خفض قيمة العملة المحلية يعمّق جراح الطبقة الوسطى في العراق

تأخر الإصلاحات الاقتصادية ينذر بعودة احتجاجات عنيفة.
الخميس 2021/02/04
قدرة شرائية متراجعة

بغداد – جاءت خطوة تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار التي أقرتها الحكومة العام الماضي، لتعمق أزمات الطبقة الوسطى التي تكاد تتلاشى، خاصة مع تداعيات الجائحة العالمية التي أضرت باقتصاد البلاد المعتمد على النفط.

ويشكو أصحاب المتاجر في بغداد تراجع نسبة البيع والشراء، حيث لم يشتري المتسوقون الكثير منذ خفض العراق قيمة ديناره.

ويقول سعد سلمان، صاحب أحد محلات الحلويات، إن "الوضع الاقتصادي المتدهور وصعود الدولار، دمرا الناس وتسببا في انخفاض القوة الشرائية"، موضحا أن "شخصا ما كان يشتري كيلوغراما، صار الآن يشتري نصف كيلوغرام فقط".

وأضرت الجائحة العالمية لفايروس كورونا المستجدّ باقتصادات أغلب الدول، وأفاد صندوق النقد الدولي في أكتوبر بأن دول الشرق الأوسط تعيش مرحلة ركود اقتصادي، لكن بعض الدول معرضة للخطر بشكل خاص، من بينها العراق.

لكن عددا من الدول النفطية مثل الإمارات، قامت بتنويع اقتصادها عبر الاستثمار في قطاعات التصنيع والسفر والسياحة، في حين ضمنت دول أخرى كالسعودية تخزين احتياطات كبرى من النفط.

وفي محاولة لتسهيل دفع الرواتب، وكذلك لتشجيع الناس على الشراء محليا بدلا من الاعتماد على الواردات، خفضت حكومة مصطفى الكاظمي قيمة الدينار مقابل الدولار بنحو 20 في المئة منذ ديسمبر. ولكن نظرا إلى أن العراق ليس بلدا منتجا في مختلف القطاعات، يضطر العراقيون إلى شراء بضائع مستوردة أصبحت أكثر تكلفة.

ويقول سلمان في محله للحلويات "إن سعر كيس السكر ارتفع بمقدار الثلث وتضاعف سعر الجوز تقريبا".

ويتابع "الآن، بسبب ارتفاع الدولار والمعاشات التي لا يحصل عليها الناس، أصبحت هناك فئتان من الناس طبقة فقيرة وطبقة غنية".

ويوضح علي الصفار من وكالة الطاقة الدولية أنه "يمكن وصف الوضع الاقتصادي في العراق بأنه سيء للغاية".

ويرى أن الوضع في العراق "هو الأكثر خطورة على الأرجح"، ويقول إن "بنية الاقتصاد متزعزعة منذ عقود، حيث لم ينمُ القطاع الخاص بالحجم الذي ينبغي أن يكون عليه، ولا يزال الاعتماد كليا على القطاع الحكومي".

ويعتمد اقتصاد العراق بنحو 98 في المئة على صادرات النفط، ومع توقف السفر وتراجع الطلب على الوقود، تراجعت الإيرادات الحكومية إلى جانب تراجع أسعار النفط.

وتقدر وزارة المالية العراقية أن 7 ملايين عراقي (من حوالي 40 مليون مواطن) يتلقون رواتب حكومية أو معاشات تقاعدية.

ومع انخفاض عائدات النفط بشكل كبير، أصبحت الحكومة تدفع الرواتب والمعاشات بشكل متقطع.

احتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
احتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

ويقول اقتصاديون إن معدل الفقر في العراق ربما قفز من 20 في المئة في 2018 إلى 30 في المئة أو أكثر العام الماضي.

ويعاني العراق أيضا من أعباء مثل إعادة بناء المدن، التي دمرها القتال ضد تنظيم داعش.

ويشدّد اقتصاديون منذ سنوات على أنه من الضروري للعراق أن يكون لديه اقتصاد أكثر تنوعا، بحيث لا تعتمد سبل عيش الكثير من الناس على حركة أسعار النفط.

وفي تصريحات متواترة، قال وزير المالية علي علاوي إنّ لديه خطة لاعتماد "نهج مختلف تماما عن الطريقة التي تمول بها الحكومة نفسها، والطريقة التي يتم بها تخصيص الموارد بين مختلف القطاعات".

وكانت الحكومة العراقية كشفت منذ العام الماضي عن ورقة بيضاء تتضمن خطة للنهوض باقتصاد البلاد، عبر تشجيع الاستثمار وتحسين البنية التحتية وزيادة عائدات الضرائب وتحفيز الزراعة والتصنيع وتحسين جودة التعليم، بما يتلاءم مع سوق العمل العالمية، وقد حملها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي معه في جولاته الخارجية لجذب مستثمرين ومساعدات دولية.

ويقر وزير المالية بأن خطط تنمية اقتصاد البلاد ليست جديدة، لكنها "تعثرت في الماضي لغياب الإرادة الداعمة لها"، لكن الآن هناك اعترافا سياسيا وشعبيا بضرورة الإصلاح.

ويوضح علاوي أن "هناك عددا من الأشخاص سيخسرون، لكن سيستفيد عدد أكبر بكثير".

وستستغرق الإصلاحات الاقتصادية وقتا حتى تثمر وتظهر فوائدها، وفي غضون ذلك، يسعى العراق للحصول على قروض بالمليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي لتخفيف حدة الأزمة.

وحذّر سجاد جياد من مؤسسة القرن من أنه "إذا استمر الوضع الحالي، وتواصل تراجع أسعار النفط، فهناك احتمال حقيقي بأن المزيد من الناس سيضربون أو يحتجون، وقد تصبح الأمور أكثر صعوبة".

واندلعت احتجاجات في العراق خلال أكتوبر 2019، وكان أكبرها في بغداد، لكن الإغلاق للحد من تفشي فايروس كورونا أدى إلى إخمادها، فيما يقول نشطاء إن الفقر المتزايد قد يؤجج الاحتجاجات من جديد.

ويقول زياد الأسعد، الذي شارك في العديد من المظاهرات المناهضة للحكومة، "إن الوضع الاقتصادي يزداد سوءا يوما بعد يوم. سنشهد المزيد من المظاهرات.. المزيد من الاحتجاجات في الشوارع وفي الميدان".