خفض قيمة الدينار ينذر بعودة انقسام المركزي الليبي

ينذر اتخاذ مصرف ليبيا المركزي خطوة خفض العملة المحلية بعد توحيد سعر الصرف لقرابة العامين بعودة الانقسام إلى المؤسسة النقدية، والتي كانت طيلة سنوات الحرب مسرحا للتجاذبات السياسية مما عطل مصالح الناس وتسبب في شح السيولة من السوق.
بنغازي (ليبيا) - أجبرت الظروف الاقتصادية القاسية التي تعاني منها ليبيا البنك المركزي على خفض الدينار بشكل طفيف من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين، بينما لا تزال الانقسامات تضرب المشهد العام في البلد.
وقرر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في وقت سابق من هذا الشهر تعديل سعر صرف عملة البلاد من 4.48 إلى 4.23 دينار مقابل الدولار ضمن خطوة قال في بيان إنها “أحد الإجراءات لمحاربة التضخم الذي وصل إلى 5.25 في المئة”.
ولم يكن البلد الذي يعتمد بشكل مفرط على عوائد النفط في مأمن عن التداعيات السلبية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، حيث أثر ارتفاع أسعار الطاقة والشحن وقلة المعروض الغذائي بسبب الحرب في أوكرانيا على مظاهر حياة الليبيين.
وسجل السعر الرسمي للعملة المحلية انخفاضا أمام الدولار الأميركي، على خلفية رفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) سعر الفائدة، مع استمرار الحرب في شرق أوروبا.
وجراء ذلك قفز سعر صرف الدولار 10 في المئة منذ مطلع العام الحالي وكسر حاجز الخمسة دنانير، ما يعني أن العملة الليبية مرشحة للانخفاض أكثر مع كل خطوة تؤدّي إلى تقوية العملة الأميركية.
ويبرر المسؤولون في المركزي الذين يؤيدون خطوة الخفض بأن العملة الليبية مربوطة بسلة حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي التي يمثل الدولار 42 في المئة منها.
وكان فرعا المركزي في بنغازي وطرابلس قد اتفقا مطلع العام على توحيد سعر الصرف بين المنطقتين الشرقية والغربية بعدما بدأت تظهر علامات التسوية بين الفرقاء السياسيين.
وبرر الفرعان آنذاك اتخاذ تلك الخطوة بعدد من المتغيّرات، منها عرض النقود وأوجه الإنفاق كافة وميزان المدفوعات، وتوصلا إلى السعر الذي كان متداولا لحدود هذا الأسبوع، في ظل المعطيات التي بنت عليها اللجنتان من كل بنك في ذلك الوقت.
وتلك الخطوة وحَدت سعري صرف رسميين مختلفين، حيث صدرت عن أول اجتماع مشترك للبنكين المركزيين المتنازعين في غرب وشرق البلاد منذ 2015.
ولكن القرار الأخير الذي جاء في أعقاب اجتماع أربعة أعضاء من أصل ستة يشكّلون مجلس إدارة المركزي بمقر الإدارة العامة في الهواري بمدينة بنغازي يعطي مؤشرا على عمق الارتباك في وضع السياسات النقدية للبلد النفطي العضو في أوبك.
وجرى الاجتماع في غياب محافظ فرع المركزي بطرابلس الصديق عمر الكبير، الذي يبدو أنَّه غير موافق على تعديل سعر الصرف، بما يوحي بإمكانية العودة إلى سعري صرف رسميين عقب توحيدهما بعد طول انتظار في يناير 2021.
ولوح نائب محافظ المركزي علي الحبري الخميس الماضي باللجوء إلى القضاء الإداري لتنفيذ قرار تعديل سعر صرف الدينار.
وعقد الحبري وبعض أعضاء مجلس إدارة المركزي مؤتمرا صحافيا في مدينة بنغازي، حملوا فيه الصديق الكبير المسؤولية القانونية الناتجة عن عدم تطبيق قرار التعديل، واتهموه بتجاهل دعوات انعقاد مجلس إدارة المصرف.
