خفض تصنيف تركيا مقدمة لذروة أزمات جديدة

اختزل تقرير وكالة فيتش الذي صاحب خفض التصنيف الائتماني للديون التركية أسباب قلق المستثمرين من ذروة جديدة للأزمات المالية والاقتصادية في وقت توشك فيه البلاد على التعرض لعقوبات أميركية وأوروبية، يمكن أن تزلزل الثقة الهشة بالاقتصاد التركي.
واشنطن - تصاعد قلق المستثمرين والأوساط المالية العالمية من اقتراب تركيا من أزمات اقتصادية قد تكون أعمق من جميع الأزمات السابقة، بسبب تلويح الرئيس رجب طيب أردوغان بتصعيد تدخله في السياسات المالية ومواجهاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
واختزل تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني عناصر القلق، التي يمكن أن تسقط أحجار الدومينو وتدفع الاقتصاد التركي إلى حفرة عميقة، في تقريره الذي فسر سبب خفض تصنيف الديون التركية.
وكانت الوكالة قد أعلنت خفض درجة تصنيف الدين الائتماني لتركيا إلى “بي.بي سلبي” مع نظرة مستقبلية سلبية بعد أعقاب إقالة حاكم البنك المركزي بمرسوم من الرئيس أردوغان.
وقالت في بيان إن إقالة مراد تشيتين كايا بسبب امتناعه عن تنفيذ توجيهات الحكومة “يمكن أن يلحق مزيدا من الضرر في ثقة المستثمرين المحليين والأجانب الضعيفة أصلا” بالاقتصاد التركي.
وأضافت الوكالة أن تلك الخطوة يمكن أن “تعرض للخطر تدفق رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لتركيا لتمويلاتها الخارجية”.
ويجمع المحللون والمؤسسات المالية العالمية على أن تدخل أردوغان في السياسات المالية كان السبب الرئيسي للأزمات المالية والاقتصادية المتواصلة منذ العام الماضي.
وأشارت الوكالة إلى محور المخاوف، وهو خصومة أردوغان الشديدة لمعدلات الفائدة المرتفعة، التي وصفها مرارا بأنها “أساس كل الشرور” وتأكيده وجود خطط لخفضها من أجل تحفيز النمو، وهو ما يتعارض مع السياسات التي ينبغي اتخاذها لمواجهة ارتفاع التضخم.
ويبلغ معدل الفائدة الأساسية حاليا 24 بالمئة منذ اضطر البنك المركزي لرفعها بمقدار 6.25 بالمئة في سبتمبر الماضي في أعقاب أزمة زلزلت سعر صرف الليرة التركية في أغسطس الماضي.
وقالت الوكالة إن إقالة حاكم البنك المركزي تكشف أن أردوغان لن يقبل بفترة من النمو الضئيل لامتصاص غليان التضخم. وقد أكد أردوغان بالتزامن مع إقالة محافظ البنك المركزي أن معدلات الفائدة الحالية “غير مقبولة” ووعد بإيجاد حل في أقرب وقت.
وأشارت فيتش بقلق إلى أن “الرئيس عبر باستمرار عن وجهات نظر غير منطقية بشأن العلاقة بين معدلات الفائدة والتضخم وتأكيده أن استبدال محافظ البنك المركزي سببه عدم التزامه بتوجيهات الحكومة بشأن معدلات الفائدة”.
وبررت الوكالة خفض درجة تصنيف الديون التركية بأجواء “تراجع استقلالية المؤسسات وكذلك مصداقية وتماسك السياسة الاقتصادية”. وأكدت أن قرار إقالة حاكم البنك المركزي “سيعزز الشكوك في آفاق إدارة المالية العامة والإصلاحات الهيكلية”.
ورجحت أن تتعرض تركيا إلى عقوبات اقتصادية من جانب الولايات المتحدة بعد تسلمها منظومة صواريخ أس 400 الروسية.
