خلافات حقيقية أم لعبة سياسية لتوزيع الأدوار داخل الإخوان في مصر

جماعة الإخوان ترمم قوتها بافتعال الأزمات وادّعاء حلها ديمقراطيا.
الثلاثاء 2021/10/12
تنظيم يناور كي لا يخسر شعبيته

أثارت الخلافات المتصاعدة بين جبهتي إبراهيم منير القائم بعمل مرشد الإخوان ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، تفاؤلا بقرب نهاية جماعة الإخوان في مصر بعد فشل كل محاولات الصلح بين قياداتها وحتى بين كوادرها وقواعدها الشابة، لاسيما بعد تغيّر الموقف التركي الباحث عن أي فرصة للتقارب مع مصر، في حين رأى بعض المحللين في هذه الخلافات مجرّد تمويه معتاد تقوم به الجماعة لاستعادة قوتها.

القاهرة - يشكك متابعون في حقيقة ما يجري في صفوف جماعة الإخوان من خلافات بين جبهتي القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير والقيادي محمود حسين، ووصلت لحد إعلان الأول تحويل الثاني وخمسة من المتحالفين معه إلى لجنة تحقيق تمهيدا لفصلهم، بينما يقول آخرون إنها بداية النهاية لتنظيم حديدي تمدد أكثر من اللازم وشاخت قياداته في مقاعدها.

غير أن مصادر قريبة من الجماعة كشفت أن ثمة لعبة لتوزيع الأدوار يلجأ إليها التنظيم أحيانا كوسيلة للقفز على جراحه السياسية، ولا توجد خلافات بالمعنى الدقيق للكلمة تؤدي للانهيار، لأن الجماعة تُحكم بصورة صارمة ولا تسمح تركيبتها بالخروج عن طوع قيادتها، ربما يوجد هامش للخلاف في الرؤى لكن لا يؤدي إلى قطيعة تامة أو عراك حقيقي.

مناورة سياسية

سامح عيد: الخلافات بين الإخوان قد تتسبب في انهيار التنظيم كليا

شبهت المصادر التي تحدثت لـ”العرب” ما جرى من مناكفات بين جبهتي منير وحسين بأنه “تمثيلية سياسية غرضها الإيحاء بأن الجماعة ديمقراطية وتتشكل من هيراركية تسمح بإعمال القانون وتقوم بالتحقيق مع عناصرها قبل اتخاذ إجراءات الفصل”.

وأضافت المصادر ذاتها أن هناك أجواء عامة تسود المنطقة جعلت الجماعة في موقف ضعف سياسي ولا تحظى باهتمام دوائر كانت مغرمة بها سابقا، ما دفع بعض القيادات إلى تصعيد الخلافات وتصويرها على أنها تمر بمشكلات قد تعصف بهياكلها.

ويرمي تكريس هذه الحالة إلى استعادة البريق من باب العزف على وتر الأزمات التي تجذب انتباه بعض وسائل الإعلام للجماعة، لذلك سيظل خلاف منير – حسين يدور في حلقات متسلسلة، بدأت بالتباين في وجهات النظر وقد تصل إلى الفصل.

وأعلن منير الأحد إحالة ستة من قيادات الجماعة إلى التحقيق، وهم: محمود حسين ومدحت الحداد ومحمد عبدالوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك بسبب “مخالفتهم لائحة الجماعة وإيقاف نشاطهم ومنعهم من ممارسة أي تصرفات إدارية أو مالية”.

وتتحدث دوائر إعلامية عن خلاف محتدم بين الجبهتين حول سعي كليهما للسيطرة على شؤون الجماعة وأموالها بعد قيام أجهزة الأمن المصرية بالقبض على القيادي محمود عزت وإيداعه السجن، وتولى منير مهام القائم بأعمال مرشد وزعيم الجماعة بعد سجن عدد كبير من قياداتها لتورطهم في أعمال عنف وإرهاب وقعت في مصر.

وظهرت خلافات على السطح مؤخرا بين جبهتي منير وحسين عقب حدوث تغير نسبي في موقف تركيا وتحسن علاقاتها مع مصر، أدى إلى ارتباكات في صفوف الجماعة التي أخذت تفقد السيطرة على بعض كوادرها وشبابها الذين حملوا القيادات مسؤولية ما وصلت إليه من تدهور على صعيدي الأداء الحركي والسياسي.

ويخدم الحديث المتواتر حول الخلافات داخل الجماعة خطة أنقرة في التنصل من مطالب القاهرة بشأن تسليم بعض الأسماء المنتمية للإخوان وصدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية ويقيمون على الأراضي التركية.

