خفوت فورة إصدار السندات البيئية في الأسواق الناشئة

هذا الخفوت يسلط الضوء على التباين بين المقترضين في الأسواق الناشئة والاتحاد الأوروبي الذي يركز بشكل متزايد على المناخ.
الاثنين 2024/03/25
تراجع إصدار السندات الخضراء

لندن – رصد خبراء انحسارا ملحوظا في إصدارات الديون المستخدمة لتمويل الأهداف المناخية في الأسواق الناشئة هذا العام، في ظل القيود المشددة التي يفرضها الأوروبيون على السندات البيئية رغم النمو في إجمالي مبيعات أدوات الدين للبلدان النامية.

ووفقا للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبرغ حول الإصدارات المبيعة دوليا والمقومة باليورو والدولار، حيث تراجع إصدار السندات الخضراء في الأسواق الناشئة 23 في المئة منذ مطلع 2024 وحتى الآن بمقارنة سنوية.

ويسلط هذا الخفوت الضوء على التباين بين المقترضين في الأسواق الناشئة والاتحاد الأوروبي الذي يركز بشكل متزايد على المناخ، حيث يشدد معايير الديون الخضراء بعد اتفاق العام الماضي بشأن الشفافية واستخدام عائداتها.

ويقول الخبراء إن الوضع الراهن يضغط على الدول النامية التي تتطلع إلى الاستفادة من أموال المستثمرين الأثرياء المساندين للبيئة في أوروبا، ولكنها تواجه ضغوطا متزايدة تشمل بيئة ارتفاع أسعار عالميا خلال فترة طويلة. ومن هنا يثير تراجع إصدار أدوات الدين تساؤلات حول حجم التمويه الأخضر، أو تضليل المستثمرين بشأن الفوائد البيئية لتمويلهم.

جوليا بيليغريني: هناك قواعد جديدة تجنب مخاطر التمويه الأخضر
جوليا بيليغريني: هناك قواعد جديدة تجنب مخاطر التمويه الأخضر

وقالت جوليا بيليغريني، كبيرة مديري الاستثمار لتطوير الديون لدى أليانز غلوبال إنفستورز في لندن، إن “القواعد الجديدة تساعد على تنظيم المجال وتجنب مخاطر التمويه الأخضر”.

ولكنها أشارت إلى أن هذا المسار يأتي “وفق وجهة نظر أوروبية للغاية، مما يجعل من الصعب على جهات الإصدار في الأسواق الناشئة التكيف معها. وأوضحت أنه رغم كونها بناءة فإن اللوائح “تثير بعض المتاعب وتعقد الوضع لجهات الإصدار الجديدة”.

ولكي يتم تصنيف الديون على أنها سندات خضراء، بموجب معايير الاتحاد، يجب على المصدرين نشر معلومات قبل البيع توضح بالتفصيل كيفية استخدام العائدات لأهداف بيئية محددة مع إصدار تقارير بشأن تخصيص المبالغ السنوية حتى يتم إنفاقها. كما يجب على المراجعين الخارجيين أيضا تقديم عمليات تدقيق قبل الإصدار وبعده بالإضافة إلى إبداء الرأي بشأن الامتثال.

وفي حين أن هذه القواعد التي تم إصدارها أواخر نوفمبر الماضي لن تدخل حيز التنفيذ حتى نهاية 2024، فإن المستثمرين الأوروبيين يفضلون السندات التي تفي بالفعل ببعض المعايير الإضافية.

وباعت الجهات المصدرة في الأسواق الناشئة ما قيمته 282 مليار دولار من السندات الخضراء خلال العقد الماضي، بما في ذلك رقم قياسي نحو 58 مليار دولار في عام 2023.

ورغم انخفاض الإصدارات، فإن أداء السندات الخضراء لم يخيب آمال المستثمرين في الأسواق الناشئة.

وخسرت إستراتيجيات الاستثمارات التي تراعي معايير البيئة والمجتمع والحوكمة بعض المكاسب الوفيرة المحتملة من رفع التقييمات، عقب فرض عقوبات على روسيا، القوة العالمية في مجال الطاقة، بسبب حربها مع أوكرانيا.

