خلفيات سياسية تحكم نقاشا عراقيا بشأن مسار طريق التنمية

قوى شيعية تعمل على تقليل مكاسب الحزب الديمقراطي الكردستاني من مشروع الطريق.
الخميس 2024/06/13
الأساسيات حسمت وما بقي تفاصيل

بغداد - أظهر النقاش الدائر في العراق حول المسار الذي سيسلكه طريق التنمية المزمع إنشاؤه بشراكة عراقية – تركية – إماراتية – قطرية، وتحديدا حول نقطة عبوره نحو الأراضي التركية، دخول المشروع مرحلة مناقشة تفاصيله العملية.

لكنّ الخوض في مسألة المسار كشف أيضا عدم انفصال النقاش عن اعتبارات سياسية، حيث من المتوقّع أن تدفع جهات فاعلة على الساحة العراقية باتجاه تحديد مسار للطريق يتوافق مع مصالحها وخلفياتها والمشاريع المنخرطة في خدمتها.

وبدأ النقاش يكشف عن رغبة قوى سياسية وفصائل مسلّحة في جعل الطريق يمر بغرب الموصل لتفادي قطعه مسافة طويلة داخل أراضي إقليم كردستان العراق.

وتنتمي غالبية تلك القوى إلى العائلة السياسية الشيعية ومنها ما يوصف بأنّه ذراع لإيران في العراق. ولا يُستبعد أن تكون تلك الأحزاب والفصائل قد أقامت تصوّرها لمسار طريق التنمية في ضوء علاقتها المتوتّرة بالحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لسلطات إقليم كردستان، ورغبتها من ثمّ في حرمانه من المكاسب التي ستتأتى له من وراء مرور المشروع الضخم من مناطق نفوذه في الإقليم.

نبيل العلي: بغداد تريد مسارا لطريق التنمية يجعلها متحكمة فيه
نبيل العلي: بغداد تريد مسارا لطريق التنمية يجعلها متحكمة فيه

وتستطيع القوى الشيعية بفضل نفوذها الكبير داخل حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني فرض الكثير من رؤاها على سياسات الدولة، لكنّها تحظى بفرصة إضافية لتمرير منظورها بشأن مسار طريق التنمية الذي تعتبر تركيا شريكا أساسيا فيه وقد تتوافق مع ذات المنظور من زاوية أنّها لا تريد رهن مشروع بتلك الأهمية الإستراتيجية بيد الأكراد الذين يظلون بمثابة أعدائها القوميين رغم كل ما تحقّق من تحسّن في علاقتها بأسرة آل بارزاني وحزبها الديمقراطي.

ولم تنقطع تركيا، وخصوصا في عهد النظام الحالي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في العمل على حرمان أكراد العراق والمنطقة من تحقيق أي مكاسب إستراتيجية من شأنها أن تسندهم في مسعاهم لتأسيس دولة قومية لهم.

وتجلّى ذلك في الرفض التركي الصارم والمستمر لضمّ محافظة كركوك العراقية الغنية بالنفط إلى الإقليم الكردي، كما تجسّد في تعاون أنقرة مع بغداد وطهران على إحباط الاستفتاء الذي  نظمه أكراد العراق على استقلال إقليمهم سنة 2017 ومشاركتها في فرض عقوبات على حكومة الإقليم.

ويمكن لتركيا أن تكون أصلا مستفيدة من مساعي جعل طريق التنمية يمر بغرب الموصل حيث يقع قضاء سنجار الذي تسعى أنقرة إلى إخلائه من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

ويمكن لحكومة أردوغان أن تجعل من إخراج هؤلاء المقاتلين من القضاء أساسا لمفاوضاتها مع حكومة السوداني بشأن تحديد مسار الطريق.

وكشف محافظ نينوى عبدالقادر الدخيل الذي ستكون محافظته ممرا ضروريا لطريق التنمية سواء عبر شرقي الموصل أو غربيها عن انطلاق المفاوضات بين الحكومتين العراقية والتركية لتحديد نقطة دخول الطريق من العراق إلى تركيا.

