قد "تطرد طائرة بيلوسي بالقوة”، حتى أنها قد "تسقطها". إلا أنّ محللين رأوا أن خلف هذا الخطاب العدائي، هناك حالة انعدام أمن لدى بكين التي تشعر بأنها مهدّدة بمبادرات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للتقرب من تايوان وتشجيع استقلالها.
ويعتزم الرئيس الصيني شي جينبينغ أيضا أن يقوم باستعراض قوة في مواجهة الولايات المتحدة قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الذي يُعقد في الخريف ويُفترض أن ينتخبه لولاية ثالثة كأمين عام للحزب.
والأسبوع الماضي حذّر شي نظيره الأميركي جو بايدن من أنه لا ينبغي على واشنطن أن “تلعب بالنار” في ما يخصّ تايوان. ويعتبر مدير معهد SOAS China في لندن ستيف تسانغ أن "آخر ما يريد الرئيس الصيني كزعيم قويّ، أن يظهره هو علامة ضعف ما".
واللعب على المشاعر القومية هو الإلهاء المثالي في وقت تشهد الصين تباطؤا اقتصاديا كما أن صبر سكانها ينفد بعد أكثر من عامين من القيود الصارمة المرتبطة بسياسة “صفر كوفيد".
ويذكّر محلل السياسة الصينية ويلي لام ومقرّه هونغ كونغ بأن "الحزب الشيوعي الصيني يبني شرعيّته على ركيزتين: النمو الاقتصادي والقومية". وبالتالي فإن التجاذب حول تايوان يسمح بـ"صرف انتباه الرأي العام الصيني عن المشاكل الاقتصادية"، وفق لام.
وتعتبر الصين الجزيرة جزءا لا يتجزّأ من أراضيها ينبغي إعادة ضمّها يوما ما إلى سائر أراضي البلاد، بالقوة إذا لزم الأمر. ويزداد الغضب في بكين بسبب التقرب في السنوات الأخيرة بين واشنطن وتايبيه.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة لي مينغجيانغ أن منذ أن كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب في الحكم في الولايات المتحدة، يعتقد البعض في بكين أن الولايات المتحدة تؤيد أكثر فأكثر “استقلال تايوان”.
◙ وراء الخطاب العدائي توجد حالة انعدام أمن لدى بكين التي تشعر بأنها مهدّدة بمبادرات واشنطن وحلفائها الغربيين للتقرب من تايوان وتشجيع استقلالها
وتشير الصين إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تحترم ما تعتبره مبدأ جوهريا في العلاقات الثنائية وهو سياسة “صين واحدة”. وتندّد ببيع أسلحة أميركية إلى تايبيه وبتزايد وتيرة الزيارات الرسمية إلى تايوان من جانب مسؤولين سياسيين أميركيين و أخرين غربيين.
ويوضح ويلي لام أن شي جينبيغ “بدأ ينفد صبره ويشعر بالغضب لرؤية مسؤولين كبار… ليس فقط من الولايات المتحدة إنما أيضا من اليابان والاتحاد الأوروبي يزورون تايوان”. وفي الوقت نفسه، يطالب جيل الشباب في تايوان بشكل متزايد بهوية مختلفة عن الهوية الصينية.
ويرى لي مينغجيانغ أنه إذا أضفنا إلى ذلك واقع أن حزبا مؤيدا للاستقلال يشارك في الحكم في تايبيه منذ العام 2016، فإن “ملف تايوان لا يبدو جيّدا على الإطلاق” بالنسبة إلى القادة الصينيين.
ويضيف أن خطاب بكين العدائي يهدف إذًا إلى “تجنّب أن تتطوّر العلاقات بين ضفّتي المضيق وبين الولايات المتحدة وتايوان في اتجاه يطرح مشاكل أكثر للصين القارية”.
ورغم كلّ شيء، يعتبر معظم المراقبين أن اندلاع نزاع مسلّح في الوقت الحالي غير مرجّح. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سون يات – سين الوطنية في تايوان تيتوس شين أن “آخر ما يريده شي جينبينغ هو اندلاع حرب عن طريق الخطأ”.
وذكرت سلطات تايوان ليل الثلاثاء والأربعاء أن 21 طائرة عسكرية صينية دخلت منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة، وهي منطقة أكبر بكثير من مجالها الجوي.
ودانت وزارة الدفاع التايوانية "محاولة تهديد موانئنا ومدننا وتقويض السلام والاستقرار الإقليميين من جانب واحد". وأضافت أن "الجيش سيبقى بالتأكيد في مكانه وسيحمي الأمن القومي، ونطلب من الجمهور الاطمئنان ودعم الجيش".
وجاءت تصريحات الناطق باسم وزارة الدفاع التايوانية بعيد بيان للوزارة أكد الأربعاء أن التدريبات العسكرية الصينية تهدد الموانئ الرئيسية والمناطق الحضرية في الجزيرة، ووعدت بـ”تعزيز” الدفاعات والرد بحزم.