وأضافت “نعتقد أن هذه العقوبات المهمة نسبيا سيكون لها تأثير ضئيل على الاقتصاد لكن تأثيرها على ثقة المستثمرين والجهات الاقتصادية الفاعلة يمكن أن يكون كبيرا”.
وكانت وكالة بلومبرغ قد كشفت أن فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب توصل إلى اتفاق بشأن حزمة عقوبات ضد أنقرة بسبب صفقة منظومة الصواريخ الروسية.
وذكرت الوكالة أن الإدارة الأميركية اختارت واحدة من ثلاث مجموعات من الإجراءات، التي تم تصميمها لإحداث درجات متفاوتة من الأضرار طبقا لقانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات.
ونسبت إلى مصادر مطلعة تأكيدها أن واشنطن اتفقت على الإعلان عن العقوبات في أواخر الأسبوع الحالي لأنها تريد الانتظار حتى بعد ذكرى محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 التي مرت الاثنين، لتجنب إثارة مزاعم أردوغان بأن الولايات المتحدة كانت مسؤولة عن محاولة الانقلاب.
وتم وضع الخطة بعد أيام من المناقشات بين المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي. وذكرت المصادر، شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن العقوبات تنتظر توقيع ترامب وكبار مستشاريه. ورفضت متحدثة باسم وزارة الخارجية التعليق.
وانتقد محللون تعلق أردوغان بأوهام غريبة، بعد أن قال في مقابلة تلفزيونية إن ترامب يملك سلطة الإحجام عن فرض عقوبات على تركيا لشرائها أنظمة الدفاع الجوي الروسية وإن عليه إيجاد “حل وسط” في هذا الخلاف.
ويؤكد المحللون أن العقوبات أمر حتمي لأن شراء الصواريخ الروسية يمكن أن يقوض الكثير من برامج حلف شمال الأطلسي الناتو، وأنها ستتضمن حتما مشاركة تركيا في برامج التسليح وصناعة مكونات لطائرة أف 35.
ويمكن أن تتفاقم الأزمات التركية بعد أن أكد دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي إمكانية فرض عقوبات تتضمن تحجيم الاتصالات مع أنقرة وتقليص التمويل المخصص لها، بسبب إصرارها على انتهاك سيادة قبرص العضو في التكتل الأوروبي.
وجاء في مسودة قرار ناقشه الدبلوماسيون أنه في ظل “استمرار أنشطة تنقيب تركيا غير القانوني” عن الغاز في المياه القبرصية فإن على الاتحاد أن يقلص التمويل المرتبط بمحادثات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي “سيفرض عقوبات. افرض ما بوسعك من عقوبات. فأنت لم تدافع عن حقوق الأتراك في شمال قبرص”.
ويبدو أردوغان مندفعا لتصعيد الحماس الشعبي، بعد التراجع الحاد في شعبيته، التي ظهرت في الهزيمة الثقيلة في انتخابات إسطنبول البلدية، التي تعد المعيار الرئيسي لتوجهات الرأي العام، الذي أرهقته الأزمات الاقتصادية، التي يفتعلها أردوغان.
وجدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس، العناد التركي بالقول إن تركيا ستواصل التنقيب عن الغاز قبالة ساحل قبرص إذا لم تقبل حكومة القبارصة اليونانيين المعترف بها دوليا مقترحا للتعاون تقدم به القبارصة الأتراك.
وتصاعد التوتر بعدما حذرت تركيا شركات الطاقة من العمل مع نيقوسيا وأرسلت سفينتين للتنقيب قبالة ساحل الجزيرة. وأصدرت قبرص مذكرات اعتقال بحق طاقم إحدى السفينتين.
وتقول تركيا إنه لا يحق لسلطات الشطر اليوناني من قبرص إبرام اتفاقات بشأن المناطق البحرية أو التنقيب عن الطاقة نيابة عن الجزيرة كلها.