خفض أوبك+ إنتاج النفط يدفع الإدارة الأميركية إلى تخفيف العقوبات على فنزويلا

واشنطن - تستعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا، للسماح لشركة "شيفرون" الأميركية باستئناف ضخ النفط هناك، ما يمهد الطريق أمام احتمالية إعادة فتح الأسواق الأميركية والأوروبية أمام صادرات فنزويلا النفطية، حسب ما ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ويأتي التحرك الأميركي عقب موافقة تحالف أوبك+ الأربعاء على خفض كبير لإنتاج النفط، وصفته إدارة الرئيس جو بايدن بأنه قرار مفاجئ و"قصير النظر"، بينما اعتبره الكرملين الخميس أنه "سيؤدي إلى استقرار سوق النفط".
واتفق أعضاء المنظمة، التي تضم 13 دولة وحلفاءها العشرة بقيادة روسيا، خلال اجتماعهم في فيينا على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر. وهذا أكبر خفض منذ ذروة تفشي جائحة كورونا عام 2020.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادر مطلعة على المناقشات قولها، إن في مقابل تخفيف العقوبات بشكل كبير، ستستأنف حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو المحادثات المعلقة منذ فترة طويلة مع المعارضة في البلاد، لمناقشة الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في العام 2024.
وأضافت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن واشنطن وكاراكاس وبعض شخصيات المعارضة الفنزويلية قد توصلوا إلى اتفاق من شأنه أن "يحرر مئات الملايين من الدولارات" من أموال الدولة الفنزويلية المجمدة في البنوك الأميركية، لدفع ثمن واردات الأغذية والأدوية والمعدات لشبكة الكهرباء المتصدعة في البلاد وأنظمة المياه.
ووفقا لتقرير نشرته الصحيفة الخميس، قال مسؤولون أميركيون إن التفاصيل لا تزال قيد المناقشة، لكنهم حذروا من أن "الصفقة قد تفشل لأنها تتوقف على استئناف كبار مساعدي مادورو المحادثات مع المعارضة بحسن نية".
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون "لا توجد خطط لتغيير سياسة العقوبات الخاصة بنا دون اتخاذ خطوات بناءة من نظام مادورو".
كما صرحت المصادر للصحيفة بأنه إذا تم تنفيذ الصفقة وتم السماح لشركة "شيفرون"، إلى جانب شركات خدمات النفط الأميركية، بالعمل في فنزويلا مرة أخرى، فسيتم طرح كمية محدودة فقط من النفط الجديد في السوق العالمية على المدى القصير.
وتصدر فنزويلا الآن نحو 450 ألف برميل يوميا، ويمكنها مضاعفة هذا الرقم في غضون أشهر، وفقا لما ذكره أشخاص مطلعون على صناعة النفط في فنزويلا، يشعرون بالتفاؤل بشأن مستقبلها.
ويأتي مشروع حقل الغاز البحري بيرلا، الذي تتولى شركتا "ريبسولا" الإسبانية و"إيني" الإيطالية تشغيله، ضمن المشاريع المهمة المحتملة في فنزويلا.
وترقب شركة "شل" أيضا التقدم على مسار التقارب المحتمل بين الولايات المتحدة وفنزويلا لتنفيذ صفقة غاز بحري أولية قبالة شرق فنزويلا، من شأنها أن توفر الغاز لمصنع تسييل الغاز في دولة ترينيداد وتباجو المجاورة، وفقا لأشخاص مطلعين على أعمال الشركة.
وتحظى مشروعات الغاز بأهمية خاصة، في وقت تسعى فيه أوروبا جاهدة لتوفير مصادر بديلة لإمدادات الغاز التي قطعتها روسيا قبيل الشتاء.
وقالت المصادر المطلعة على المناقشات إن أي تحول في سياسة واشنطن يعيد شركات النفط الغربية من شأنه أن "يرسل إشارة نفسية" إلى السوق بأن المزيد من المعروض قادم في الطريق.
وأشارت المصادر إلى أن تقاربا أميركيا يلوح في الأفق الآن مع فنزويلا، التي تقع على قمة بعض أكبر احتياطيات النفط في العالم، في خضم قرار منظمة "أوبك" الأربعاء خفض الإنتاج استجابة لتراجع أسعار النفط، الأمر الذي أغضب إدارة بايدن.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبير الطاقة في "جامعة رايس" الأميركية فرانسيسكو مونالدي، قوله إن "إشراك فنزويلا يمكن أن يكون بمثابة إستراتيجية طويلة الأجل للولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تحاول تأمين مصادر جديدة للطاقة مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا".
