خفوت سياسي للدعم السريع مقابل نشاط مكثف للجيش السوداني

عبدالفتاح البرهان يسعى لتعويض إخفاقاته العسكرية، سياسيا ودبلوماسيا.
الاثنين 2024/03/11
تحركات تهدق إلى تعويض ما حدث من تراجعات في الحرب

الخرطوم– أهملت قوات الدعم السريع توظيف الدبلوماسية ووسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة، مقابل نشاط مكثف لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

وبدت قوات الدعم السريع متجاوبة أكثر من اللازم مع مبادرات التسوية ووقف الحرب التي تأتي من قوى مختلفة، ما منح عناصر الجيش السوداني قدرة على الهجوم السياسي والتحفظ على وقف الصراع كنوع من تعويض الإخفاقات الميدانية.

وبعد ساعات من ترحيب قوات الدعم السريع بقرار مجلس الأمن الدولي لوقف الأعمال القتالية خلال شهر رمضان قال مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا، الأحد، “لا هدنة في رمضان إلا إذا نفذت الدعم السريع اتفاق جدة”، لافتا إلى أن الدولة ستتفاوض من أجل إيقاف الحرب عندما يلتزم “التمرد” بتنفيذ مخرجات جدة.

ومنح موقفُ العطا، وقبله موقف وزارة الخارجية التي وضعت شروطا على أي هدنة ترعاها الأمم المتحدة، الجيشَ فرصة الظهور بوضع عسكري أفضل من وضع قوات الدعم السريع التي حققت انتصارات في الفترة الماضية وتفوقت عليه في العديد من المعارك.

وعبرت قوات الدعم السريع في بيان لها السبت عن أمل أن يؤدي قرار مجلس الأمن رقم 2724 إلى تخفيف معاناة السودانيين من خلال إيصال المساعدات وتسهيل حركة المدنيين وبدء مشاورات جادة في العملية السياسية ووقف دائم لإطلاق النار.

مرتضى الغالي: الجيش يرى نفسه أقوى عسكريا لذلك يضع شروطاً للهدنة
مرتضى الغالي: الجيش يرى نفسه أقوى عسكريا لذلك يضع شروطاً للهدنة

في حين طالب العطا وزير الدفاع السوداني بالمضي قدما في إكمال عملية دمج كل قوات الحركات داخل القوات المسلحة ليكون السلاح بيد الجيش الوطني فقط، وتشكيل حكومة حرب “تتولى قيادة الدولة لإكمال حسم التمرد” وإعمار البلاد بعد الحرب، في إشارة إلى تصميم الجيش على الحسم، والإيحاء بأن يده هي الطولى حاليا.

ونشط البرهان وفريقه المعاون سياسيا وإعلاميا أخيرا بغرض تعويض ما حدث من تراجعات في الحرب، والسعي نحو توظيف التجاوب الذي يظهره قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع المبادرات السياسية والإنسانية على أنه ضعف في ميزان القوى العسكري.

وأكد المحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي أن قوات الدعم السريع لم تتراجع سياسيا، لكن تحاول أن تبدي انفتاحاً على المبادرات الدولية بما يعزز موقفها، وهو أحد أبرز أسباب موقفها المؤيد للهدنة الأممية أخيرا، بما يشير إلى انفتاحها على تسوية الصراع وهي تقف على أرضية صلبة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الجيش يرى نفسه في وضعية أفضل عسكريا بما يجعله يضع شروطاً للهدنة، لكن الواقع يؤكد أنه لم يحرر أيا من المناطق الإستراتيجية التي تحت سيطرة الدعم السريع”.

ولفت الغالي إلى أن البرهان يتواجد بعيدا عن القيادة العامة للجيش، بينما الحرب منحت حميدتي فرصة تعزيز علاقاته الدبلوماسية مع عدد من دول الجوار، وهو تطور من أبرز الخسائر التي يعاني منها قائد الجيش حاليا.

