خلاف داخلي جديد يخترق صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني على أعتاب انتخابات مفصلية

إجراءات ضد ملا بختيار تضعه على طريق لاهور شيخ جنكي في تأسيس قوة منافسة للاتحاد في معاقل نفوذه.
السبت 2024/09/07
بختيار على طريق شيخ جنكي

ما يتفجّر بين حين وآخر من صراعات داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المشارك في حكم إقليم كردستان العراق، ويؤدي إلى انشقاق قيادات وازنة عنه وتشكيلها قوى منافسة له في مناطق نفوذه، يضع في دائرة الشك إمكانية تحقيق ما تعلنه قيادات الحزب من طموح لقلب معادلة الحكم في الإقليم لمصلحته على حساب غريمه التاريخي الحزب الديمقراطي الكردستاني.

السليمانية (العراق) - أطلقت مداهمة القوات الأمنية التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لمؤسسة ثقافية يديرها أحد الزعماء التاريخيين للحزب ومصادرتها، شرارة صراع داخلي جديد في صفوف الاتّحاد وذلك في لحظة غير مناسبة يستعد خلالها لخوض انتخابات برلمانية رفع من سقف طموحاته بشأن نتائجها متوعّدا بإنهاء هيمنة غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني على مقاليد السلطة في إقليم كردستان العراق.

وأعلنت مؤسسة “جاودير” الثقافية والإعلامية التي تصف نفسها بالتنويرية عن تعرض مقر فرعها الثقافي “إشعاع” بحي المهندسين في السليمانية وكذلك المقر السياسي لصاحبها ملا بختيار لمداهمة نفذتها قوة كوماندوز تابعة للاتحاد الوطني وسيطرت خلالها على المقرين واستولت على محتوياتهما.

ويعتبر بختيار أحد أقدم قيادات حزب الاتّحاد الذي لا يزال ينتمي إليه صوريا رغم ما يعلنه من مواقف مستلقة عنه.

وعلى الرغم من ذلك يعتبر طرده من الحزب بشكل عملي ومعلن إجراء في غير مصلحة حزب الاتّحاد الذي شهد بعد وفاة زعيمه الرئيس الأسبق جلال طالباني صراعات داخلية وواجه نزيف قيادات، الأمر الذي أدّى إلى خلق قوى منافسة له داخل مناطق نفوذه بمحافظة السليمانية كما هي الحال بالنسبة للاهور شيخ جنكي الذي أفضى استبعاده من الرئاسة المشتركة التي كانت معتمدة سابقا في الحزب، إلى تأسيسه تيارا سياسيا جديدا سيخوض الانتخابات القادمة تحت مسمى جبهة الشعب.

ويأتي ذلك بينما يحافظ الحزب الديمقراطي الغريم الأكبر للاتحاد الوطني على تماسكه في مناطق نفوذه بمحافظتي أربيل ودهوك، الأمر الذي يجعل من حديث قيادات حزب الاتحاد عن قلب معادلة السلطة في إقليم كردستان العراق، وصولا إلى انتزاع منصب رئيس حكومة الإقليم من يده، مجرّد دعاية انتخابية.

غياث سورجي: بختيار مستاء منذ ترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية
غياث سورجي: بختيار مستاء منذ ترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية

وقال بافل جلال طالباني رئيس حزب الاتّحاد مؤخرا إنّه من دون موافقة حزبه “لن يتسلم مسرور بارزاني (القيادي في الحزب الديمقراطي ورئيس الحكومة الحالية) حتى منصب مدير عام”.

ويستند حزب الاتّحاد على شبكة علاقات متينة طورتها قيادته الجديدة مع قوى شيعية ذات نفوذ كبير في الدولة الاتحادية العراقية على غرار ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي الذي تحوّل إلى رقم صعب في السلطة التي تقودها قوى الإطار التنسيقي الشيعي، لكن ذلك يظلّ بحسب مراقبي الشأن السياسي لإقليم كردستان العراق، غير كاف لحزب الاتّحاد لإزاحة الحزب الديمقراطي من مكانته المتقدمة في قيادة تجربة الحكم الذاتي في الإقليم.

وبحسب هؤلاء فإنّ الصراعات الداخلية التي تهز صفوف الاتحاد الوطني تضعف من موقفه خصوصا وأنّها تلغي حالة تعدّد الأصوات داخله والتي عرف بها منذ تأسيسه، كما تُقلّص من بعده الثقافي والفكري الذي كانت تمثله مؤسسات وشخصيات مثل ملا بختيار، وكان يُعتبر إحدى نقاط قوته وسببا في شعبيته.

وقال بختيار الذي سبق له أن شغل عضوية المجلس السياسي الأعلى والمصالح في الاتحاد الوطني الكردستاني إنّ الاستيلاء بالقوة على مؤسسة جاودير “يشكل خطرا كبيرا وتوجّها نحو سيناريو مخيف”.

وأضاف في شريط بثه على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ المؤسسة من “الكيانات داخل الاتحاد الوطني الأكثر إخلاصا له”.

وذكّر بأنه “قبل عامين من المؤتمر الرابع للحزب (انعقد أواخر سنة 2019) أخبرت كوسرت رسول (قيادي في الحزب) بأن الاتحاد في وضع خطير، وأن هذا الاتحاد لا يمكن حمايته بالقوة المسلحة، وأنّه يتجه نحو الفوضى، متجاوزا جميع الخلافات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والقومية مع جميع الأطراف السياسية”.

