خطوات عراقية نحو تعزيز منظومة الدفع الإلكتروني

البنك المركزي يستبعد فرض قيود جديدة على البنوك للحد من تهريب الدولارات.
الجمعة 2025/02/28
الأوضاع مبدئيا تحت السيطرة

يراقب المتابعون باهتمام مساعي العراق لتسريع تركيز منظومة الدفع الإلكتروني، التي يبدو أنه في أمسّ الحاجة إليها لتجنيب الاقتصاد فوضى التعاملات النقدية البعيدة عن القنوات الرسمية، وتطوير النظام المالي، الذي ظل ضعفه لسنوات أحد عوامل استشراء الفساد والرشوة.

العراق - يكشف إصرار صناع القرار النقدي في العراق على تجسيد خطط رقمنة التعاملات المالية على أرض الواقع أن الضغوط التي يتعرض لها البلد لتطويق السوق السوداء للتعاملات المالية كانت دافعا رئيسيا للمضي في هذا المسار.

وتدفع التحولات التكنولوجية المتسارعة في إدارة الأنشطة الاقتصادية بغداد إلى ركوب الموجة التي تخلّفت عنها بسبب تراكم الأزمات نظرا لما تحمله من محفزات للرفع من كفاءة التعاملات وشفافيتها وكونها أداة تعول عليها السلطات لتنمية التسوق الرقمي.

ويتسلح البنك المركزي بخارطة طريق كاملة لرقمنة الخدمات المصرفية عبر الدفع الإلكتروني باعتباره أداة رئيسة للتحول الرقمي، وفق ما أكده محافظ البنك علي العلاق خلال مؤتمر مالي في نسخته التاسعة انطلق الأربعاء الماضي في بغداد.

علي العلاق: الإنجازات المتحققة تعتبر نقلة جوهرية في النظام المالي
علي العلاق: الإنجازات المتحققة تعتبر نقلة جوهرية في النظام المالي

وترى الحكومة أن توسيع هذه التجربة يمثل دعما مهما للبنك المركزي والاقتصاد العراقي، وتقليل تكاليف نقل الأموال الورقية، وكذلك جعلها بمأمن وأيضا سد ثغرات تهريب العملة.

ولئن ارتفعت نسبة الشمول المالي بشكل ملحوظ مقارنة مع عام 2022 استنادا إلى المعطيات الرسمية، فإن الخبراء يرون أنه لا يزال ضئيلا. ومع ذلك حقق العراق تكاملا دوليا عبر ربط منظومته للدفع الإلكتروني بشبكات عالمية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن العلاق قوله خلال المؤتمر السنوي للمالية والخدمات المصرفية إن “الإنجازات المتحققة في مجال تقنية المعلومات والمدفوعات الإلكترونية في البنك المركزي تعد نقلة جوهرية في النظام المالي.”

وأضاف “سنكون قريبا أمام تحولات أكبر في عالم يشهد تحولا رقميا كبيرا وعصر الهيمنة الرقمية الطاغي.. عصر الاقتصاد الرقمي والمعرفي.”

وتشير إحصائيات المركزي إلى أن عدد شركات الدفع الإلكتروني بالسوق المحلية يبلغ 16 شركة. ومن المتوقع أن ينمو عدد شركات القطاع خلال السنوات القليلة المقبلة.

كما تظهر الأرقام أن الخدمات الرقمية يتم استخدامها من قبل 6 ملايين عراقي من الموظفين والمتقاعدين في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 45 مليون نسمة.

ورفع دعم البنك المركزي ترخيص وتشغيل المحافظ الإلكترونية عبر الهواتف النقالة التي تتيح الشحن والتحويل ودفع الفواتير، نسبة الشمول المالي إلى أكثر من 40 في المئة مقارنة مع 20 في المئة‎ قبل ثلاث سنوات.

وتظهر الإحصائيات الرسمية أن عدد أجهزة الصراف الآلي في مختلف محافظات البلاد يبلغ 63 ألفا، والصرافات الإلكترونية بلغت 4 آلاف، فيما عدد البطاقات المصرفية بلغ حوالي 17 مليون بطاقة.