ويقول مراقبون إن تجاوب قوات الدعم السريع مع مبادرات وقف الحرب يجعلها تبدو في حالة ضعف، ومحاصرة في أم درمان وولاية الجزيرة وتبحث عن هدنة لتحافظ على مواقع سيطرتها وفرض أمر واقع والتفاوض بموجبه.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن قرار مجلس الأمن يفتقر إلى صيغة الإلزام وصدر تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وليس الفصل السابع، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقدير موقف لمدى التقيد به، واتخاذ خطوات أخرى حال عدم تنفيذه.

خخ

وقال الناشط الحقوقي السوداني نبيل أديب “إن تراجع الدعم السريع ملحوظ عسكريا، ما يجعل الجيش في موقف أفضل نسبيا في مدن أم درمان وشرق النيل، ويظهر ذلك من خلال استعداد الدعم السريع للهدنة، ففي المرة الأولى التي كانت فيها المفاوضات تقترب من هدنة مماثلة ذهب حميدتي إلى لقاء رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك وليس البرهان، وفهم ذلك على أنه رفض ضمني لمساعي التهدئة في ذلك الوقت”.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “قوات الدعم السريع تراجعت على المستوى الدبلوماسي وظهر ذلك عبر ترحيبها السريع بالهدنة الأممية التي لم تشهد موقفًا مماثلاً من جانب الجيش، والطرفان في النهاية سيضطران إلى قبول الحلول السياسية، وقادة الجيش مقتنعون بأن الحرب وسيلة سياسية بأدوات مختلفة، والنهايات التفاوضية التي قد تكون حاضرة في الفترة المقبلة ترتبط بطبيعة الموقف العسكري على الأرض”.

ويرمي خطاب الجيش المتشدد إلى استباق تحركات أميركية يمكن أن تحدث تطورا نوعيا في الصراع يقود إلى تثبيت الهدنة التي حملها قرار مجلس الأمن والتمهيد لاستئناف المفاوضات، وهو ما يريده الجيش حتى يعدل الدفة المختلة لصالحه.

قوات الدعم السريع لم تتراجع سياسيا، لكن تحاول أن تبدي انفتاحاً على المبادرات الدولية بما يعزز موقفها

ويقوم المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو بزيارة إلى أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا ومصر والسعودية والإمارات، خلال الفترة الممتدة من 11 إلى 25 مارس الجاري.

وكشفت وزارة الخارجية الأميركية أن زيارة بيرييلو ستوضح الأولوية التي توليها واشنطن لإنهاء الصراع في السودان وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة والملحة للشعب، ورسم طريق نحو تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية.

وأسفرت محادثات بوساطة سعودية – أميركية بين الجيش والدعم السريع في مايو الماضي عن أول اتفاق عقد في جدة بينهما للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة حدثت في غضونها خروقات وتبادل للاتهامات بين طرفي النزاع.

ووافق مجلس الأمن الدولي الجمعة على القرار رقم 2724 الذي قدمته بريطانيا لوقف الأعمال القتالية في شهر رمضان، لكن آلية تنفيذ القرار مازالت غير واضحة. ومن أهم بنود القرار التزام مجلس الأمن بسيادة السودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، والقلق من الحالة التي تجاوزت حقوق الإنسان بما في ذلك العنف الجنسي.

ويعد قرار مجلس الأمن هو الأول المتعلق بالأزمة الإنسانية والحرب في السودان، وأصدر من قبل ثلاثة بيانات صحفية بشأن الصراع لم تحدث تغييرا ملموسا فيه.

ووضعت وزارة الخارجية السودانية شروطا عقب مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وقف الأعمال القتالية خلال رمضان، في مقدمتها خروج قوات الدعم السريع من مساكن المواطنين والمرافق العامة والأعيان المدنية، وانسحابها من ولايتي الجزيرة وسنار وكل المدن التي قالت الخرطوم إن قوات الدعم السريع اعتدت عليها بعد التوقيع على إعلان المبادئ الإنسانية في مايو الماضي.

1