وأضاف “في أغسطس الماضي قرر بافل طالباني مع العسكريين وغير العسكريين أن يأتوا إلى منزلي في خانقين، وهو بيتي الشخصي”، محذّرا “من أن أي إجراء ضد مؤسسة جاودير أو منزلي في خانقين هو تعد واضح على الحرية وخيانة للتاريخ السياسي للأكراد”.

كما اعتبر بختيار أنه لا يزال منتميا إلى حزب الاتّحاد قائلا إنّه من بين الأكثر وفاء له وإنّه “يعمل بجد لحل القضايا بين الحزب وبقية الأطراف”.

لكن القيادي في الاتحاد غياث سورجي قال إنه “سيتم طرد ملا بختيار من الحزب”، مستدركا بأن “الأمر يحتاج إلى اجتماع المجلس القيادي للاتحاد الوطني والتصويت على القرار”.

ورغم وصف سورجي لبختيار بأنّه “شخصية مناضلة وقديمة”، فقد اتهمه في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية بالخروج مبكرا عن صفوف الاتحاد قائلا إنّه “شكل سرّا منذ عدّة عقود تيارا باسم راية الثورة وانكشف أمره واعتقل، وقيادة الاتحاد الوطني وعلى رأسها جلال طالباني آنذاك عفت عنه”.

كما اتّهمه بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، مشيرا إلى أنّه بعد سنوات من ذلك “أصبح هو مسؤول الهيئة العاملة في الاتحاد، وفي فترة مرض طالباني كانت كل أمور الحزب بيده”.

وقال إنّ “بعد المؤتمر الرابع تم إقرار تشكيل هيئة عليا لمصالح الاتحاد تضم القيادات الكبيرة وعلى رأسها بختيار لكنه غضب بعد ترشيح الاتحاد الوطني لبرهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية وكان يطمح لتولي المنصب”، مضيفا قوله “بختيار كان يتولى رئاسة الأمور المالية والإدارية للحزب وأسس مؤسسة تحت مسمى جاودير وهذه المؤسسة بدأت تهاجم الاتحاد الوطني ليلا ونهارا”.

وأوضح أنّ “هذه المؤسسة كانت لها فروع في خانقين أيضا وكل أجهزتها وبناياتها من أموال الاتحاد الوطني. والمؤسسة كانت تستخدم برامجها وأخبارها والكتابات ضد
الاتحاد الوطني ولصالح خصوم الحزب”.

وتابع قوله “ملا بختيار يريد تشويه صورة الاتحاد الوطني رغم كل صبر الحزب وتضحياته، والآن نحن أمام انتخابات مصيرية والمؤسسة مستمرة في مهاجمة الاتحاد”.

وعن مسوغات مصادرة مؤسسة “جاودير” (المراقب) قال سورجي “وفقا للمنهاج الداخلي فإن الإدارة المالية في الحزب تقدمت بشكوى لغرض استرداد المؤسسة لأنها عائدة له، وبناء على هذا الأمر سيطرت قوة أمنية على البناية، وسيتم حجز ممتلكات هذه المؤسسات في خانقين باعتبارها أموالا عائدة للاتحاد”.

اعتماد حزب الاتحاد على شبكة علاقاته مع القوى الشيعية النافدة غير كاف لقلب معادلة الحكم في كردستان العراق

وبدأت إجراءات حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني ضد ملا بختيار ومؤسسته يجرّ على الحزب مواقف سلبية لن يكون من الصعب على خصومه ومنافسيه وفي مقدمهم الحزب الديمقراطي الكردستاني استثمارها ضدّه انتخابيا.

وأعربت هيئة حقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق، الجمعة، عن قلقها “البالغ من اعتداء قوة أمنية على مؤسسة جاودير الثقافية في السليمانية”.

وقالت الهيئة في بيان “وفقا للمعلومات التي تم الإعلان عنها من قبل السياسي ملا بختيار، قامت قوة أمنية باقتحام مكتب مؤسسة جاودير ومصادرة ممتلكاتها ومحتوياتها، وقد بررت هذه القوة تحركها بأنه جاء بناء على أمر تفتيش من جهة معينة”.

واعتبرت الهيئة أن “استخدام القوة والاستيلاء على ممتلكات خاصة لمؤسسة ثقافية يعتبر تجاوزا للإجراءات القانونية والمدنية، ولا يتماشى مع الضوابط التي تكفل حرية التعبير والعمل الثقافي”.

وأكدت أن “مثل هذه الإجراءات تشكل انتهاكا لأسس حرية الفكر والثقافة”، داعية إلى “حل الأزمة وفق القانون ودون المساس بحقوق الأفراد والمؤسسات المعنية”.

كذلك أصدرت لجنة حماية حقوق الصحافيين التابعة لنقابة صحافيي كردستان العراق، الجمعة، بيانا ربطت فيه بين ما تعرضت له مؤسسة جاودير والوضع السياسي العام في الإقليم قائلة “بينما يمر إقليمنا بوضع حساس ونحن نتجه نحو إجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان، يواجه المواطنون حالة من عدم الاستقرار النفسي بسبب التوترات السياسية في السليمانية”.

كما أدانت اللجنة في بيانها أي سلوك مماثل لما تعرضت له مؤسسة جاودير قد تتعرض له أي مؤسسة ثقافية وإعلامية أخرى، معتبرة أنّه يمثّل تهديدا لحرية التعبير وللحركة الثقافية للشعب الكردي.

وطالبت “بوقف مثل هذه التصرفات وإعادة فتح المؤسسة للعودة إلى عملها لأن ما تم ضدّها هو انتهاك للقانون والمبادئ الأخلاقية وحرية التعبير، بالإضافة إلى خلقه حالة من عدم الاستقرار والقلق والإحباط لدى أهالي مدينة السليمانية”.

3