وقال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية إنّ “الطريق يمثل مشروعا إستراتيجيا للعراق وللشرق الأوسط ولدول عديدة، ويمر مسافة خمسمئة كيلومتر داخل نينوى، وتشرف وزارة النقل حاليا على تصاميم المشروع ومسار الطريق”. وأضاف “إذا مرّ الطريق في شرق الموصل أو غربها فإن المحافظة ستستفيد كثيرا من المشروع”. كما أوضح المحافظ أن سلطات إقليم كردستان العراق تنسّق مع بغداد وأنقرة بشأن المسار المحتمل للمشروع.

عبدالقادر الدخيل: الموصل مستفيدة سواء مرّ الطريق شرقا أو غربا
عبدالقادر الدخيل: الموصل مستفيدة سواء مرّ الطريق شرقا أو غربا

ويجد الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لحكومة الإقليم في مشروع طريق التنمية فرصة نادرة لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، إلى جانب مكاسب سياسية لا تقلّ أهمية على رأسها ترسيخ وجوده كطرف أساسي في المعادلة الإقليمية بأن يصبح شريكا لدول فاعلة في مشروع بتلك الأهمية.

وعلى الطرف المقابل تعمل أحزاب وفصائل شيعية ذات نفوذ في العراق على حرمانه من ذلك في ضوء منظورها ومنظور حليفتها إيران إلى الحزب باعتباره حليفا للولايات المتحدة ومساعدا لها على ترسيخ نفوذها في العراق.

وأشار رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني خلال استقباله مطلع الأسبوع الجاري القنصل العام التركي لدى الإقليم إلى أهمية تنفيذ مشروع الطريق مؤكّدا على ضرورة مشاركة الإقليم في ذلك.

وسيربط طريق التنمية بين ميناء الفاو المطل على مياه الخليج جنوبي العراق، والحدود التركية شمالا، وذلك على امتداد  بـ1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية.

وسبق لمدير المكتب الإعلامي لوزارة النقل العراقية ميثم عبدالصافي أن كشف عن الشروع في إنجاز التصاميم الأولية لمشروع الطريق، قائلا إنّ هناك تنسيقا بشأن ذلك مع وزارة النقل التركية وكذلك وزارة النقل في حكومة كردستان العراق.

من جهتها تخوض الدوائر السياسية والإعلامية العراقية نقاشا موازيا بشأن مشروع الطريق، بما في ذلك المسار الذي سيسلكه. وتعمل تلك الدوائر على صياغة رؤاها الخاصة بالمشروع في شكل تقني لتجنّب التصريح بدوافعها السياسية.

وقال الخبير الاقتصادي العراقي نبيل العلي إنّ المفاوضات التي تجري بين الحكومة الاتحادية وتركيا وممثل عن إقليم كردستان حول طريق التنمية، هي من أجل تحديد نقطة عبور الطريق إلى تركيا.

وأضاف متحدّثا لوكالة المعلومة الإخبارية أنّ حكومة السوداني “لا تسيطر على المنافذ الحدودية بإقليم كردستان، وهذه عقدة كبيرة في مشروع طريق التنمية، ومصدر قلق من عوامل طارئة قد تحدث مستقبلا تؤثر على المشروع”.

وأوضح أن “الحكومة اقترحت إنشاء مسار آخر، ليكون طريق التنمية ذا مسارين ولتحجيم أيّ عامل سياسي في التحكم به مستقبلا”، مبينا أنّ “المسارين متوازيان وبطول 25 إلى 50 كيلومترا، وأنّ الأول سيكون داخل الإقليم والثاني عبر محافظة نينوى في سنجار تحديدا، لتكون الحكومة الاتحادية هي من تتحكم بالطريق بعيدا عن أي مشاكل ربما تحصل مستقبلا”.

3