وفقدت السندات الخضراء في الأسواق الناشئة 4.6 في المئة من قيمتها منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل عامين، مقارنة بعائد سلبي قدره 0.5 في المئة على إجمالي ديون الأسواق الناشئة المقومة بالدولار.

وقال فيليب فيلدنج، الرئيس المشارك لقسم الأسواق الناشئة لدى ماكاي شيلدز للاستثمار في أدوات الدخل الثابت، إن فكرة المشاركة في صفقة استثمارية لمجرد تصنيفها على أنها مفيدة للبيئة (خضراء) صارت أقل انتشارا مما كانت عليه في السنوات السابقة. وأضاف أن “الدول التي لديها تقييمات منخفضة في الاستثمارات التي تراعي معايير البيئة والمجتمع والحوكمة كانت أفضل أداء في الأسواق الناشئة العام الماضي”.

وأوضح فيلدنج الذي تدير شركته استثمارات بقيمة 139 مليار دولار أنه غالبا “ما يستبعدها معظم المستثمرين الذين يركزون على السندات الخضراء، ولذلك ينخفض الطلب”. ومع ذلك، قد تنتعش مبيعات السندات الخضراء عندما يصبح المقترضون أكثر دراية بالتصنيف الجديد الذي أصدره الاتحاد الأوروبي، وفق بيليغريني.

282

مليار دولار قيمة السندات الخضراء التي جرى بيعها خلال العقد الماضي، بما في ذلك رقم قياسي نحو 58 مليار دولار في عام 2023.

لكن بيتر فارجا، أحد كبار مديري المحافظ لدى إرستي آسيت مانجمنت يرى أن “الطلب لا يزال قويا للغاية من جانب المستثمرين الأوروبيين”، في إشارة إلى الطلب بقيمة 1.5 مليار دولار التي أصدرتها شركة رايزن البرازيلية المنتجة للإيثانول والسكر.

وقال إن “الأسواق الناشئة تشهد انخفاضا في إصدار السندات الخضراء، مما يولد طلبا قويا عليها”. ويغذي القلق بشأن كيفية استخدام عائدات السندات الخضراء إصدارات الديون البديلة، مثل السندات المرتبطة بالاستدامة أو السندات الاجتماعية.

وعلى عكس السندات الخضراء المستخدمة فقط لتمويل المشاريع البيئية، تسمح السندات المرتبطة بالاستدامة للمصدرين باستخدام العائدات كيفما يختارون ولكن تربط السداد بتحقيق أهداف محددة للاستدامة.

وتقول ترانج نجوين، الرئيسة العالمية لإستراتيجية الائتمان بالأسواق الناشئة لدى بنك بي.أن.بي باريبا، أكبر مدير لإصدارات السندات الأخلاقية، “لقد شهدنا نوعا من التحول عن الاستثمارات التي تراعي معايير البيئة نحو الاستدامة والسندات الاجتماعية”. وأضاف “لقد جاء ذلك وسط تزايد تشكك المستثمرين في المسؤولية، والتأكد من أن العوائد تُستخدم لأغراض الاستدامة”.

وأظهرت بيانات بي.أن.بي باريبا أن قيمة ما تم بيعه من سندات الاستدامة المصدرة منذ مطلع 2024 بلغت 11.3 مليار دولار، مقابل 7.8 مليار دولار قبل عام. وزادت مبيعات السندات الاجتماعية إلى 4.8 مليار دولار من 2.8 مليار دولار، حتى مع تراجع إصدار السندات الخضراء.

ويرى باتريك أوكونيل، محلل الائتمان لدى شركة أليانس بيرنشتاين في نيويورك، أن المستثمرين يجب عليهم أن يبحثوا بعناية في نشرات الإصدار لتحديد، على سبيل المثال، ما إذا كانت عائدات السندات المخصصة لإدماج المجتمعات الريفية لن ينتهي بها المطاف إلى رصف الطرق بالأسفلت كثيف الكربون. وقال باتريك أوكونيل إن “الأمر متروك للمستثمرين للقيام بواجبهم”.

11