خلافات المدنيين في السودان تُسقط الرهان على الشارع

الجيش يسير خطوات إلى الأمام ويرجع أخرى إلى الخلف لتشتيت جهود المدنيين.
الخميس 2021/11/18
تعدد الأجندات وغياب التنسيق يصعّبان المهمة

الخرطوم - انعكست الخلافات العلنية بين القوى المدنية الرافضة للانقلاب العسكري في السودان على فاعلية المظاهرات التي دعت لها تنسيقيات لجان المقاومة ودعمتها قوى سياسية الأربعاء، حيث اقتصرت المسيرات على مناطق محددة مقارنة بالمليونيات السابقة، ما يعكس حالة فقدان الثقة في كافة المكونات السياسية التي فشلت في تحقيق أهداف الثورة على نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وخرج الآلاف من المتظاهرين في مناطق متفرقة في الخرطوم ومدينة بحري وأم درمان، من دون أن يؤدي ذلك إلى تأثير واضح على معادلة الحل السياسي.

واستمر تمسّك المكون العسكري بقراراته، ويمضي في طريقه بلا التفات حقيقي لما يدور في الأحياء والميادين، ما يمهد لسقوط تلك الورقة من معادلة الحل السياسي.

وغاب التنسيق بين لجان المقاومة وتجمع المهنيين وعدد من الأحزاب المدنية بعد أن شهدت “الغرفة المشتركة” التي تدير الاحتجاجات خلافات أدت إلى إبعاد تجمع المهنيين من عضويتها وبرّر ذلك بمخالفته الأهداف المتفق عليها بين الأجسام المهنية ولجان المقاومة.

وخسرت لجان المقاومة رهانها على مشاركة قطاعات أكبر من المواطنين بعد أن وظفت اليوم الذي كان من المفترض أن يجري فيه تسليم السلطة للمدنيين الأربعاء (17 نوفمبر) في الدعوة للمظاهرات، وسط توقعات بأن تشهد الأيام المقبلة محاولات لتصحيح الوضع القائم عبر إطلاق مبادرات للتوافق بين القوى المدنية التي تواجه انحسارا في الأدوات التي تُمسكها في مواجهة القرارات التي اتخذها الجيش.

صديق يوسف: إدارة حركة الشارع السوداني ضد الانقلاب ليست موحدة
صديق يوسف: إدارة حركة الشارع السوداني ضد الانقلاب ليست موحدة

ووجه تجمع المهنيين انتقادات علنية للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير قبيل انطلاق مظاهرات الأربعاء، واتهم القوى السياسية التي ترغب في التفاوض مع المكون العسكري بأنها تسعى للمحافظة على مواقعها في السلطة، ونفى مشاركته في اجتماعات جرت تحالف الحرية والتغيير ووسطاء تابعين للجيش أخيرا.

ويرى مراقبون أن فشل القوى السياسية في الوقوف على أرضية مشتركة في مواجهة الانقلاب جعل هناك قناعة شعبية بصعوبة تغيير الوضع القائم بفعل تعدد الأجندات وغياب الحد الأدنى من التنسيق بين القوى المختلفة، في حين أن القيادات العسكرية رسّخت حضورها على رأس السلطة وقطعت شوطا مهمّا في طريق سيرها نحو تطبيق رؤيتها التي هدفت لإبعاد المكون المدني من رأس السلطة.

وتجد تنسيقيات لجان المقاومة التي لعبت الدور الأكبر على مستوى حشد الشارع في مواجهة نظام الرئيس السابق عمر البشير صعوبة بالغة في إقناع المواطنين بالنزول مرة أخرى بعد الصراعات التي نشبت بين القوى السياسية العامين الماضيين.

واعترف القيادي البارز بالحزب الشيوعي صديق يوسف، بعدم وجود مركز واحد يستطيع إدارة حركة الشارع بالرغم من أن كافة المكونات الرافضة للانقلاب تصدر يوميا بيانات تؤكد موقفها الرافض لاختطاف السلطة، ما جعل هناك هتافات عديدة تنال من القوى السياسية التي شاركت في هياكل الحكم الفترة الانتقالية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القوى السياسية وقطاعات واسعة في الشارع ليس لديها من خيار سوى الاحتجاج السلمي، والذي يتراوح بين التظاهر والإضراب والعصيان المدني، وهناك توافق على ضرورة عدم تحويل السودان إلى ليبيا أو صومال جديد، ما يجعل هناك إصرار على الدعوة للتظاهر والاحتجاج بشكل يومي حتى نؤكد أننا ثابتون على موقفنا ولن نتراجع إنهاء الوضع القائم.