وتعزيزا للتوجه نحو الرقمنة يدرس البنك المركزي إطلاق عملة رقمية خاضعة لإشراف البنك المركزي بالتنسيق مع منظمات وجهات مختصة دولية وعربية، وبشكل مباشر مع صندوق النقد العربي.

◙ وكالة بلومبيرغ توكد أن 20 بنكا عراقيا تمارس عمليات التحويل المباشر بينها وبين مراسلين في الخارج بثماني عملات أجنبية

ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز القطاع المالي حتى يسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.

وبذل المسؤولون جهودا لمحاصرة السوق السوداء للعملة، والتي يعتقد خبراء أنها محاولة قد تعطي ثمارها بمرور الوقت مع انتهاء كافة عمليات السحب النقدي بالدولار بنهاية العام الماضي.

ورغم تحسّن عوائد النفط، إلا أن البلد يمرّ بالعديد من الأزمات حيث بلغ معدل الفقر 25 في المئة، فيما تشير أرقام البنك الدولي إلى أن النسبة عند 40 في المئة.

وفي أعقاب تصاعد المخاوف من تقييد البنوك العراقية في التعامل بالدولار منذ أشهر، طمأن العلاق الأسواق، مؤكدا عدم فرض قيود جديدة، لكن البعض يعتقد أن هذا لا يكفي هذا لتهدئة الأوضاع المالية في البلاد.

وقال “ما من قيود جديدة ستطال البنوك العراقية،” كما أن هناك “إشادة وموقفا إيجابيا من الجهات الدولية بخصوص البيع النقدي للدولار.”

وكان المركزي العراقي حظر العام الماضي على 8 بنوك التعامل بالدولار، فيما أوردت رويترز قبل أيام أن الحظر سيشمل 5 بنوك أخرى بعد اجتماعات عُقدت في دبي الأسبوع الماضي مع مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي).

وحاليا، هناك 20 بنكا عراقيا تمارس عمليات التحويل المباشر بينها وبين مراسلين في الخارج بثماني عملات أجنبية، فيما يجري العمل على تأهيل البنوك المتبقية لتتمكن من إتمام عمليات التحويل بالعملات الأجنبية مجددا، وفق وكالة بلومبيرغ.

وفي يوليو الماضي، انخرطت بغداد في محادثات في واشنطن مع وزارة الخزانة الأميركية لمعالجة قضايا من بينها القيود المفروضة على الدولار، بحسب ما ذكره وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مؤتمر صحفي في ذلك الوقت.

وعانت السوق العراقية خلال عام 2023 نقصا في توافر الدولار، بعد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي بفحص التحويلات إلى البنوك العراقية عن كثب.

40

في المئة نسبة الشمول المالي ارتفاعا من 20 في المئة قبل ثلاث سنوات، وفق البيانات الرسمية

وجاء ذلك وسط شكوك في استخدام الشركات والأفراد الإيرانيين البنوك في العراق المجاور، للوصول إلى الدولار، والالتفاف على العقوبات الأميركية.

وتعهد المركزي العراقي بتقييد جميع المعاملات التجارية الداخلية اعتبارا من 2024، في محاولة للحد من التعاملات بالدولار خارج القطاع المصرفي، والحد من تهريبه إلى الخارج.

ويشكل الفساد الذي كلّف البلد ما يساوي ضعفي ناتجه المحلي الإجمالي السنوي أي أكثر من 450 مليار دولار، أبرز هموم العراقيين الذين يعانون من نقص في الكهرباء والمستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسية.

ولدى السلطات النقدية برنامج لإعادة هيكلة البنوك الحكومية والبالغ عددها ستة تتوزع بين بنوك تجارية وأخرى خاصة بالتعاون مع المنظّمات الدولية المعنية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وهناك أكثر من 50 بنكا تعمل في البلاد، لكن معظمها لم يدخل على نشاطه أي تحديثات وخاصة من ناحية التكنولوجيا المالية التي أضحت أحد المحددات التي تقيس معايير الشفافية والسرعة في تأمين المدفوعات والتعاملات التجارية.

وتستحوذ ثلاثة بنوك كبرى فقط، وهي الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة، على نحو 85 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.

ولا يوجد سوى بنك دولي واحد يعمل في البلاد، وهو ستاندرد تشارترد، ويمتلك عددا قليلا من الفروع ويركز على المشاريع الحكومية الكبرى.

11