خطوة سودانية تمهد لمحاكمة البشير أمام الجنائية الدولية

يفتح تصديق الحكومة السودانية على الانضمام لمعاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية مسارات قضائية دولية أمام رموز النظام السابق المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إلا أن الحسابات السياسية والمناكفات القانونية بين مكونات الحكم في السودان قد تعيق هذه المسارات.
الخرطوم - صوت مجلس الوزراء السوداني لصالح المصادقة على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة جديدة باتجاه محاكمة محتملة للرئيس السابق عمر البشير أمام هذه الهيئة الدولية في لاهاي.
ويرى سياسيون أن الحكومة السودانية بالرغم من أهميتها، إلا أنها مثل الحرث في الماء لأنها لم تجر التوافق بعد بين المكونين المدني والعسكري على طريقة وشكل محاكمة رموز النظام السابق أمام المحكمة الجنائية الدولية.

نبيل أديب: الحكومة تسعى لبناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي
وأوضح رئيس لجنة التحقيق في جريمة فض اعتصام القيادة العامة نبيل أديب لـ”العرب” أن الحكومة تسعى لبناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي ودرجت مؤخرا على إجازة مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تتفق مع معايير حقوق الإنسان وتلقى قبولا على مستويات دولية عديدة، وأن إجازة القرار الأخير تجعل السودان جزءا من إعادة تشكيل القانون الجنائي الدولي.
ونظام روما الأساسي اعتمد عام 1998 بالعاصمة الإيطالية، ودخل حيّز التنفيذ عام 2002، ليعلن بذلك تأسيس أول محكمة جنائية دولية دائمة، تتولى المحاسبة على ما يشهده العالم من حروب ونزاعات تتضمن انتهاكات واضحة للحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي الإنساني.
واعتقل البشير وتجري محاكمته بعد إطاحته في 2019 تحت ضغط ثورة شعبية وهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية.
وفي فبراير 2020 وعد مجلس السيادة الانتقالي، أعلى سلطة في البلاد تم تشكيلها للإشراف على الانتقال، بمثول البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرات اعتقال بحقه بتهم ارتكاب تطهير عرقي وجرائم إبادة جماعية أثناء النزاع في إقليم دارفور غرب البلاد والذي اندلع عام 2003.
ويحاكم البشير بتهمة القيام بانقلاب عسكري على النظام في يونيو 1989. وهو موجود في سجن كوبر بالعاصمة السودانية.
ومنتصف فبراير وقع السودان والمحكمة الجنائية الدولية مذكرة تفاهم بشأن محاكمة علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف بـ”علي كوشيب” أحد زعماء قوات الجنجويد السودانية، الذي سلّم نفسه للجنائية في يونيو 2020.
وأصدرت المحكمة الجنائية في 2007 و2009 و2010 و2012 مذكرات اعتقال بحق كل من الرئيس المعزول عمر البشير، وعبدالرحيم حسين وزير الدفاع الأسبق، وأحمد محمد هارون أحد مساعدي البشير ووزير الداخلية الأسبق، وكوشيب، بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
وأواخر يونيو الماضي قرر مجلس الوزراء السوداني تسليم المحكمة الجنائية المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور، دون أن يوضح ما إذا كان ذلك يشمل البشير أم لا.
واندلع في الإقليم عام 2003 نزاع مسلح بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وتواجه الحكومة الانتقالية في السودان تحدّيا كبيرا يتمثل في تحقيق العدالة التي كانت الدافع الرئيسي وراء ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بالرئيس المعزول.
ويقول أحمد سليمان الباحث في برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) في تقرير نشره المعهد، إن الفظائع التي ارتكبت في ظل نظام البشير موثقة على نحو جيد بالفعل مثل مقتل مئات الآلاف من السودانيين وتشريد الملايين منهم في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
واعتبر سليمان أن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية هو مجرد جزء من عملية عدالة انتقالية شاملة مطلوبة لعلاج الفظائع التي ارتكبت قبل الثورة وأثناءها وبعدها.
ومن المتوقع أن يتم قريبا سن قانون لتأسيس لجنة العدالة الانتقالية التي ستقود المشاورات الوطنية لتقييم ما تعتبره المجتمعات المختلفة في السودان إنصافا لما ارتكب في الماضي من جرائم وكيفية تحقيق ذلك.

الفاتح حسين: خلافات المرحلة الانتقالية تبطئ المسارات القضائية
ويبدو موقف محاكمة البشير أمام القضاء المحلي أو المحكمة الجنائية الدولية محل انقسام بين القوى السودانية، فهناك فريق يعتمد على فكرة السيادة ويطالب بمثوله فقط للمحاكمة محليا، بينما يتخوف الفريق المقابل من إطالة أمد المحاكمة وتعويم محاسبته.
وتتهم بعض الحركات المسلحة في دارفور المكون العسكري بتعطيل عملية تسليم البشير للجنائية خوفا من أن تؤدي هذه الخطوة إلى توريط بعض القيادات الكبيرة في المؤسسة العسكرية السودانية قيل إنها شاركت بالفعل أو التواطؤ في ما جرى بدارفور وتخشى من ممارسة ضغوط لمحاكمتها معه.
وسيكون السودان أمام مفاوضات شاقة سواء على مستوى مكوناته الداخلية أو مع المحكمة الجنائية الدولية للاتفاق على التفاصيل التمهيدية لتسليم المتهمين في ارتكاب جرائم حرب بدارفور، وبالتالي فإن إصدار القرار الأخير يأتي ضمن أوراق الضغط التي يستخدمها المكون المدني لحث العسكريين على حلحلة جمود الملف.
ويشير متابعون إلى أن محاكمة البشير سوف تظل سيفا مسلطا على رقبة المكون العسكري والمكون المدني، فالأول يتهم بالتستر على جرائم البشير، والثاني متهم بعدم القدرة على تطبيق العدالة ومغازلة فلول النظام السابق.
وأشار عضو تجمع المهنيين السودانيين الفاتح حسين إلى أن خلافات المرحلة الانتقالية تؤدي إلى تباطؤ التحرك في المسارات العدلية والقضائية في ظل عدم حسم التحقيق في قضية فض اعتصام القيادة العامة حتى الآن، وطالما ظل الأمر مرتبطا بخروج القضية من نطاقها المحلي إلى الدولي، فإن التباطؤ سوف يستمر مستقبلا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة المدنية تقدم ما يثبت جديتها في التعامل مع أي جرائم وتدعم الإجراءات القضائية التي تدعم عدم إفلات المواطنين من العقاب، غير أن مجلس السيادة قد يكون له رأي آخر في ظل مخاوف أطراف عديدة داخل المكون العسكري من أن تطالها الاتهامات.
ويؤكد مراقبون أن إرسال البشير لمواجهة العدالة الدولية سوف يفرض المزيد من الضغط على الشراكة غير المستقرة بالفعل بين المكونين المدني والعسكري، ولكن هناك حالة إحباط عام متنامية إزاء الوتيرة البطيئة للتحقيق في الفظائع التي ارتكبت في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019، ومخاوف بشأن مرسوم عفو صادر عن مجلس السيادة الذي يبدو أنه يوفر درجة معينة من الإعفاء من العقوبة لقوات الأمن الحكومية.
ويشير هؤلاء إلى أنه أمام هاته التجاذبات فإن الخيار العملي والأكثر ملاءمة هو تسليم جميع المشتبه بهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث أن ذلك سيظهر للمواطنين السودانيين أن الحكومة الانتقالية صادقة في وعودها بالتعامل مع موروثات عهد البشير.