كما حمّل كل مديري الإدارات في المركزي مسؤولية عدم العمل بالقرار. وقال إن “تحديد سعر الصرف من اختصاص مجلس إدارة المركزي”.
وأضاف “على السلطة التنفيذية في المركزي ممثلة في المحافظ احترام هذا القرار، والعمل به، وهو قرار اقتصادي عادل تم بموجب نصاب مجلس إدارة المصرف”.
وتابع “لقد حرصنا على التئام الشمل كأساس لقيادة المصرف، ولا بد أن ننبه إلى الخطر في حال استمر الانقسام، أو تجاهل مجلس الإدارة من قبل شخص واحد لا يعطيه القانون سوى 10 في المئة من الصلاحيات”.
ويؤكد صناع القرار النقدي أن 90 في المئة من قدرة المركزي غير مفعلة، وأن تعديل سعر الصرف سيخفض من إنفاق الحكومة.
وفي حال تطبيق القرار، سيصبح السعر الجديد ساري المفعول على الفور، على أن تتم مراجعة السعر كل ثلاثة أشهر، وصولا إلى سعر توازني.
وكان علي محمد سالم، نائب المحافظ، الذي ترأس اجتماع مجلس الإدارة الذي اتخذ القرار، قد أفصح عند انتهاء الاجتماع أنَّه “تمّ توجيه دعوة إلى المحافظ الصديق الكبير في الثامن عشر من أغسطس الماضي، تتضمن جدول أعمال بأربعة بنود على رأسها تعديل سعر الصرف”.
4.23
دينار سعر الصرف الجديد للدولار بدل 4.48 دينار المعمول به منذ يناير 2021
وقال إن “الكبير رفض هذا الإجراء في البداية، ثم عاد ووافق عبر رسالة في الواتساب، ليعود ويتجاهل الدعوة والحضور بعد ذلك”.
ونفى الكبير آنذاك عبر صفحة المصرف الرسمية بموقع فيسبوك تعديل السعر في الوقت الحالي، ما دفع إلى عدم تطبيق القرار.
وتأثر المركزي كغيره من المؤسسات الليبية بالانقسام السياسي الذي بدأ عام 2014، وتبعا لذلك انقسم المصرف إلى مصرفين، الأول في طرابلس، وينال اعترافا دوليا، برئاسة الكبير.
أما الثاني فيعمل من مدينة البيضاء شرق البلاد برئاسة الحبري، ولم تفلح الجهود الدولية والأممية حتى الآن في توحيد المصرف بشكل كامل.
وعلى مدى سنوات، أحدثت الأسعار الرسمية المختلفة، وسعر السوق السوداء أيضا، فوضى في الميزانيات وخاصة على قطاع النفط الحيوي الذي تسعى البلاد لرفع إنتاجه إلى مليوني برميل يوميا كمرحلة أولى بعد تغيير إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة مؤخرا.
وتتيح احتياطيات النفط الليبية للدولة موارد وفيرة لدفع تكاليف جهود إعادة الإعمار، لكن يتطلب الأمر حل نزاعاتها السياسية أولا.
ويشكل إنتاج ليبيا من النفط حاليا جزءا بسيطا جدا من قدرات الدولة الحقيقية، مع إغلاق الميليشيات والمتظاهرين السياسيين لحقول النفط وخطوط الأنابيب والموانئ بشكل متكرر لفرض مطالبهم.
وانخفض الإنتاج منذ أبريل الماضي وسط أحدث صراع على السلطة، ثم تعافى لاحقا بعد تغيير إدارة مؤسسة النفط، والتوصل إلى اتفاق لتخفيف التوترات بين المؤسسة ووزارة النفط.
ويقول محللون إن هذا الخلل يؤدي إلى عرقلة الجهود المبذولة لإصلاح البنية التحتية للطاقة المتهالكة ذات الصيانة الضعيفة في البلاد.
ورغم ذلك فإن عمالقة الطاقة على غرار توتال وإيني وشل أبدت استعدادها لاستثمار مليارات الدولارات لاستغلال احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في ليبيا، بالإضافة إلى إمكانات توليد الطاقة الشمسية فيها.