خلايا مسلحة في الضفة تتمرّد على خيارات السلطة الفلسطينية

رام الله - خلال الاشتباكات والمواجهات التي حصلت في الضفة الغربية على مدى عقود بين مجموعات فلسطينية مسلحة والجيش الإسرائيلي، كانت تلك الفصائل معروفة بانتماءاتها السياسية والأيديولوجية. ولكن الآونة الأخيرة شهدت ظهور جيل جديد من المقاتلين الذين ليست لديهم أي ارتباطات أو انتماءات حزبية.
وإذا كان "عرين الأسود" هو أبرز تلك التنظيمات الجديدة التي لا يخضع أفرادها لانتماءات سياسية واضحة، فإن هناك خلايا وتنظيمات أخرى برزت على الساحة، ولاسيما خلال الشهرين الماضيين، اللذين شهدا تصاعدا كبيرا في أعمال العنف والاشتباكات المسلحة.
ويرى المقاتل الفلسطيني محمد أبوذراع، والذي يعد من أبرز المطلوبين للجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، أن "الأسماء (الخلايا الجديدة) ليست مهمة"، مشيرا إلى أنه والمسلحين الذين يعملون تحت إمرته في نابلس ليست لديهم أي ارتباطات سياسية.
وكان أبوذراع قياديا في كتائب الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، والتي كانت قد حلت نفسها عقب انتهاء الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية في فبراير من العام 2005. ومؤخرا، شارك أبوذراع في معركة بالأسلحة النارية استمرت لساعات مع جنود إسرائيليين داهموا وسط مدينة نابلس، في واحدة من أكثر المواجهات دموية التي حدثت في المدينة منذ سنوات.
وقال أبوذراع إن الجماعات المسلحة التي ظهرت على السطح مؤخرا غير مركزية، لافتا إلى أن الجيش الإسرائيلي عندما داهم نابلس، جاء مقاتلون من جنين لمساعدتهم. ومع توقف غبار المعارك في تلك الليلة، كان فصيل مستقل جديد قد أعلن عن تشكليه في محافظة طولكرم عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت مسمى "أقصى الشمال".
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان سابق إنه "يعمل في واقع عملياتي معقد في الضفة الغربية”، ويواجه "أعمال شغب عنيفة وأعمالا إرهابية يوميا"، بما في ذلك "عبوات ناسفة وقنابل مولوتوف وأحجار". وأوضح الجيش الإسرائيلي في بيانه أنه يستخدم “وسائل تفريق الشغب ويلجأ إلى الذخيرة الحية عند الضرورة القصوى".
وبحسب خبراء وأكاديميين فلسطينيين، فقد ألهمت فصائل مستقلة مثل "عرين الأسود" و"لواء بلاطة" الكثير من الشبان لتشكيل خلايا صغيرة خاصة بهم، كما حدث في يناير الماضي عندما شكل خمسة أصدقاء من مخيم عقبة جبر للاجئين خلية مسلحة في أريحا، وهي مدينة هادئة في العادة وتعتبر معقلا للسلطة الفلسطينية، وتهيمن عليها حركة فتح.
واعتاد الشبان الخمسة التحدث مرارا عن "الاستشهاد والمقاومة"، على حد قول سعدية عوضات (70 عاما)، وهي جدة الأخوين رفعت (21 عاما) وإبراهيم عوضات (27 عاما)، وأبناء عمومتهما أدهم (22 عاما) وثائر عوضات (28 عاما)، بالإضافة إلى خامسهم صديقهم، مالك لافي، وهم جميعا كانوا مطلوبين لإطلاقهم النار على مطعم في إحدى المستوطنات.
وفي السادس من فبراير الماضي، تمكنت وحدة إسرائيلية من قتل الشبان الخمسة بعد محاصرتهم في أحد البيوت، ولتسارع بعدها حركة حماس إلى رفع راياتها على منزل لافي بعد ساعات على مصرعه. ووصف الجيش الإسرائيلي تلك المجموعة المسلحة بأنها "خلية إرهابية تابعة لحماس"، دون أن يكشف عن أي أدلة تؤكد ذلك.
وعن رأيها في هذه الظاهرة الجديدة من نشوء جيل مسلح غير مرتبط مباشرة بأي تنظيمات، تقول نووا شوسترمان، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث في تل أبيب، "أضحى بالإمكان أن تجد مجموعات من المسلحين الذين ينتمون إلى خلفيات أيديولوجية مختلفة ينصهرون في بوتقة جديدة، بل إن بعضهم لم تكن لديه أي انتماءات سابقة أو حالية”. وتابعت "في النهاية يريدون تنفيذ نفس المهمة".
وأوضحت "هذه الجماعات الجديدة عادة ما تدخل في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية التي تدخل مخيماتها، أو تسعى لضرب أهداف عسكرية في الغالب مثل نقاط التفتيش والحواجز". وأضافت "على الرغم من ذلك فإننا نرى أحيانا أنها تهاجم أهدافا مدنية".
وأما الباحثة الفلسطينية تهاني مصطفى، الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية، فتقول "إن بعد عقود على اتفاقيات أوسلو، فإن هناك إحباطا عاما ويأسا واسع النطاق قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية أخرى".
◙ المجموعات المسلحة تمثل تمردا على خيارات السلطة الفلسطينية وتفرض عليها تحديات في ظل ما تشكله من حاضنة شعبية للنضال الشعبي
وأضافت مصطفى "أعتقد أنها (الانتفاضة) ستكون أكثر دموية، وأكثر انتشارا وغير مركزية”، في إشارة إلى أن الفصائل المسلحة التي ظهرت أو سوف تظهر في المستقبل لن تكون خاضعة لقرارات التنظيمات الفلسطينية التقليدية.
وينظر إلى مجموعة "عرين الأسود" وأمثالها من المجموعات المسلحة على أنها تمثل تمردا على خيارات السلطة الفلسطينية وتفرض عليها تحديات، في ظل ما تشكله من حاضنة شعبية أكثر ميلا لاستعادة زمام المبادرة للنضال الشعبي، وسط واقع اقتصادي سيء وأفق سياسي غير مبشر.
كما أنها تمثل أقوى إشارة إلى تراجع مكانة الفصائل التقليدية وعجز بنيتها التنظيمية والسياسية عن إحداث اختراقات في المشهد الفلسطيني، في ظل تكرس الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2007.
واعتبر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أودي ديكل في ورقة تقدير موقف، نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن ظاهرة “عرين الأسود” تشكل إشارة أخرى إلى إسرائيل بأنها لن تكون قادرة على احتواء الأراضي الفلسطينية إلى الأبد. كما أنها تعبير آخر عن “ضعف” السلطة الفلسطينية.
ورأى ديكل أن النهج الإسرائيلي الذي يستند أساسا على الاستخدام المتزايد للقوة، استهلك أغراضه، وهناك حاجة إلى جهود جديدة إلى جانب الاستعدادات لسيناريوهات عديدة قد تنتج عن التطورات الحاصلة، منها مبادرة شعبية شاملة قد تؤدي إلى تغيير القواعد الحالية للعبة.