وكشف يوسف لـ”العرب” عن إطلاق الحزب الشيوعي مبادرة للمّ شمل القوى السياسية على أن تكون هناك دعوة للقاء واحد يجمع الأحزاب والتيارات على إنهاء الحكم الدكتاتوري، وقدم خطة عمل لكن ما يُصعب الأمر أن الأجهزة الأمنية التابعة للانقلاب تقطع وسائل الاتصال وقامت باعتقال عدد كبير من قيادات الأحزاب.

وشنّت الأجهزة الأمنية الأربعاء حملة اعتقالات جديدة شملت عددا من قيادات الصف الثاني والثالث في أحزاب تحالف الحرية والتغيير، وفرقت المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع وقطعت خدمة الهاتف المحمول، فضلا عن الإنترنت، وأغلقت أربعة جسور رئيسية تربط الخرطوم بمدينتي أم درمان وبحري قبل انطلاق مظاهرات مطالبة بعودة الحكم المدني.

واستطاعت السلطات السودانية من المنظور الأمني أن تربك تحركات القوى السياسية لمواجهة الانقلاب، ما أفقد الحراك زخمه في الشارع بعد أن قطعت الصلات بين القيادات ذات التأثير السياسي والشارع، وتدخلت بصورة خشنة عبر فض التجمعات بالغاز المسيل للدموع ما جعل هناك مخاوف من المواطنين للنزول إلى الشارع مع انتشار العناصر المسلحة على نطاق واسع.

وعلى المستوى السياسي أيضا تحرّك المكون العسكري بصورة أكثر فاعلية وأجاد استخدام الأدوات التي يمتلكها بعد أن تمكن من تشكيل مجلس سيادة جديد شاركت فيه الحركات المسلحة التي كانت مؤيدة للمكون المدني في السابق، واستمر في اللعب بورقة رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك ورفض خسارتها مبكرا لإدراكه بأنه يشكّل رقما مهمّا في الشارع ولا يزال يلوّح بإمكانية ترؤسه للحكومة الجديدة.

ويسير الجيش خطوات إلى الأمام ويرجع أخرى إلى الخلف لتشتيت جهود المدنيين، وعمد إلى إبراز تصريحات عضو مجلس السيادة مالك عقار التي أشار فيها إلى بدء الإطلاق الفوري عن المتعقلين في الوقت الذي استمرت فيه قوات الأمن استخدام الرصاص الحي في مواجهة المحتجين واستمرت في اعتقال المزيد من السياسيين.

وأثبت القائمون على الانقلاب العسكري قدرتهم على مراوغة المجتمع الدولي وبرهنوا على أن الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى ستقف مع الطرف الأقوى بفعل استمرار جهود الوساطة وعدم المضي قدما في خطابات التصعيد التي خفتت حدّتها، واستطاع الشق العسكري أن يظهر توافقا بين مكوناته عكس القوى المدنية التي فشلت في توحيد مواقفها.

وقال المحلل السياسي حسن إسحاق إن الشارع تأثر سلبا بانقسامات القوى السياسية التي أنهت التوافق بين جميع المكونات سريعا عقب الإطاحة بنظام البشير بل إن التحالف الحكومي ذاته تعرض للانقسام، بالتالي فالخفوت الحالي في حجم المسيرات وتأثيراتها تتحمله القوى السياسية.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الإصرار على النزول للشارع يرجع إلى أن وجود بصيص من الأمل في أن يكون هناك تغيير في الوضع القائم يعيد الأمور إلى نصابها السليم، على الرغم من أن الواقع على الأرض يشير إلى صعوبة ذلك لكن ذلك لا يمنع من استمرار التعبير عن رفض الانقلاب.

وذكر أن استمرار الأزمات الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي بصورة ملحوظة جعلا المواطنين يعقدون مقارنات بين فترة حكم البشير والفترة الانتقالية الراهنة، وهو ما جعل هناك حالة من الإحباط العام في الشارع ترجمت في اتخاذ قطاعات من المواطنين قرارات بعدم المشاركة في المظاهرات.

2