خلافات الحركات المسلحة والسلطة تفتح الطريق لعودة الحرب في دارفور

الخرطوم - يعاني إقليم دارفور من فوضى لافتة بعد تصاعد اشتباكات قبلية مؤخرا زادت من تحديات إحلال السلام، واتساع نطاق الخلافات بين حركات مسلحة والسلطة المركزية في الخرطوم، ما يفتح الطريق للعودة مجددا إلى الحرب في غرب السودان، خاصة أن شبح قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بدأ يطل برأسه في التوترات الأخيرة.
وتسببت الاشتباكات في مقتل 12 شخصا وإصابة نحو 40 آخرين، وأعلنت السلطات الأمنية الاثنين فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال الليلي في جنوب دارفور.
ووفق بيان صدر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن الاشتباكات اندلعت الجمعة في محلية بيليل بجنوب دارفورعقب مشاجرة بين أفراد من قبيلة الرزيقات والداجو، وتصاعدت بسرعة إلى أعمال عنف قبلية نتج عنها إحراق عدة قرى.
ولا يزال لغز عدم توقيع الحركات الأبرز في الإقليم على الاتفاق الإطاري يثير علامات استفهام، ويوحي بأن قادتها يريدون استمرار الأوضاع على ما هي عليه للحفاظ على ما تحقق لهم من مكاسب بموجب توقيع اتفاق جوبا للسلام.
وأدت معلومات تحدثت عن مقتل شخص وإصابة اثنين بمنطقة “بئر سليبة” شمال مدينة الجنينة بغرب دارفور إلى شيوع تكنهات حول دخول الحرب مرحلة جديدة، حيث وقعت اشتباكات بين قوات الدعم السريع وعناصر تابعة لحركات مسلحة.
وفتح الحادث المجال للبحث حول مستقبل العلاقة بين الطرفين بعد أن مثّلا تحالفًا في هيكل السلطة المركزية، وشكلا ذراعا في الانقلاب على الحكومة المدنية السابقة.
وقال موقع “دارفور 24” إن خلافات عادية بين أفراد من قوات الدعم السريع ومواطنين تطورت إلى اشتباكات مسلحة، ثم تصاعدت التوترات الأمنية وأفضت إلى احتقان بين حركات مسلحة وقعت على اتفاق جوبا وبين قوات الدعم السريع.
ومع أن الحادث يبدو بسيطًا لكن مدلولاته تشير إلى أن الوئام الذي استمر بين الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع ذات الحضور العسكري الكبير في دارفور بات مهددا.
وإذا لم يتفاهم الطرفان، فإن النزاع بينهما سيكون خطيرا على غرار ما كان يحدث بين حركات مسلحة وميليشيات الجنجويد في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
وثمة تحديات تواجه استمرار الوفاق بين الجانبين لأن اتفاق جوبا للسلام الذي يحافظ على مواقع مهمة للحركات على رأس السلطة أصبح استمراره مهددا.
وتستوجب التعقيدات التي تكتنفه إدخال تعديلات ضرورية عليه، وهو ما يحظى بدعم خارجي بغرض ضم الحركات غير الموقعة على اتفاق جوبا إليه، والتي تحظى بنفوذ سياسي وعسكري يجعلها رقما مهما في أي معادلة سودانية.
وتشير التقديرات إلى ارتفاع عدد الحركات المسلحة في أعقاب توقيع اتفاق السلام إلى 87 حركة مسلحة في السودان، 84 منها في منطقة دارفور وحدها، ما يعني أن الحركات الرئيسية لم تعد تسيطر على الأوضاع تماما.
وقال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إن الأجواء في دارفور لم تشهد تحسنا حقيقيا بعد وقف الحرب، ومرت الأوضاع بفترات هدنة قبل الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر من العام الماضي، بما أفرز تعديلات كبيرة في مراكز الدولة، وتيقن الجميع من أن الحضور الواضح في الإقليم لقوات الدعم السريع.
وتعددت الصراعات سواء أكان ذلك على مستوى النزاع الخفي بين قوات الجيش والدعم السريع أو على مستوى استنفار الحركات التي أسهمت في تهريب أسلحة ومعدات عسكرية لا تمتلكها أجهزة الدولة، ما أسفر عن تكريس الفوضى بالإقليم.
وأضاف الصادق في تصريح لـ”العرب” أن الاشتباكات لها رمزية قبلية، لكن الأبعاد السياسية موجودة في عمليات السلب والنهب والنزاعات المتكررة، وبات استقطاب مجموعات قبلية وشعبية في الإقليم هو السائد بين المكونات المتصارعة.
وحذر من إمكانية العودة إلى أوضاع أسوأ من حالة الحرب التي كان عليها الإقليم في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير، وأصبح نموذج الصومال قابلا للتحقق في الإقليم الذي يواجه وضعية صعبة لأن القبائل تتباين في الأصول العرقية، ما يجعل تعقيدات السياسة حاضرة بقوة في دارفور، وسوف تلعب دورا مهما في هندسة خارطته.
ولم تكن الاشتباكات التي شهدتها محلية بيليل القريبة من مدينة نيالا جنوب دافور مؤخرا بمعزل عن الخلاف بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة.
◙ تراخي السلطة المركزية من العوامل المغذية لما يشهده الإقليم لأنها تتأخر في السيطرة على الاشتباكات وتتخذ قرار حالة الطوارئ ثم تبدأ المشكلة الأساسية تظهر
وإذا كانت حملت أبعادا قبلية بالدرجة الأولى، إلا أن هناك صعوبات تواجهها السلطة المركزية في الخرطوم لوقف تلك الانفلاتات نتيجة انتشار السلاح بين عناصر الحركات والمواطنين، ما يجعلها لا ترتاح للصيغة التي تجد فيها نفسها بموقف ضعف.
وأكد الخبير الإستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن الأبعاد السياسية إلى جانب تنامي الصراعات على الموارد أسهما في توالي الانفلاتات الأمنية في مناطق عديدة بإقليم دارفور مع ظهور الذهب وعدم قدرة السلطة المركزية على تنفيذ بنود اتفاق جوبا للسلام المرتبطة بالحواكير (أي ملكية الأراضي) وتنفيذ ملف الترتيبات الأمنية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تراكم الأحداث يعود إلى عدم عقد مؤتمر الإدارات الأهلية وكان من المقرر انعقاده في سبتمبر من العام الماضي، ويستهدف وضع حدود للمحليات، كما أن انخراط الإدارات الأهلية في العمل السياسي أدى إلى ابتعادها عن دورها الرئيسي المتمثل في الحفاظ على وحدة النسيج المجتمعي بين قبائل دارفور.
وذكر أن تراخي السلطة المركزية من العوامل المغذية لما يشهده الإقليم، لأنها تتأخر في السيطرة على الاشتباكات وتتخذ قرارات بإعلان حالة الطوارئ ثم تبدأ المشكلة الأساسية تظهر، وتتمثل في أن جميع القوات النظامية الموجودة في دارفور نتاج لتجنيد قبلي وتنحاز إلى الطرف الذي تتبعه، ما يقود إلى زيادة أعداد الضحايا واستخدام أسلحة متوسطة لا تتوفر إلا لدى القوات النظامية.