وأضاف "إذا انخفضت أسعار النفط فقد يتغير كل هذا. لكن في الوقت الحالي يظل انخفاض الإنتاج الذي سيؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار الطاقة، هو هاجس الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين".
ورأت الصحيفة أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وفنزويلا، الذي من المتوقع أن يتم دعم شروطه في وقت لاحق من الشهر الجاري، هو أحدث علامة على استعداد واشنطن لإنهاء حملة الضغط ضد حكومة مادورو التي ورثتها عن إدارة ترامب.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصفقة المحتملة قد تواجه عقبات محتملة، وقالت "يثير الاقتراح الغضب بين بعض أشد أعداء النظام، الذين يقولون إن الإستراتيجية الجديدة ستسمح لمادورو بالحفاظ على قبضته الاستبدادية على البلاد مع القليل من التنازلات".
ومن ناحية أخرى، قد لا تحظى الصفقة بتأييد واسع من قبل البعض في حكومة مادورو.
ونقلت الصحيفة عن مدير "برنامج فنزويلا" في مكتب واشنطن لأميركا اللاتينية جيف رامزي، قوله "داخل النظام، هناك متشددون ينتقدون بشدة التحول النيوليبرالي لمادورو".
وأضاف "وفي داخل المعارضة، هناك لاعبون مهتمون جدا بفعل كل ما هو ممكن للضغط من أجل حكومة مؤقتة".
ووفقا لتقرير الصحيفة الأميركية، قال بعض قادة المعارضة الفنزويلية إن الأموال التي سيتم الإفراج عنها يمكن أن "تغري" مادورو، الذي تحايلت حكومته في الأعوام الأخيرة على العقوبات الأميركية من خلال بيع نفطها الخام الثقيل إلى الصين والمشترين الآسيويين الآخرين بخصومات كبيرة.
ولم يعلق المتحدث باسم شركة "شيفرون" راي فور على الصفقة المقترحة، لكنه قال إن الشركة "خصصت استثمارات في فنزويلا وقوة عاملة كبيرة تعتمد على تواجدنا هناك"، موضحا أن الشركة تلتزم بإطار العقوبات الحالي.
وقال المدير التنفيذي السابق لشركة "شيفرون" علي مشيري، الذي أشرف على توسيع عمليات الشركة في أميركا اللاتينية وعمل عن كثب مع المسؤولين الفنزويليين، إن تحول إدارة بايدن يبدو أنه يعكس الضغط السياسي الذي أعقب ارتفاع أسعار الطاقة وشح الإمدادات العالمية.
وأضاف "من المنطقي أن تخفف إدارة بايدن بعض العقوبات المفروضة على فنزويلا، للسماح بموارد متعددة لمساعدتنا على خفض أسعار الطاقة".
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات بين المسؤولين الأميركيين والفنزويليين قد بدأت بهدوء منذ مارس الماضي، لكنها اكتسبت زخما عندما أطلقت فنزويلا السبت سراح 6 مواطنين أميركيين ومقيم دائم في الولايات المتحدة كان قد سجن هناك، وفي المقابل، أطلقت واشنطن سراح رجلين كانا قد أدينا بتهريب المخدرات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي بارز، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن "تبادل السجناء هذا خلق بعض الفرص الجديدة" بين الجانبين، التي لم تكن موجودة قبل أسبوع.
وقالت "الجورنال" إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الذي يدير العقوبات ضد فنزويلا، يستعد حاليا لإصدار ترخيص واحد أو أكثر لشركة "شيفرون" لتشغيل مشاريعها النفطية الأربعة، القائمة مع "شركة النفط الوطنية الفنزويلية" المملوكة للدولة.
وأوضحت الصحيفة أن مع تولي "شيفرون" المسؤولية عن جميع جوانب المشاريع، وتقديم الولايات المتحدة تصريحا لتصدير النفط، يمكن لفنزويلا أن تستعيد أهميتها في سوق النفط التي تمتعت بها خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت واحدا من المصدرين الرئيسيين للنفط الخام إلى الولايات المتحدة.