وينطوي النفخ السياسي في الصراع بين منير وحسين على مضمون يشير إلى أن الجماعة تتحلل من داخلها ما قد يخفف ضغوط مصر على تركيا في الجولات المقبلة من المفاوضات الاستكشافية التي يمثل ملف الإخوان بجانب ليبيا عصبها الرئيسي.

وتعتقد أنقرة أن القاهرة يمكن أن تقتنع بهذا النوع من الأحداث التي تقوم الجماعة باللجوء إليها وقت الأزمات كي تضع ملفها على الرف أو تعتبرها ورقة هامشية واستنزفت أغراضها، على أمل أن تكتفي بما اتخذته من إجراءات بحقها في مجالي التضييق السياسي والإعلامي عليها.

بداية النهاية

  الجماعة تفقد السيطرة على بعض كوادرها وشبابها الذين حملوا القيادات مسؤولية التدهور على صعيدي الأداء الحركي والسياسي
 الجماعة تفقد السيطرة على بعض كوادرها وشبابها الذين حملوا القيادات مسؤولية التدهور على صعيدي الأداء الحركي والسياسي

قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد لـ”العرب” إن الخلافات الراهنة بين القيادات كبيرة وغير مسبوقة، حيث كانت تدور من قبل بين جيل الوسط والقيادات ويتم التغلب عليها سريعا، لكن الحاصل الآن أنها بلغت ذروتها في الهرم التنظيمي.

وأوضح أن المعارك الدائرة بين جبهتي منير وحسين مرتبطة باتهامات موجهة للأخير حول فساد مالي باعتباره المسؤول عن الملف الاقتصادي داخل التنظيم، وتمت إحالة مجموعة من التابعين له للتحقيق تمهيدا لفصلهم بعدما رسموا خطة لعزل  منير، في خطوة انتقامية لها انعكاسات بالغة على التنظيم برمته، وقد تتسبب في انهياره كليّا.

ولفت عيد إلى أن جزءا مهمّا في الخلافات وقع بسبب تأييد الإخوان لحزب السعادة التركي ومحاولة دعمه ماليا وتنظيميا مكايدة في تصورات الرئيس رجب طيب أردوغان السياسية، وردا على تقاربه مع القاهرة.

وأمام تلويح حزب أردوغان بالتصعيد لجأ منير إلى حل المكتب الإداري للإخوان ووقف الانتخابات الداخلية إرضاء لأنقرة، ما تسبب في حالة تذمر بين الجبهتين وصلت لسعي كليهما للانتقام من الآخر، بما يقود إلى تشرذم قد يصعب ترميم تبعاته.

ويقول خبراء أمنيون في مصر إن ما يدور من خلافات بعضه حقيقي ولا يعني انشقاقا داخل جسم الجماعة أو انهيارا كاملا لها، لأن كل طرف يريد تحسين موقفها بما يتبناه من رؤى، والهدف واحد ويصب في خانة تقوية شوكة تنظيم تعرض لهزات عنيفة الفترة الماضية.

وتلجأ الجماعة دوما إلى أداتي المظلومية ثم الضعف لتتمكن من عبور المراحل الانتقالية، ولم تفلح الأداة الأولى (المظلومية) على مدار ثمانية أعوام في تغيير الواقع المصري لصالح التنظيم وفقدت دورها السياسي، وأي تعاطف جلبته المظلومية بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي تراجع تأثيره مع صمود النظام في مصر ونجاحه في مواجهة عنف الجماعة وانكشاف الكثير من حيلها الأمنية.

وجاء الدور على فكرة الضعف، والذي بدأت حلقاته مع تكرار الحديث عن الخلاف والانقسام والتدهور الذي يعصف بالجماعة، وفي كل مرة يظهر فيها هذا السيناريو تنشق قيادات وتعلن ابتعادها عن الهياكل الرئيسية، ثم تعود إليها بمجرد أن يشتد عودها.

وهناك قاعدة، الاستثناءات فيها قليلة، أن القيادي الإخواني لا يثور ولا ينشق ولا يستقل برأيه ويظل وفيا لقادته مهما كان خطابه مختلفا معها، فلا تزال التقية من أهم أدوات الجماعة، ولم تعد تجذب الكثيرين لهذا النوع من المعارك لشكهم في حقيقتها، ما يفسر عدم تركيز من يهمهم الأمر في القاهرة على ما يدور بين منير وحسين من تراشقات والتعامل معه على أنه أقرب إلى مسرحية سياسية لم تكتمل فصولها بعد.

6